q

تظهر مؤشرات خط الفقر في العالم بأنه سيرفع قريبا بسبب ضعف التنمية وعدم المساواة والازمات المالية في الكثير من الدول وخاصة النامية منها، إذ يرى الخبراء في هذا الشأن إن الفجوة بين الفقراء والأغنياء تستمر في الاتساع، حيث تغيب المعايير في قياس انعدام المساواة، لكن غالبية المؤشرات توضح أن التفاوت تباطأ أو تراجع خلال الأزمة المالية، ويعاود الارتفاع الآن مرة أخرى، ومن الناحية الأخرى، تقول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إن من بين العوامل التي تحد من زيادة التفاوت بين الفقراء والأغنياء ارتفاع عدد النساء العاملات، لكن الواقع يشير الى ان مشكلة الفقر باتت على قمة هرم المشاكل التي تواجهها الإنسانية على نحو كبير في عصرنا الحالي.

وفي محاول للحد من تفاقم ظاهرة الفقر عالميا، وضع زعماء العالم هدفا طموحا لانهاء الفقر بحلول 2030 ودفع النمو خلال الخمسة عشر عاما القادمة وعليهم الان أن يوفروا الأموال اللازمة لتغطية هذه الفاتورة، لكن بحسب مراقبين متخصصين ان الرأسمالية هي سبب الفقر والجوع، كما يعتقدون أن الديمقراطية الحقيقة لا يمكن أن توجد في ظل هذا النظام الاقتصادي.

في الوقت نفسه بات الاطفال ضحية الكبرى لظاهرة الفقر حيث أظهر تقرير نشرته منظمة "اليونيسيف" (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) أن طفلا من بين خمسة أطفال يعيش تحت مستوى الفقر بفرنسا. وللحيلولة دون تنامي هذه الظاهرة، دعت رئيسة هذه المنظمة الأممية إلى التدخل بشكل سريع لمساعدة هذه الفئة من المجتمع التي تعتبر أكثر من غيرها عرضة للتجاوزات والمعاناة.

فيما يطال الفقر طفلا واحدا من كل ثلاثة على الأرجح في اسبانيا حيث يوشك بؤس الأطفال أن يتحول إلى آفة مزمنة، على ما جاء في دراسة عرضت نتائجها في مدريد وصنفت البلاد في المرتبة الثانية في هذا المجال بعد رومانيا على الصعيد الأوروبي.

على المستوى الاسيوي فعلى الرغم من النمو الاقتصادي السريع في العقدين الأخيرين لا يزال الفقر مشكلة كبرى في الصين ولا سيما في مناطق الريف حيث يدفع نقص الوظائف البالغين القادرين جسديا للعمل في أماكن أخرى تاركين الأطفال وكبار السن وراءهم.

لذا يرى متخصصون في شؤون التنمية البشرية ان غياب استراتيجية حقيقية لدى الحكومات لمجابهة المخاطر التي تهدد التنمية في العالم بسبب الفقر، إضافة إلى غياب السياسات الحكومية العامة، التي من المفروض أن تراقب تطور أوضاع الأطفال الاجتماعية والنفسية والصحية، وتكشف بشكل مسبق المشاكل التي يمكن أن تهددهم لإيجاد حلول لها، ولهذا وضعت الامم المتحدة خطة للقضاء على الفقر المدقع بحلول 2030 تكلف 3500 مليار دولار سنويا، وعليه يرى هؤلاء المتخصصون ان فرص القضاء الكلي على الفقر أصبحت صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة.

خط الفقر في العالم سيرفع قريبا

في سياق متصل سيرفع البنك الدولي في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر، عتبة الفقر المدقع في العالم من 1,25 دولارا يجنيها الفرد في اليوم الى 1,90، على ما كشف مصدر مقرب من المؤسسة، وهذا القرار ضروري نظرا "للتغيرات التي حدثت في كلفة المعيشة في البلدان الخمسة عشر التي يتم الاستناد إليها لاحتساب مستوى الفقر"، على ما اوضح المصدر مؤكدا تاليا معلومات تداولتها صحيفة "فاينانشل تايمز". بحسب فرانس برس.

ولم يؤكد البنك الدولي هذه الأرقام، مكتفيا بالقول إنه "يتم تكييف معايير الفقر المدقع" استنادا إلى معيار تعادل القوة الشرائية الذي يسمح بقياس القدرة الشرائية الفعلية في البلد بحسب غلاء المعيشة، وأكدت المؤسسة لوكالة فرانس برس أن "البنك الدولي سيكشف عن المعايير الدولية الجديدة للفقر في العالم في 4 تشرين الأول/أكتوبر".

وعتبة الفقر المدقع راهنا هي 1,25 دولار في اليوم الواحد وقد حددت في العام 2005، وجاء في الموقع الإلكتروني لهذه المنظمة التي تهدف إلى القضاء على الفقر المدقع بحلول العام 2030 أن "أكثر من مليار شخص كان يجني أقل من 1,25 دولار في اليوم سنة 2011، في مقابل 1,19 مليار في العام 1990 و1,93 مليار سنة 1981".

وكانت صحيفة "فاينانشل تايمز" قد كشفت أن باحثين من البنك الدولي اعتبروا ان تحديد 1,92 دولار كعتبة للفقر من شأنه أن يرفع بمعدل 148 مليونا عدد الأشخاص الذين يعيشون في الفقر المدقع، مع زيادات تسجل خصوصا في آسيا وأميركا اللاتينية.

الفجوة بين الأغنياء والفقراء "تستمر في الاتساع"

فيما حذرت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، في تقريرها، من أن انعدام المساواة يشكل تهديدا للنمو الاقتصادي، وتقول إن ذلك يرجع جزئيا إلى اتساع الفجوة في التعليم في معظم الدول المتفاوتة، وهو ما يؤدي إلى كفاءة أقل في القوة العاملة، وتضم منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في عضويتها غالبية دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى دول متقدمة مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان، وتلقي المنظمة مسؤولية ارتفاع نسبة انعدام المساواة على عدة عوامل، من بينها زيادة ما سمته العمل غير المعياري، الذي يضم العقود المؤقتة والأعمال الحرة.

وتقول المنظمة إنه منذ منتصف التسعينيات كان أكثر من 50 في المئة من توفير الوظائف في دولها الأعضاء لا يجري وفق المعايير، وتضيف أن الأسر التي تعتمد على هذا النوع من العمل لديها معدلات فقر أعلى من الأسر الأخرى، وأدى هذا إلى تفاوت أكبر، وتقول كذلك إن أنظمة الضرائب والمزايا أصبحت أقل كفاءة في إعادة توزيع الدخول. بحسب البي بي سي.

ويقول تقرير المنظمة إن أمريكا اللاتينية كانت واحدة من المناطق المعدودة التي لم تشهد خلال الثلاثين عاما الماضية زيادة في انعدام المساواة، على الرغم من أن مستوياتها كانت تشهد معدلات أكثر ارتفاعا خلال فترة ماضية.

انهاء الفقر بحلول 2030

من جهتهم قال خبراء عالميون إن هناك حاجة لتوفير تريليونات الدولارات لتحقيق 17 هدفا تنمويا أساسيا من المتوقع أن تصدق عليها الامم المتحدة في سبتمبر ايلول القادم. وتتعلق هذه الأهداف بعدد من القضايا منها توفير الرعاية الصحية للكل وأيضا التعليم والمياه والطاقة وحماية البيئة، لكن في فترة تشهد تقشفا في الميزانية أوضحت الحكومات الغربية قبل قمة تمويل التنمية التي تعقد في أديس ابابا في يوليو تموز ان المساعدات الأجنبية لن تكون كافية لانجاز المهمة. ويقدر اجمالي مساعدات التنمية الرسمية الان بنحو 131 مليار دولار في العام. بحسب رويترز.

وطالب الأمين العام للامم المتحدة بان جي مون زعماء الدول بتبني اطار جديد للتمويل يقوم على تعبئة مساعدات التنمية الرسمية والاستثمار الخاص وزيادة مستويات العائدات الحكومية، وقال بان للجنة الخاصة بتمويل التنمية تابعة للبنك الدولي "هناك حاجة الى المزيد. نحتاج الى الانتقال من الحديث عن مليارات (الدولارات) الى التريليونات"، وتصدرت مسألة تحسين سبل جمع الضرئب جدول أعمال العديد من اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لبحث نماذج جديدة لزيادة التمويل المخصص للتنمية، ووضع زعماء مجموعة العشرين للدول المتقدمة والنامية الكبرى مقترحات لتبادل المعلومات في هذه القضية.

زيادة احتمالات وفاة الأطفال الأشد فقرا

الى ذلك قالت منظمة (انقذوا الاطفال) الخيرية إن الاطفال الاكثر فقرا وحرمانا في الدول النامية تزيد احتمالات وفاتهم عن نظرائهم، وأضافت المنظمة أنه في 78 في المئة من بين 87 دولة ذات دخل منخفض ومتوسط قامت بتحليلها ضمن تقريرها هناك مجموعة واحدة على الأقل اجتماعية أو اقتصادية تتأخر عن غيرها وتحقق تقدما بطيئا في خفض وفيات الاطفال، وفي 16 في المئة من تلك البلدان زادت الفجوة في معدلات وفيات الأطفال في جميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية. بحسب رويترز.

وقال جوناثان جليني مدير السياسات والبحوث في منظمة (أنقذوا الاطفال) في بيان "في هذا اليوم وهذا العصر من المخزي أن فرص الكثير من الاطفال في البقاء على قيد الحياة في جميع أنحاء العالم تعتمد فحسب على ما إذا كانوا محظوظين أو لا بما فيه الكفاية ليولدوا في عائلة ثرية تمكنهم من الوصول إلى الرعاية الصحية عالية الجودة".

وقال التقرير إن حياة الاطفال في الريف وانتمائهم إلى جماعة عرقية مهمشة من بين العوامل التي تلعب دورا كبيرا في فرص بقائهم على قيد الحياة، وأضاف أن التفاوت في معدلات وفيات الأطفال بين المجموعات العرقية زاد بمعدل 76 في المئة في البلدان التي شملتها الدراسة، وتوصلت الدراسة إلى أن الأطفال الذين ولدوا في أفقر 40 في المئة من الأسر في إندونيسيا في عام 2012 زادت احتمالات وفاتهم بمعدل مرتين ونصف عن نظرائهم في أغنى 10 في المئة من الأسر، لكن الدراسة أضافت أن ما يقرب من خُمس الدول التي جرى فحصها حققت انخفاضا سريعا وشاملا في وفيات الأطفال.

وقالت منظمة (أنقذوا الاطفال) إن بعض البلدان حققت خطوات كبيرة في ضمان بقاء الأطفال على قيد الحياة وإنقاذ عشرات الملايين من الأرواح منذ وضع الأهداف الإنمائية للألفية، وقال جليني "نحن نعرف أن التغيير ممكن. لدينا الآن فرصة مهمة لدفع هذا التغيير"، وأضاف "يجب على زعماء العالم بذل كل ما في وسعهم لضمان اغتنام هذه الفرصة".

فقد بينت الدراسة المعنونة "الطفولة والفقر والأزمة الاقتصادية" التي امتدت من العام 2004 إلى العام 2012 أن الفقر "المدقع" كان في العام 2012 يطال طفلا واحدا من كل عشرة، في مقابل 6 % قبل ثماني سنوات. بحسب فرانس برس.

وهي كشفت أن قاصرا واحدا من كل عشرة يعيش في أسرة من أربعة أفراد (بالغان وطفلان) لا تجني أكثر من 632 يورو في الشهر الواحد لسد حاجاتها، وكان أهل ربع الأطفال عاطلين عن العمل وعاش نصف الأطفال تقريبا (44 %) ظروف صعبة من الفقر، مرة واحدة على الأقل، ولم تشمل هذه الدراسة الفترة الحالية، على ما ذكرت المشرفة عليها ساره أيون التي لفتت إلى أن إسبانيا كانت تسجل، حتى قبل الأزمة، مستوى هو من الأعلى في أوروبا للفقر الذي يعانيه الأطفال. وتدعو الحاجة إلى اعتماد تدابير جذرية، مثل تقديم مساعدة شاملة للعائلات، ومن المفترض أن يشهد الاقتصاد الاسباني نموا تناهز نسبته 3 % في العام 2015، بحسب توقعات الحكومة، غير أن 23,8 % من اليد العاملة لا تزال عاطلة عن العمل.

الى ذلك نشرت منظمة "اليونيسيف" التابعة للأمم المتحدة 9 يونيو/حزيران 2015 تقريرا مفصلا يدق ناقوس الخطر ويكشف أن نحو ثلاثة ملايين طفل يعيشون في حالة من الفقر بفرنسا، أي طفل واحد من بين خمسة أطفال، كما أظهر التقرير أن دائرة الفقر اتسعت بشكل مقلق بين 2008 و2012 في فرنسا لتمس أكثر من 440 ألف طفل إضافي وعائلاتهم. بحسب فرانس برس.

وتزامن ذلك مع بداية الأزمة المالية التي عصفت باقتصاد بلدان كثيرة، بما فيها فرنسا التي ارتفعت فيها نسبة البطالة، ما جعل الكثير من العائلات الفرنسية تفقد كثيرا من قدرتها الشرائية، وأمام هذا التدهور المخيف لظروف معيشة الأطفال في فرنسا، دقت ميشال برزاخ، رئيسة فرع "اليونيسيف" بفرنسا ناقوس الخطر ودعت السلطات الفرنسية إلى التحرك بشكل عاجل لوضع حد لتدهور الوضع الاجتماعي والصحي للأطفال.

اضف تعليق