لا أعلم أن كانت هناك طريقة ما يمكن للعراقيين أن يحتفلوا بها باليوم العالمي للمدن والذي يوافق الحادي والثلاثين من شهر تشرين الاول/أكتوبر من كل عام، فمدننا تغرق في تخطيط عمراني قديم تطرز أطرافه العشوائيات وعدم الانتظام في كل شيء، لا توجد مدينة لدينا اليوم ممكن أن تكون قد بنيت بتخطيط عمراني حديث ومجهزة تجهيزاً كاملاً وبكافة الخدمات التي تضمن الكرامة والسعادة وحسن العيش لمواطنيها، الفوضى تعمها والضوضاء تشد على أسماعنا بقسوة ولا مناص من التسليم أمام قوة تلك الفوضى والاستكانة لتأثيراتها الكبيرة على بيئتنا وأرواحنا حتى لأظن انها تغيبنا عن الوعي وتطرحنا صرعى أمام قساوة العيش وبشاعة المناظر التي تؤلفها النفايات بأكداسها الكبيرة والتي لم تعد تفرز الروائح فقط بل الموت الزؤام.

لقد اخفقنا كثيراً في توفير بيئة حياتية مناسبة يمكن لمواطنينا التكيف معها بشكل كبير ويتبادل معها كل ما يساهم في تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية الكاملة وهذا علينا الاعتراف به بشكل كبير عسى أن يسهم هذا الاعتراف بإعادة تكوين قدراتنا على النهوض وإستغلال مايمكن استغلاله من موارد مادية وبشرية هائلة في إعادة التخطيط الحضري لمدن جديدة تفك الأزمات التي تخلفها الزيادة السكانية الكبيرة في عدد السكان وتحل عقد الكثافة السكانية وتركز تلك الكثافة في مناطق ترهق بيئتها وتعيق تقديم الخدمات الكاملة لها، فمدننا قديمة لدرجة أنها لم تعد قادرة على استيعاب الزيادات ويعلم الجميع أن التهيؤ للمستقبل مهم في مجال بناء مدن جديدة بقدرات وكفاءة عمرانية جديدة كمدينة بسماية التي قد يقدر لها ان تكون فاتحة لعهد عمراني جديد.

أحياء كثيرة في العاصمة قد تصنف اليوم على انها من الاحياء الفقيرة في كل شيء.. كالسكن والأسواق ومساحات خضراء ومناطق ترفيه ومجمعات علمية ومواصلات مريحة وتعزيز فرص العمل وشبكات صرف صحي سليمة وخلق بيئة معيشية آمنة وصحية للجميع بما فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة المنسيين في مدننا، فشوارعنا لا تراعاهم بإختلاف مع دول الجوار التي اسست خطوط سير لمن فقدوا نعمة النظر تساعدهم على التحرك دون مشقة.

لقد ولّدت الاحياء الفقيرة الكثيرة بيئة حاضنة لكل ما سيتسبب يوماً في إعاقة تقدم البلد، فالأحياء الفقيرة دائماً ما تخلف الحسرة والحنق في قلوب سكانها على حكومتهم مما يجعلهم يشعرون بمدى الظلم الذي ينوبهم حتى في حياتهم اليومية مما يزيد من تراكم المشاعر السلبية لديهم وهذا ما يدفعهم بالتالي الى ضعف الانتاجية وفقدان الثقة بمستقبل وطنهم وعدم مساهمتهم في "التنمية المستدامة" التي تحدث العالم عنها بشكل كبير خلال العقود الاخيرة من القرن الماضي إشارة الى عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات، وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي إحتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها.

الأمن في البيئة التي يسكنها البشر تعتبر من أهم مقومات السكن وقد تسبق بأشواط كبيرة ما يمكن أن تقدمه الحكومة من شروط عيش قياسية لأبناء شعبنا فبعد أن تضع الحرب أوزارها، بالنصر إن شاء الله، ستبدأ المعاناة الكبرى لأبناء شعبنا من سكنة المناطق التي أحتلتها المجاميع الارهابية وعاثت بعمرانها ودمرت بنيتها التحتية القذائف الصواريخ واحالت معظم أحيائها الى خراب كامل، معاناة سوف لن نكون معها قادرين مع عدم توفر الموارد المالية على إعادة الاعمار دون أن تمتد يعد العون العالمية منذ الآن لنهىء تلك المدن لعودة أهلها وبالسرعة الممكنة فالنازحون اليوم يعيشون الظروف القاسية ومنذ تركهم لمنازلهم قبل سنوات وعودتهم ستكون مرهونة بما يمكن أن تقدمه الحكومة من بنية تحتية وأمن كامل، عسى أن نتمكن من إعادة بناء مدنهم بما يحقق العودة المحمودة لهم.

لدينا في العراق الكثير من مراكز التخطيط الحضري والكليات التي تعنى في الموضوع ككلية التخطيط العمراني في جامعة الكوفة ومركز التخطيط الحضري والإقليمي للدراسات العليا في جامعة بغداد وغيرها من اقسام التخطيط الحضري في المؤسسات الحكومية مع أقسام عمارة كثيرة في العديد من الجامعات، جميع تلك المؤسسات يجب أن تأخذ دورها البناء في الاعداد لرسم معالم البيئة المستدامة من خلال تخطيط مدننا وعلينا استغلال الطاقات الخلاقة للكوادر العلمية في هذا المجال.

لنستذكر في اليوم العالمي للمدن كل مدننا وتراثنا الذي حطمته معاول التكفير ونشد على أيدي أخواننا من النازحين بالدعم الكامل ولنزرع الثقة في نفوسهم بأمل العودة القريبة وكل هذا مرهون بالرؤية التي تضعها الحكومة لإعادة الاعمار بتخطيط عمراني سهل وسريع التطبيق.. حفظ الله العراق.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق