شهدت الدول الفقيرة، ولاسيما الدول التي خرجت من نظام الاقتصاد الحكومي في أوروبا الشرقية وبعض البلدان العربية غير النفطية، منذ العقد الثامن من القرن العشرين تحولات تاريخية تمثلت في تعزيز هيمنة الحكومات النيوليبرالية الغنية في التعامل مع اوضاعها الاقتصادية والسياسية.
اذ شهدت هذه الاوضاع خلال عقود ثلاثة أزمات ترتبت على انفلات اقتصاد السوق، ومنها تفاقم المديونيات وتوسع الفقر وارتفاع معدلات البطالة، وفي سياق التدهور والتحولات البنيوية التي شهدتها الدول العربية غير النفطية، فان تشخيص اوضاع الدول من قبل المنظمات الدولية، يقوم على اساس انحسار دور الدولة المركزية في ادارة الموارد وتأمين الاحتياجات الاجتماعية، وعلى اللامركزية ومشاركة الافراد من خلال المنظمات غير الحكومية باعتبارها تحقق الانتقال الى المجتمع المدني.
وان مثل هذه المنظمات تبني وتعزز قدرات المجتمعات والجماعات المحلية على ممارسة المسؤولية في التنمية الذاتية، وعلى المساءلة في مجالات ترشيد السياسات والادارات الحكومية، وشاع في هذا السياق ترويج مفهوم المجتمع المدني الموجه، في خطابات المنظمات الدولية، والتي من بينها منظمة الاسكوا، الى المجتمعات العربية باعتباره مفهوماً تتقاطع في تبنيه الرؤى الديمقراطية في التنمية والتقدم السياسي والاجتماعي.
ويطرح خبراء الاسكوا تساؤلاً، مفاده، هو لماذا لم تتمكن منظمات المجتمع المدني من قيادة الاصلاح في المنطقة العربية كما هو الحال في أوروبا الشرقية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي؟
ويرى البعض كجواب لذلك يرجع للاسباب الأتية :
- الالتباس والخلط في مفهوم المجتمع المدني ودوره في التنمية.
- تداخل مهامها في تقديم الخدمات العامة مع مهام الحكومات .
- خضوعها لوصاية الجهات المانحة او الداعمة .
- ضعف نيتها المؤسسية وعدم استدامة أعمالها غالباً.
- تمثيل بعضها لجهات حكومية حاكمة او انحيازها لفئات طائفية او مصالح انتخابية.
- غلبة الطابع الخيري والرعوي على أنشطتها .
- هيمنة الممارسات البيروقراطية وتأثرها بشخصية افرادها المؤسسين.
- تشتيت خبرات المنظمات الحقوقية والدفاعية وضعف المتابعة لها.
دور منظمات المجتمع المدني في التنمية الاقتصادية
يظهر دور هذا النمط من المؤسسات في التنمية الاقتصادية من خلال الأتي :
1- الحد من ظاهرة الفقر سواء من خلال تقديم المساعدات المالية المباشرة او عن طريق تقديم الخدمات للفقراء بشكل مباشر او غير مباشر، من خلال تنمية مهارات الفقراء عن طريق التعليم والتثقيف والتأهيل.
2- ان منظمات المجتمع المدني قادرة على ان تقدم خدمات بمستوى عالي من الجودة وبتكلفة اقل من الناحية الاقتصادية مما لو قامت به الحكومة، لاسيما في الدول النامية التي تعاني من البيروقراطية وارتفاع التكاليف في تنفيذ المشاريع، فهذه المؤسسات تسعى للتنافس للحصول على الدعم والتمويل، ومن ثم فأنها تحاول اثبات قدرتها على تقديم الخدمات بأقل التكاليف، فضلا عن قربها واحتكاكها بالمجتمع، مما يجعلها على تماس باحتياجات كافة شرائح المجتمع.
3- ان المصاريف السنوية لهذه المنظمات لها اثر مباشر في الاقتصاد ناجم عن زيادة الطلب على السلع والخدمات التي تنتج في المصانع، واثر غير مباشر ناجم عن طلب المصانع والمعامل على انتاج مصانع اخرى ترتبط بالمصانع الاولى، كون ان هذه المنظمات والمؤسسات تمثل حلقة وصل مابين الاثنين باعتبارها تشكل طلباً يضاف الى طلب المجتمع، وتشير الدراسات ان مجموع الاثرين يشكلان في الولايات المتحدة الاميركية مانسبته (43%) من اجمالي الاثر في الانتاج، وان خلق فرص العمل الناتجة عن الاثرين يشكل مانسبته (37%) من اجمالي الاثر العام.
4- يسهم قطاع العمل المدني في زيادة فرص العمل، اذ تشير الاحصائيات الى ان نسبة مساهمة القوى العاملة في منظمات المجتمع المدني الى اجمالي السكان الفاعلين اقتصادياً تشكل مايقارب (4,4%) على مستوى العالم، منها (7,2%) مدفوعة الاجر، بينما تصل نسبة التطوع فيها الى (6,15%)، وترتفع هذه النسب في الدول المتقدمة عما هو موجود في الدول النامية والناشئة، اذ تصل في الدول المتقدمة الى (4,7%)، والتي بأجر تكون (7,4%) والتطوعية (7,2%) على التوالي، بينما في الدول النامية تصل الى (9,1%) و(2,1%) و(7,0%) على التوالي، بحسب تقرير التنمية البشرية للعام 2006.
وبذلك أصبحت منظمات المجتمع المدني من العناصر الفاعلة والهامة في تنفيذ المشاريع الاستثمارية، ويتوضح نشاطها في الميدان الاقتصادي فيما ذكرته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأن منظمات المجتمع المدني استثمرت حوالي (11-12) مليار دولار أمريكي على شكل معونات إنمائية تقدم سنويا إلى البلدان النامية في أواخر التسعينيات، وقد أوضح تقرير منظمة التعاون والتنميه فى الميدان الإقتصادى أن عدد المنظمات غير الحكوميه الدوليه زاد من 6000 منظمة عام 1990 ليصبح أكثر من 50 ألف منظمة عام 2006 ثم ليزداد ليقترب من 130 ألف منظمة غير حكومية عام 2010، كما يشير تقرير منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الإقتصادى أن هذه المنظمات قدمت مساعدات تقدر بحوالى 15 مليار دولار أمريكى من المساعدات الدوليه حتى عام 2006 وزادت إلى 100 مليار دولار أمريكى حتى عام 2009.
اضف تعليق