q

من أسوأ ما تعرض له العراق من تداعيات، بسب الفوضى الخلاقة، هي تحويل الصناعة العراقية الى (خبر كان)، وتحويل المصانع والمعامل العراقية الضخمة كمعمل (البتروكيمياويات في البصرة) والمتوسطة كمعمل (الاطارات في الديوانية والنجف)، والمعامل الحرفية الصغيرة الخاصة للمواطنين (مئات المعامل الحرفية الصغيرة) غرب الشعلة في العاصمة بغداد ومثلها في عموم المحافظات العراقية، كانت تنتج نسبة كبيرة تفوق نصف ما تحتاجه السوق العراقية من مواد، ولكنها وفق تخطيط مسبق لوأد الصناعة الوطنية انتهت كلها الى الاغلاق والتعطيل التام.

جميع المعامل والمصانع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة تمت محاربتها بصورة منهجية كي تتوقف تماما، وكي يكون المنتج العراقي غائبا تماما، حتى يتحول العراق الى سوق للمنتجات القادمة من الخارج، فيغدو العراق مستهلكا فقط، ومنتجا للنفظ فقط، أي أن العراقيين يبيعون النفط من اجل أن يحولوا العملات الصعبة الى الدول الاخرى، ويتضح هذا الهدف الخبيث من خلال المخططات الاقتصادية الواضحة التي استهدفت تدمير المنتج المحلي العراقي.

ولا زلت أتذكر تلك اللوعة التي كان يتكلم بها عدد من اصحاب المصانع الصغيرة ممن كانو يرفدون السوق العراقية (بالقماصل الشتوية المصنوعة من الجلود، وانواع الأحذية، وأنواع الأنابيب)، وقد ازدهرت صناعتهم، لكنهم على حين غرة فقدوا كل شيء واضطروا لإغلاق معاملهم الصغيرة والعمل في البناء وحرف اخرى، والسبب هو عدم توفير الكهرباء وخول البضاعة الاجنبية الاقل سعرا والأكثر جودة في مخطط خبيث لتدمير المنتج العراقي المحلي.

مبادرة مهمة ومتميزة

وفي مبادرة مهمة ورائعة ورائدة ايضا، بادرت (مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام/ وهي مؤسسة اعلامية ثقافية) الى اطلاق حملة (صنع في العراق) دعما للمنتج العراقي المحلي، لاسيما أن هناك تجارب صناعية في العراق يُشار لها بالبنان كما نلاحظ ذلك في معامل (الألبسة الجاهزة في النجف، والاطارات في الديوانية) وغيرها من المعامل الكثيرة التي كانت تكفي حاجة الاسواق العراقية من السلع والمواد المختلفة.

وهناك تجربة جيدة في الديوانية بهذا الخصوص حيث تلاقي معامل الخياطة النسائية رواجا كبيرا في محافظة الديوانية، على الرغم من انتشار البضاعة المستوردة ودخول الموديلات الكثيرة إلى الأسواق، ويعزو أصحاب هذه المهنة أسباب ذلك إلى عدم توفر كافة المقاسات او الموديلات في الملابس المستوردة، إضافة الى رخص ثمن المحلي، إذ تقول العاملة ابتسام داخل والتي تعمل في معمل خياطة (قسام ونجلاء)، ان هناك إقبالا جيدا من النساء على الملابس التي يخيطها المعمل بالرغم من انتشار البضاعة المستوردة ودخول الموديلات الكثيرة إلى الأسواق، وعن طبيعة عملهن، أوضحت ان العاملات في مجال عملنا وتحديدا المعمل الذي أعمل فيه هن من النساء فقط، ويكون الدوام من الثامنة ونصف حتى الخامسة عصرا وأكثر الأوقات تأتي الزبونات عند انتهاء الدوام الثالثة عصرا، مؤكدا ان ما يتقاضينه من راتب جيد ولا بأس به بمقارنته بعملهن. فيما أوضحت السيدة الديوانية أم عامر التي عندها أربعة بنات غير متزوجات، والتي التقينا بها في واحد من معامل خياطة الملابس النسائية، انها تقصد معمل الملابس المحلية، لأنها لا تستطيع شراء ملابس جاهزة من السوق بسبب ارتفاع اسعارها.

كذلك هناك خطوات نعتقد أنها مهمة تدخل في مجال دعم المنتج المحلي والتقليل من نسبة الاعتماد على المنتجات التركية، لاسيما بعد أن أبدت حكومتها بعض الاستهتار في التعامل مع الوضع العراقي السياسي والاقتصادي، ومحاولات الحكومة التركية المستمرة للإساءة الى العراق، سياسيا واقتصاديا، وآخرها الازمة السياسية التي اختلقتها تركيا عبر اجتاح قوات عسكرية تركية للاراضي العراقية بحجج واهية، الامر الذي يدل على ان تركيا لم تراعي حق الجوار، وتتجاوز على المواثيق والاعراف الدولية، الامر الذي يتطلب وضع حد لها عبر كثير من الاجراءات، ومنها وربما اكثرها تأثيرا تقليص او الغاء او مقاطعة السلع التركية، والاعتماد على المنتج المحلي وهو امر ممكن تماما في حالة التخطيط لذلك.

أهداف تركية مبيّتة

بحسب تقارير وزارة التخطيط فان حجم التبادل التجاري العراقي مع تركيا يبلغ من 10 الى 12 مليار دولار سنويا، تتوزع اغلبها في الاستيراد العراقي من تركيا المنتجات الغذائية والملابس والاجهزة الكهربائية، اذ يعتبر بلدنا من الدولة المستوردة اكثر من المصدرة سواء النفط، فالتوغل التركي على السيادة العراقية خلال الاونة الاخيرة رغم تبعياته السياسية السلبية افضى لجوانب ايجابية اسهمت بردود افعال شعبية عارمة تدعو لمقاطعة للمنتجات التركية والتوجه لدعم المنتج الوطني الذي عانى الركود الحاد خلال السنوات الماضية.

اذ اطلق ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حملة (صُنع في العراق) مخصصة لدعم المنتجات العراقية، الغاية من ذلك بحسب القائمين على الحملة هو توعية المواطنين بأهمية دعم المنتجات الوطنية بجميع المجالات وفتح المجال امامها ودعمها وعدم اقتناء اي منتج غير محلي، بالمقابل فان الصناعة الوطنية استجابت لتلك الدعوات وبدأت عجلة المعامل العراقية بطرح انتاجها للسوق المحلية، لكن السؤال الذي يطرح على ارض الواقع اليوم، هل يستطيع ملاك صناعتنا الوطنية مواجهة العفريت التركي؟.

وقد اشاد كثيرون بهذه التجربة الاعلامية الوطنية التي دعت الى استنهاض الصناعة المحلية ودعم المنتج العراقي، كما قامت بذلك اعلاميا شبكة النبأ المعلوماتية، حيث اسهمت اعلاميا في هذه الحملة التي حصدت نتائج مشجعة جدا، فقد قال وعد ابراهيم، أن (شبكة النبأ المعلومية) منبر اعلامي فعال دعا من خلاله العراقيون لدعم الانتاج الوطني بالقول "ادعو كل عراقي غيور على سيادة بلده التي انتهكت من قبل الحكومة التركية التي تعتمد في اقتصادها بالدرجة الاساس على الاستيراد العراقي". ويقول "على كل مواطن عندما تذهب الى المول او السوبر ماركت او المحل وتبدأ بشراء انواع معينة من الاجبان والألبان حاول ان تأخذ احد منتجات شركة البان واجبان ابو غريب، فهي بدون مواد حافظه وتخضع للرقابة الصحية المشددة، اما المدخنين حاول أن تجرب سجائر سومر العراقية الجديدة، وتابع أبراهيم "ان تشجيع هذه المصانع وجعلها تستمر في عملها سيهم في تخفيض الاستيراد من الخارج، ويوفر فرص عمل لعشرات الآلاف من اليد العاملة العاطلة، وينشط القطاع الخاص الامر يعود على قلة الاستيراد العراق، من الاستيراد الغير مبرر الذي وصل الى حد استيراد الماء من دول الجوار ونحن بلد لديه نهرين.

مقاطعة البضائع التركية

وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي لطيف عبد سالم العگيلي إنَّ" تصاعد المطالبات الشعبية حول ضرورة توجه الحكومة العراقية صوب المقاطعة الاقتصادية مع تركيا على خلفيةِ توغل قواتها العسكرية في الأراضي العراقية يعد عاملاً مشجعاً لإدارةِ الصناعة العراقية، ولاسِيَّمَا مفاصل القطاع الخاص للنهوضِ بالصناعةِ الوطنية، والشروع بتأهيلِ الإنتاج المحلي وتطويره لزيادةِ المعروض من السلعِ والبضائع، التي يحتاجها المستهلك بقصدِ المساهمة الفاعلة في مهمةِ سد العجز، الذي سيخلفه قرار مقاطعة البضائع التركية، الذي قد تلجأ إليه الحكومة العراقية، واضاف العكيلي في حديثه لــ (شبكة النبأ المعلوماتية ) "من المهم الإشارة إلى أنَّ فرصةَ الرجوع بالصناعةِ العراقية إلى سابقِ عهدها كانت حاضرة منذ بداية الأزمة السورية التي حفلت بفقدانِ المنتجات السورية من السوقِ المحلي، فضلاً عن ارتفاعِ أسعار السلع والبضائع". وبين العكيلي (شبكة النبأ المعلوماتية )" إنَّ المستهلكَ في العراق، سيساهم بدعمِ المنتج المحلي تعبيراً عن شعوره بالمواطنة، التي تقضي بوقفةٍ وطنية حيال ما تتعرض له بلادنا من تحدياتٍ مصيرية، ساهمت في جزءٍ منها سياسة الإغراق السلعي التي تسببت بهشاشةِ اقتصادنا الوطني منذ عام 2003 م، بوصفها وفي مقدمتها ظاهرة الاغراق السلعي التي تعد من العواملِ التي ساهمت بفاعليةٍ في إطلاقِ رصاصة الرحمة على القطاعِ الخاص العراقي، الذي كان نكوصه وأفول نشاطاته من أبرزِ العوامل المعجلة بتهشيمِ العمود الفقري للصناعةِ الوطنية، التي ماتزال تعاني الإهمال في ظلِ فوضى الرؤى الاقتصادية خلال المدة الماضية، التي أفضت إلى زيادةِ مصاعبها وضياع فرص تطورها، بالإضافةِ إلى والتي استمرار معاناتها من مخلفاتِها على الرغمِ من كونِها من النشاطاتِ الاقتصادية الرائدة في المنطقة".

إن الواقع الاقتصادي الراهن للعراق يؤكد أهمية دعم المنتج العراقي، وهناك نتائج سياسية سوف تعود لصالح الوضع السياسي ايضا، لذلك مطلوب حملات اعلامية على غرار ما قامت به شبكة النبأ المعلوماتية، التي سلطت من خلالها الاضواء على امكانية الاعتماد على السلعة المصنعة محليا، وعدم الاعتماد على السلع الخارجية، وخاصة تلك التي تأتي من مناشئ أو دول تنطوي على سياسات معادية للشعب العراقي، كما لاحظنا ذلك في الخطوات التي تتخذها تركيا في هذا المجال فضلا عن السعودية وبعض الدول التي لا تريد الخير لدولة العراق وشعبها.

الإعلام ودعم الصناعات المحلية

لذلك نجد من الأهمية بمكان، أن تتم مساندة الخطوات الاعلامية التي اقدم عليها شباب وناشطون واعلاميون كما فعلت (شبكة النبأ المعلوماتية) التي اطلقت حملة اعلامية واسعة في موقعها وعبر شبكات التواصل الاجتماعي وما يتوافر من وسائل توصيل والاعلام اخرة يمكنها ان تخدم وتسهم في نجاح هذه الحملة التي تهدف بالدرجة الاولى الى اعادة الروح للمنتج العراقي المحلي والحد من الاعتماد على المنتجات الاخرى التي تغرق السوق العراقية منذ سنوات طويلة، لهدف واضح سبق الحديث عنه، وهو تدمير الصناعة الوطنية في العراق، وجعله مستهلكا لا منتجا.

وهنا تكمن أهمية حملة (صنع في العراق) بالدرجة الاولى، لاسيما أن هناك مخاطر اخرى بدأت تلوح في الأفق، غير المساوئ الاقتصادية، أي هناك مساوئ ومخاطر سياسية بدأت تحيق بالعراق تحيكها دول وحكومات لا تريد الخير لهذا الشعب، لذلك بات من المهم أن يتم مؤازرة مثل هذه الحملات على نحو واسع، من اجل عودة الصناعة الوطنية العراقية الى السوق العراقية، ولكن هناك نقطة مهم ربما تمثل حجر الزواية في هذا المجال.

وهي تتمثل بالخطوات التي تتخذها الحكومة العراقية في كيفية التعامل مع السلع الداخلة الى السوق العراقية واهمية وضع قانون واضح وقابل للتطبيق لحماية المنتج المحلي من منافسة السلع القادمة من وراء الحدود، وخاصة سعر السلعة وجودتها، فالمواطن عندما يجد ان البديل الخارجي افضل وأرخص سعرا من المنتج المحلي سوف يلجأ إليه، لذلك هناك مسؤولية على الحكومة لمعالجة هذه الحالة كما هو معمول في عموم دول العالم، وفي هذه الحالة سوف تكون حملات الدعم الاعلامي كما قامت به (شبكة النبأ المعلوماتية) في حملة (صنع في العراق)، أكثر جدوى واكثر قدرة على ضمان نتائج جيدة في دعم الصناعة الوطنية.

اضف تعليق