* إعادة الامل الى الامة بحاجة الى ثقتها بالإصلاح، والأولية في العراق، هي لتربية النفوس على الصلاح
* الديمقراطية الحالية، تسمح للناس ان ينتخبوا ثم تسلب منهم إرادة فسخ العقد غير المرئي، وغير المكتوب، ما بين الذين ينتخبون وبين الذين يرشحون انفسهم للانتخابات و يفوزون
* من المخاطر التي تهدد الإصلاح؛ أن لا يملك المصلحون رؤية واضحة، لما يريدون، وليس فقط لما لا يريدون
* الخروج في تظاهرات له تأثير سريع، بمعنى انه ينبّه الحاكمين الى أخطائهم، لكن هذا عمل تكتيكي، وله تأثير سريع، لكنه وقتي، بينما نحتاج الى أن نبني دولة على مقاييس صحيحة، وان نؤسس الامة التي يشعر كل فرد فيها بأن عليه مسؤولية كاملة
التقت مجلة الهدى الصادرة في مدينة كربلاء مع سماحة آية الله السيد هادي المدرسي، في اثناء زيارة لمدينة كربلاء المقدسة،. فكان الحوار التالي:
س: سماحة السيد؛ من أين يبدأ الإصلاح؟
- من الفرد.
س: ومن أين يبدأ الفرد بالإصلاح؟
- من النفس. فالبداية الصحيحة؛ هي تزكية النفس.
س: من يكون من المفترض أن يقود الإصلاح باعتقادكم؟
- الصالحون، لان فاقد الشيء لا يعطيه.
س: ومن هم الصالحون؟
- العلماء المتقون.
س: باعتقادكم، أيهما أولى في العراق؛ إعادة الأمل؟ أم المضي في مسيرة الإصلاحات.
- من الاثنين في وقت واحد، فلا أمل بدون الإصلاح، ولا يُقدم على الإصلاح من يكون يائساً منه. إن دور العلماء الأساس، هو توجيه الأمة الى ما فيه صلاحها، وبما أن العلماء، هم الأمناء على رسالة الدين، فلابد أن يتحملوا مسؤوليتهم في هذا الامر، فليس من حق العالم ان يعتزل المجتمع، كما ليس من حق المجتمع ان يعتزل عن العلماء. ثم إن إعادة الامل الى الامة بحاجة الى ثقتها بالإصلاح، والأولية في العراق، هي لتربية النفوس على الصلاح والسعي لإصلاح الامور، ومواجهة الفساد، كما أن الأولوية في عهد الطغاة، هي لمواجهة الطغيان، وحشد طاقات الامة للقضاء على ظاهرة الطاغوت.
س: تقولون ظاهرة...! هل تقصدون أن الطاغوت ليس شخصاً؟
- الطاغوت شخص، ولكنه نتاج مجموعة من العوامل، فكلما توفرت تلك العوامل ظهر الطاغوت، فعندما لا تملك الامة بصيرة ثاقبة للمسيرة التي لابد من طيّها، وحينما تستسلم الامة للفرد وتعظمه دون استحقاق، ولا تشارك في اتخاذ القرار، بل تخضع لما يقرره الحاكم، حينئذ يقوم الطاغوت، فلو اننا عالجنا النتائج، ولم نعالج الجذور، فان الطغيان يتحول الى ظاهرة، فلا نقضي على طاغوت إلا لنقيم طاغوتاً آخر.
س: في قضية الإصلاحات، نحن نجد ان هنالك حركة في المجتمع باتجاه فرض الإصلاحات على السلطات الحاكمة، وهذا ما يظهر في التظاهرات التي تجري في مختلف مدن العراق، الى أين من هنا؟ والى متى يجب ان تستمر هذه التظاهرات؟
- ان المطلوب اساسا مراقبة الامة لمن تنتخبهم، فلا يكفي ان تأتي الى صناديق الاقتراع كل اربع سنوات وتنتخب هذا وذاك، وان كان ذلك البداية، فعلى جميع الافراد ان يفتحوا عيونهم وينتخبوا الصالحين، فمسؤولية الفرد ان يرفض انتخاب من لا يراه صالحاً، وإلا كان شريكاً معه فيما يفعل، ولكن هذا لا يكفي، بل لابد ان يراقب كل فرد من ينتخبه، وان يحاسبه إن أخطأ، و أن يشجعه إن أصاب.
إن الديمقراطية التي فيها حق الانتخاب للأفراد، وليس عليهم واجب المراقبة، ولا له حق الاعتراض على ما يفعله المنتَخَب، هذه ديمقراطية ناقصة، لأنها قد تنتج الديكتاتورية، وقد حدث ان ديمقراطيات في العالم، كانت تعتمد على انتخاب الناس، فأنتجت طغاة في نهاية المطاف، لانها اكتفت بالانتخاب في البداية؛ كل أربع سنوات او سبع سنوات، ولم تكن (الديمقراطية) قائمة على مسؤولية كل فرد في المراقبة والمحاسبة، والاعتراض.
س: ماذا عن دور النخبة المثقفة؛ أهو إثارة مشاعر الناس، أم تعميق الوعي ونشر الثقافة والفكر في طريق الإصلاح؟
- المطلوب اساساً، هو ان يكون كل فرد راعياً في الوقت الذي يكون مرعيّاً، كما يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". فتعميق الوعي وتنظيم الناس بشكل صحيح، وتوعيتهم، ومن ثم نشر الثقافة الرائدة والبصيرة الثاقبة، والفكر البناء، هو المطلوب، بينما إثارة المشاعر والتعبئة، هي قضية جانبية وليست هدفاً اساسياً، وحتى القضايا التي فيها اثارة المشاعر، او التي دوافعها الاحاسيس والمشاعر، فلابد ان تؤدي الى تثقيف الناس وتبصيرهم، ومن ثم تحويلهم الى افراد صالحين في أنفسهم ومصلحين في مجتمعهم.
هنالك عاملان يجب ان نهتم بهما:
العامل الاول: الزمن، والعامل الثاني: ما يجب ان نقوم به في هذا الزمان وذاك.
فأحياناً نحتاج الى إثارة المشاعر والتعبئة، لكن دائماً نحتاج الى تعميق الوعي، ونشر الثقافة، وهذا يجب ان يتم في مجالين؛ الاول: سريع النتائج، والثاني: عميق النتائج، فالخروج في تظاهرات له تأثير سريع، بمعنى انه ينبّه الحاكمين الى أخطائهم ويدفعهم الى تصحيح ما يقومون به، لكن هذا عمل تكتيكي، وله تأثير سريع، لكنه وقتي، بينما نحتاج الى أن نبني دولة على مقاييس صحيحة وان نؤسس الامة التي يشعر كل فرد فيها بأن عليه مسؤولية كاملة وانه لا يوجد حاكمون ومحكومون، إنما هنالك وكلاء للناس، لابد ان لا يخونوا الامانة، وان اصحاب القرار هم في الدرجة الاولى افراد الامة، فاذا أخطأ الحاكم الذي انتخبه الناس كوكيل عنهم، فان من حق الموكّل ان يفسخ وكالته، وليس فقط ان يعترض على ما يفعل.
إن الديمقراطية الحالية، تسمح للناس ان ينتخبوا ثم تسلب منهم إرادة فسخ هذا العقد غير المرئي، وغير المكتوب، ما بين الذين ينتخبون وبين الذين يرشحون انفسهم للانتخابات و يفوزون، بينما من حق الناس أن ينتخبوا، كما من حقهم ايضاً ان يعزلوا، فاذا رأى المسؤول انه قد يُعزل في أي وقت، اذا ما أخطأ في عمله، فانه سيراقب نفسه حتى لا يرتكب الاخطاء والخطايا، وهذه المراقبة والمحاسبة، هي المطلوبة، والقيام بالعزل - اذا تطلب الامر- ايضاً مطلوب، ويجب ان يستمر منذ البداية، لا ان نترك الذين انتخبهم الناس مدة اربع سنوات، حتى اذا افسدوا وارتكبوا الخطايا، حينئذ نحاسبهم، فهذا يشبه ان ترى السرّاق قد دخلوا بيتك، فتتركهم حتى يسرقوا ما يريدون ويجمعوا ما في البيت، وعندما يريدون الخروج تركض وراءهم وتصرخ: "حرامي... حرامي"!!
ان السلطة تفسد الصالحين فكيف بغيرهم، بدليل قوله تعالى: {...إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}، لذا علينا ان لا نعطي لأحد سلطة مطلقة.
إن من الخطأ منذ البداية، أن يعطي الناس وكالة بلا عزل لكل مسؤول حتى يفعل ما يريد، علماً أن أغلب الذين ذهبوا الى صناديق الاقتراع، كان يتصور انه يعطي السلطة، لأحدهم، سواء كان يعرفه او لا يعرفه، لأنه في قائمة معينة، لا لكي يفعل ما يشاء ويتصرف كما يريد، إذ كان التصور، انه ينتخب الصالحين وانهم سيفعلون ما يجب عليهم.
س: الطريق الى تحقيق الإصلاح، أهو مرحلي وبالتقسيط أم بالحل الشامل؟
- في البداية؛ لابد من وجود نظرة شاملة، لمسألة الصلاح والإصلاح، لأن النظرية المجزئة والمتبورة غير قادرة على تصحيح الامور، وفعل ما يجب، اذن؛ لابد من وجود نظرية للحل الشامل، انما قد نقوم بعمل مرحلي لتحقيق ذلك الحل الشامل.
س: يقول البعض، إن التخريب سهل لكن الإصلاح صعب. فلماذا تصرون على الإصلاح بسرعة؟
- أولاً: صحيح، ان إتمام الإصلاح يحتاج الى زمان، لكن البدء به لا يحتاج الى زمان.
ثانياً: هل إن عقداً ونصفاً من الزمان، أي خمسة عشر عاماً، لم تكن كافية لتحقيق الإصلاح؟! تصوروا في الجانب الاقتصادي، كان مدخول العراق خلال الفترة الماضية، ألف مليار دولار. ولمدة 15 عاماً كانت هذه الاموال بيد المسؤولين، أين ذهبت؟ وما الذي انتجت هذه الاموال؟ فاين الطرقات الوسيعة، وأين البنايات الشاهقة؟ واين المصانع؟ وأين المعامل؟ واين الجامعات؟ وأين الثقافة الواعدة؟ وأين تهذيب النفوس؟ نحن لو نظرنا الى الجانب المادي البحت فقط، فان هنالك مقارنة ما بين دولتين في المنطقة؛ أي بين العراق وإمارة دبي، فقد تحولت دبي بأربعين مليار دولار، وخلال عشرين عاماً الى مركز اقتصادي مهم في المنطقة، بعد ان كانت قرية صغيرة تعيش على صدقات الآخرين. أما في العراق؛ ألا يجب ان تكون ألف مليار دولار، أي ترليون دولار، عامل تغيير كبير بأضعاف ما نراه في دبي؟ ثم هاك المثل الآخر في تركيا، ففي تركيا حدث تبدّل، وجاء الذين ينادون بالإصلاح واستطاعوا ان يغيروا الكثير، لأنهم بالفعل كانوا ينشدون الإصلاح، مع قطع النظر عن اخطائهم الخارجية وأخطائهم الداخلية، لكن النتيجة؛ أن مدخول الفرد التركي تضاعف من 3 آلاف دولار سنوياً، الى 12 الف دولار. ثم حصل لهم تقدم كبير في مجال الصناعة والبناء والامن والرفاهية، مع اننا لا نرى ان تركيا او دبي يمثلان النموذج، بالنسبة للعراق، وهو بلد المقدسات، حيث يجب أن لا يقتصر الإصلاح على الجانب المالي، ولا التقدم الصناعي، فلابد أن يتحول العراق الى مصدر للإشعاع الفكري والثقافي بالإضافة الى الجوانب المادية.
س: ماذا تقولون حول موجات الهجرة التي بدأت من العراق باتجاه الخارج؟
- ان المهاجرين من العراق ينشدون؛ إما الرفاهية الاقتصادية، او الامن، او كليهما، فاذا وفرنا كلا الامرين في الداخل، فلا تبقى حاجة لان نقول للناس: لا تهاجروا. بل العكس؛ ربما يتحول العراق الى مقصد المهاجرين. لكن على ابناء العراق، خاصة اصحاب الكفاءات، من مهنيين واساتذة وأطباء وطلاب، أن يبنوا بلدهم، لا أن يهاجروا من بلدهم، إن جهودك يجب ان تصب في وطنك، أما أن يهاجر المثقفون والشباب ليبنوا مدن الآخرين، فهذا هروب باتجاه غير صحيح. نعم؛ من كان مستضعفاً في بلده، دينياً او أمنياً، كأن لا يكون قادراً ان يمارس حريته، وان يحقق العدالة لنفسه وعائلته وأمته، وان يلتزم بدينه ومقدساته، فان من حقه ان يهاجر لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}. لكن هذه الشروط غير متوفرة في العراق، لذا من الافضل ان يبقى ابناء العراق في العراق، ليدافعوا عن أمنهم ومقدساتهم، وان يبنوا العراق بإرادتهم المستقلة.
س: كيف نستضيء بنور القرآن الكريم وبنور أهل البيت لتحقيق الإصلاح؟
- القرآن الكريم كتاب الإصلاح، بل هو منهج السماء لصلاح الارض وإصلاح من يعيش عليها، حتى فيما يرتبط بالبناء في الجانب الاقتصادي او الاجتماعي، وربنا يقول: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}. أي طلب منكم عمارتها. فكل آيات القرآن هي آيات الإصلاح، كذلك ارشادات النبي والأئمة، صلوات الله عليهم، فكلها تدعو الى الإصلاح، لذا علينا ان نستنطق القرآن لأدوائنا، كما يقول الحديث الشريف: "...استنطقوه لأدوائكم" بمعنى؛ اعرض نفسك ووطنك على القرآن، ثم انظر الى من سبق وما حدث للأمم الاخرى، كيف ان بعض الأمم تحولت من حالة التخلف، الى حالة الحضارة، وكيف حصل العكس لأمم أخرى، فهذه الآيات القرآنية تمثل وصفات للصلاح والإصلاح.
س: ما هو اكبر خطر يهدد الإصلاح؟
- هنالك مجموعة مخاطر:
الاول: ان يرفع المفسدون شعار الإصلاح، ويخدعوا الناس بذلك ليستمروا في فسادهم وإفسادهم.
الخطر الثاني: ان لا يملك المصلحون رؤية واضحة، لما يريدون وليس فقط لما لا يريدون. الخطر الثالث: ان يتوقف من ينادي بالإصلاح في منتصف الطريق لكي يعود الناس الى سابق عهدهم.
س: اين نحن الآن في العراق؟
- نحن في عنق الزجاجة، فقد كنّا محصورين في داخل الزجاجة، والآن نريد الخروج، وطبيعي أن من يريد الخروج من الزجاجة عليه أن يمر بفترة صعبة، لكن المهم ان لا نعود الى الوراء. وان نستمر في المحاولة حتى نخرج من الزجاجة وننطلق في آفاق الحياة.
اضف تعليق