اقتصاد - تنمية

مسؤوليات الحكومة ودورها في الاقتصاد والتنمية

في نصوص الإمام علي عليه السلام

الأصل في الحكومات أنه (ما ثبت دام)، لأن السلطة تميل إلى التمركز أكثر فأكثر وباستمرار، ومن أمسك بسلطةٍ أو بطرفٍ منها صعب عليه جداً أن يتخلى عنها، بل إذا أراد النادر أن يتخلى عنها فإن الحلقة الضيقة المحيطة به من أقربائه وأعوانه والمنتفعين، سترفض وتضغط عليه كأشدّ ما يكون...

مسؤوليات الحكومة تجاه القطاعات الاقتصادية

المستفاد من العديد من نصوص الإمام (عليه السلام) أنّ من أوليات مسؤوليات الحكومة: رعاية القطاعات الاقتصادية: قطاع الزراعة وأهلها، وقطاع الزراعة هو المعبّر عنه سابقاً بالخراج، وأهله أي الأراضي وغلّتها وأهلها، وقطاع الصناعة وأهلها، وقطاع التجارة وأهلها، وقطاع الخدمات وكذا النقل والمواصلات والسياحة وأهلها، وقطاع المعرفة وأهلها، وذلك كله عبر السياسة المالية والنقدية وغيرهما، كاللوائح التنظيمية التسهيلية وإلغاء الروتين والقيود والبيروقراطية، استناداً إلى أدلة متعددة بعضها يعمّ مسؤوليتها تجاه جميع طبقات الأمة، وبعضها خاص بالاقتصاد أو ببعض جوانبه.

الأدلة العامة

فمن الأدلة العامة: قوله (عليه السلام): (وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ، وَلَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ:... وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ [مَا] يُصْلِحُهُ، وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ، وَتَوْطِينِ نَفْسِكَ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ، وَالصَّبْرِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ وَثَقُل‏)، والرواية نص في أن (مقدار ما يُصلِح كل شخص من أفراد الشعب) حق على الوالي، والقاعدة الكلية أن أداء الحقوق واجب وأنه (لِئَلَّا يَتْوَى حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ)(1)، و(مقدار ما يصلحه) له عرض عريض يشمل توفير جميع متطلبات الحياة السعيدة التي أشرنا إليها سابقاً.

ومن الأدلة العامة: قوله (صلى الله عليه وآله) (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)(2)، بناءً على كون هذه القاعدة مُنشئةً للحكم، وتكون دائرة العموم أوسع إذا قلنا إن عدم النفع ضرر ولو في الجملة.

الأدلة الخاصـة

ومن الأدلة الخاصة: قوله (عليه السلام): (وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ)، وقوله (عليه السلام): (وإن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم، فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ)(3).

و(مَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ) مفهوم عرفي يتغير أو يتطور بحسب تغيّر / تطوّر الأزمنة، والمرجع في تشخيص كونه مصلحاً لأهله، هو العرف.

بل لعله يمكن اعتبار النص الأخير من الأدلة العامة استناداً إلى تعميم الحكم ببركة إلغاء الخصوصية، وإن كان موردها ومرجع الضمائر فيها خاصاً، أو يستند في الإطلاق إلى التعليل الوارد فيها: (فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَصَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ)، و: (لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ)، فالعلة هي كونه صلاحاً وكذا كونهم عيالاً، وذلك فيما لو صاروا عيالاً على غير الخراج، أو صار صلاح قطاع آخر، كقطاع المعرفة، وصلاح أهله صلاحاً لمن سواهم، من غير حاجة إلى التمسك بإلغاء الخصوصية أو بالملاك، وذلك لأن الملاك ليس معتبراً إلا إذا كان مستظهراً عرفاً من اللفظ ولو ببركة القرائن الحافة، فيكون ملحقاً بمصرح العلة، كما ذكره المحقق صاحب العروة (رحمه الله) في حاشيته على الرسائل.

والغريب أننا نجد في هذه المعايير التي وضعها الإمام (عليه السلام)(4) طاقة ذاتية على التجديد والتجدد على امتداد الأزمان، ولذا فإنها تأبى الاندراس وتعصى على أن يتجاوزها الزمن، بل تبقى فوق الأزمان صالحة لكل زمان ومكان.

ومن الأدلة الخاصة: قوله (عليه السلام) عن التجار والتجارة: (ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً؛ الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ(5)؛ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا.

"فَاحفَظ حُرمَتَهُم، وآمِن سُبُلَهُم، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم"(6)؛ فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ)(7).

ويتضمن هذا النص مفاهيم جديدة تزيد على ما تضمنته النصوص السابقة، ومنها أنّ (أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً) يزيد على (لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ)، بما يشمل الفضل فوق الحق والعدل.

ومن الأدلة العامة والخاصة معاً: مطلع عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر ـ واليه على مصر، إذ يقول: (هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ، فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا)، ذلك أنّ (اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا) عام لكل الناس ولكل الجهات، ومن ذلك استصلاح أهلها في مجالات التعليم والصحة والسلم المجتمعي والأمن وغير ذلك.

وأما (عِمَارَةَ بِلَادِهَا) فخاص بالأبعاد الاقتصادية من زراعة وإعمار وإجراء أنهار وجداول وشق طرق ونصب سدود وما إلى ذلك، وستجد تفصيلاً أكثر في عنوان آخر من هذا الكتاب(8).

إطلالة على السياسة المالية والنقدية والتنمية بأنواعها

ويستفاد من إطلاق الروايات السابقة ولسانها الآبي عن التخصيص ظاهراً، تكليف الحكومة مسؤولية إدارة دفة (السياسة المالية والنقدية)(9)، ولكن فقط (بالقدر الذي يصلح أهله) و(التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية) وضابطه هو: كل ما ينطبق عليه عرفاً أنه استصلاح لأهلها، وأنه عمارة لبلادها، وأنه (بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ) و: (بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ).

بل إن: (وإن سَأَلوا مَعونَةً...) كالصريح في السياسة المالية التوسعية، وأما: (بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) فقد يتحقق بالتدخل بأدنى الدرجات، وقد يكون بتقديم سلسلة من الخدمات، كما قد لا يمكن الإصلاح إلا بإلغاء اللوائح التنظيمية الكابتة وبتغيير بنيوي أسسي يشمل:

أ ـ البنية الاقتصادية التحتية، ومن ذلك وعلى سبيل المثال: شق الطرق وبناء الجسور والأنفاق واستنباط العيون وشق الجداول والأنهار وتأسيس المعامل والمصانع وغير ذلك.

ب ـ والبنية الاجتماعية، وذلك عبر تأسيس بناء اجتماعي متطور يبتني على ضخ قيم إنسانية رفيعة، ونسج علاقات اجتماعية راسخة فعالة ذات تنظيم ديناميكي مَرِن لا يلغي الثوابت الفطرية والعقلائية والإنسانية بل يؤكّد لها.

إضافة إلى ذلك فإن هذين الهدفين: (وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا) بما يحملان من سعة وجودية ذاتية وقابلية للتمدد والتوسع، بحسب قابلية القابل ومقتضيات الظروف والزمان والمكان، وبما يضمّانه من مقياس قِيمي دقيق، هما الأصلح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من الدعوة إلى (التغيير الشامل لكل الأوضاع التقليدية وصولاً إلى بناء نظام اجتماعي جديد) التي هتف بها بعض علماء التنمية(10)، والذي يجاري القِيَم الإنسانية كما يجاري أضدادها من دون أن يتأطر، في صياغته وعنوانه العريض، بالضابط الأخلاقي ـ الإنساني والقِيمي.

حدود دور الحكومة لدى الجمع بين النصوص

ولكن ذلك كله لا ينفي دعوتنا العامة لتقليص دور الحكومة إلى أقصى حد ممكن ولدى الضرورة فقط، بمعنى أن المطلوب هو أن يكون الناس ـ بأنفسهم ـ الناهضين بالتنمية عبر مؤسسات المجتمع المدني وكأفراد، وأن تكون الحكومة أقرب إلى الحكومة الحارسة قدر المستطاع، وإنما مسؤوليتها تبدأ حيث يعجز آحاد الناس ومؤسسات المجتمع المدني عن التنمية لسبب داخلي أو خارجي، وهنا يجب على الدولة أن تتدخل بالحد الأدنى والمستوى الأول، فإن لم يُجْدِ ذلك انتقلت إلى المستوى الثاني، وإلا فالمستوى الثالث، فذلك كله مما يتحدد بقدر الضرورة أولاً وكحالة طارئة ثانياً، بمعنى أن تدخل الحكومة محدود ومؤقت بسقف زمني يجب أن يكون واضحاً، ولا يصح أن يسمح لها بأن تستطيب دورها التدخلي وتستصحبه، بل عليها أن تقتصر من حيث الكمية والكيفية والزمان، على أدنى الدرجات، وفيما عدا ذلك فإنّ عليها مجرّد التخطيط والتوجيه.

وذلك كله جمعاً بين الأدلة، ومنها الروايات الماضية بعد ضمها إلى نصوصه (عليه السلام) الأخرى، كالنص الذي سنتناوله بالتحليل بعد صفحات، إذ يقول (عليه السلام): (ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ...)، وغيره من النصوص وأيضاً القواعد العامة.

ولكن ذلك يستدعي وضع خطة شاملة تضعها مراكز الدراسات المتنوعة وبالتعاون مع أهل الحل والعقد والمفكرين والمعارضة، إضافة إلى توفّر رقابة دائمة تضطلع بها مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة والحرة والعشائر والنقابات والاتحادات والمعارضة، إضافة إلى مجلس الأمة (البرلمان) بلجانه المختلفة المعنية وغرفه المتنوعة، بل ببرلماناته المتوازية(11) والقضاء النزيه، وأيضاً، في هذا العصر، آراء الناس مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر الاستبيانات والاستطلاعات المكثفة المتواصلة التي تقوم بها جهات مختلفة محايدة، لتقييم الناس لأداء الحكومات ومدى سلطويتها وحدود تدخلها.

والسبب في ذلك التأكيد وهذا التشديد هو أن الأصل في الحكومات أنه (ما ثبت دام)، لأن السلطة تميل إلى التمركز أكثر فأكثر وباستمرار، ومن أمسك بسلطةٍ أو بطرفٍ منها صعب عليه جداً أن يتخلى عنها، بل إذا أراد النادر أن يتخلى عنها فإن الحلقة الضيقة المحيطة به من أقربائه وأعوانه والمنتفعين، سترفض وتضغط عليه كأشدّ ما يكون الضغط، لذا كان لا بد من وضع أسقف زمنية محددة مع رقابة قوية مستمرة صارمة من جهات عديدة قضائية ـ إعلامية ـ برلمانية ومن مؤسسات المجتمع المدني وغيرها، على ما فصلناه في كتاب (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية).

مقارنة بين نصوصه (عليه السلام) واقتصاد السوق

ويقترب من هذا الرأي الذي استنبطناه من الجمع بين النصوص العلوية، الرأي المناصر للأسواق في مقابل التدخل الحكومي، وعلى سبيل المثال يقول مؤلف كتاب (الاقتصاد) مستعرضاً الرأي الذي يتبناه قسم كبير من العلماء في هذا الحقل: (الدولة مقابل السوق. ثقافة العديد من الدول النامية تعادي عمليات السوق. وغالباً ما تكون المنافسة ما بين الشركات أو السلوكيات التي تبغي الربح، مُناقضةً للممارسات التقليدية، والمعتقدات الدينية، أو المصالح المكتسبة. ومع ذلك، فإن عقوداً من التجارب تشير إلى أن الاعتماد الزائد على الأسواق يوفر أفضل وسيلة لإدارة الاقتصاد وتشجيع النمو الاقتصادي السريع.

شرحنا فيما تقدم بعض عناصر السياسة ذات التوجهات السوقية. وتشمل أهم العناصر: التوجهات الخارجية في السياسة التجارية، والتعرفات الجمركية المتدنية وقلة القيود الكمية، وسهولة الدخول والخروج، وتشجيع قطاعات الأعمال الصغيرة، ورعاية المنافسة. علاوة على ذلك، تعمل الأسواق بشكل أفضل في بيئة اقتصادية مستقرة، بيئة يمكن توقع الضرائب فيها، وحيث الأسعار مستقرة، وميزانية الدولة متوازنة(12).

عقود من التجارب في عشرات البلدان قادت العديد من علماء التنمية الاقتصادية إلى تبني وجهة النظر الملخصة أدناه في الطريقة التي يمكن للحكومة أن تشجع بها التنمية الاقتصادية السريعة.

للحكومة دور حيوي في إقامة بيئة اقتصادية سليمة والحفاظ عليها ومن واجبها ضمان الأمن والنظام، وفرض تنفيذ العقود، وتوجيه النُظم نحو تشجيع المنافسة والتجديد، وغالباً ما تلعب الحكومة دوراً ريادياً في الاستثمار في رأس المال البشري عن طريق التعليم، والصحة، والمواصلات. لكن يتوجب على الحكومة أن تقلّل إلى أدنى حدّ ممكن من تدخلها في قطاعات ليس لها فيها ميزة نسبية أو تحاول السيطرة عليها. وعلى الحكومة أن تركز جهودها على المجالات التي تبدي علامات واضحة على فشل السوق، وأن تزيل العوائق التنظيمية من أمام القطاع الخاص في المجالات التي للحكومة فيها ميزة نسبية)(13).

وبشكل عام، فإن وجهة النظر الكلية هذه (أهمية الأسواق المتزايدة ودور الحكومة المحدود المتأطر بإطار رعايتها وشبه ذلك) تتوافق في خطوطها العريضة مع النظرية التي طرحها الإمام علي (عليه السلام) قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، إذ يقول موصياً واليه على مصر: (ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً؛ الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ. فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، وَحَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا. "فَاحفَظ حُرمَتَهُم، وآمِن سُبُلَهُم، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم"(14)؛ فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ. وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ، وَفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ.

وَاعْلَمْ، مَعَ ذَلِكَ، أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً، وَشُحّاً قَبِيحاً، وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ؛ وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ.

فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) مَنَعَ مِنْهُ. وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً؛ بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ: مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ. فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ، فَنَكِّلْ بِهِ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ؛ "فَإنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله) فَعَلَ ذَلِكَ"(15))(16).

فقد اعتبر التجار والصناعيين (والمزارعين أيضاً بحسب نص آخر) هم المحور في العملية الاقتصادية: (فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ)، وليست الحكومة في منظاره (عليه السلام) المحور أو المصدر بل إنّ واجب الحكومة يتلخص في قوله (عليه السلام): (فَاحفَظ حُرمَتَهُم، وآمِن سُبُلَهُم، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم)، و: (تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ) ثم لدى الضرورة والاضطرار: (إن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم، فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ).

* مقتبس من كتاب (التنمية الاقتصادية في نصوص الإمام علي عليه السلام) المجلد الثاني، لمؤلفه: السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

......................................... 

(1) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام): ج1 ص315.

(2) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج5 ص292.

(3) ورد في دعائم الإسلام: ج1 ص361. وفي تحف العقول: ص97، باختلاف يسير.

(4) (مَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ).. الخ.

(5) (بِيَدَيْهِ) ورد في هامش نسخة ابن النقيب: ص392.

(6) ورد في تحف العقول: ص99، باختلاف يسير.

(7) نهج البلاغة: الكتاب 53.

(8) راجع أول الفصل الرابع، وغيره.

(9) بحسب التفصيل الذي ذكرناه في كتاب (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية) حيث جزّأنا سلطات الحكومة إلى عشر سلطات، وبحسب ما فصّلناه في كتاب (بحوث في الاقتصاد الإسلامي المقارن)، وفي هذا الكتاب.

(10) راجع عنوان (تطوير أو تغيير الهياكل الاجتماعية) وعنوان (تغيير / تطوير أساليب الحياة الشائعة) من هذا الكتاب.

(11) يراجع (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية).

(12) جميع البنود السابقة والبنود الآتية في الفقرة التالية، تجد تفصيل الكلام عنها بحسب النصوص الدينية ضمن عناوين متعددة في هذا الكتاب، وفي الكتاب السابق: (بحوث في الاقتصاد الإسلامي المقارن).

(13) بول سامويلسون، الاقتصاد، ترجمة هشام عبد الله، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ـ عمان: ص738.

(14) ورد في تحف العقول: ص99.

(15) ورد في تحف العقول: ص99.

(16) نهج البلاغة: الكتاب 53.

اضف تعليق