أقام مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث وبالتعاون مع مكتب مجلس النواب في كربلاء المقدسة حلقة نقاشية بحثية تحت عنوان (الشباب العراقي وتحديات داعش والاصلاحات والهجرة) لمناقشة موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالاصلاح، والوقوف كذلك على أسباب تفشي ظاهرة هجرة الشباب من الوطن.
إفتتح الحلقة مدير الجلسة حيدر الجراح مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث وتحدث فيها عن أهم التحديات التي يواجهها الشباب اليوم من ضغوطات اقتصادية ونفسية واجتماعية تزيد من تركتها الحروب المستمرة في العراق وخاصة ما بعد احتلال تنظيم داعش الارهابي مناطق واسعة من العراق جعل من الشباب أمام مواجهة حقيقية مع الارهاب، وكذلك عرض تقرير التنمية البشرية في العراق عام 2014 ولما فيه من نقاط مهمة لتنمية الشباب في كافة المجالات والذي ذهب أدراج الرياح بسبب الحرب مع تنظيم داعش الارهابي.
بعد ذلك قدّم الدكتور أثير ناظم الجاسور الاستاذ في كلية العلوم السياسية–الجامعة المستنصرية ورقة بحثية للحاضرين تحدثت عن "الشباب العراقي وإحباط (الحرب والاصلاح والهجرة)" بيّن فيها أن في مناسبات كثر يتحدث السياسيين عن المخزون أو الخزين الاستراتيجي وهي إشارة منهم إلى المورد الاساسي في العراق وهو النفط، متناسين أنها موارد طبيعة لكنها في الحقيقة قابلة للنضوب في يوم من الايام، لكنهم لم يفكروا بالمخزون الحقيقي المتواجد على سطح الارض المتمثل بالشباب الذين يعدون الاليات الحقيقية التي من خلالها نستطيع بناء الدولة.
يواجه الشباب العراقي اليوم ثالوثاً مرعباً بدء بعدم الاكتراث لمستقبلهم بسبب سوء الادارة والتنظيم الذي عم جميع أركان الدولة انتهاءً بداعش، فبدلاً من احتوائهم ودمجهم في عملية بناء الدولة أصبحوا يشكلون جيوشاً من العاطلين باحثين عن العمل سواء في الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص، فقد جاء تقرير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لعام 2015 ان البطالة تجاوزت 25% وهذا ما أكده وزير العمل محمد شياع السوداني، وبالتالي اصبحوا يشعرون بغربة داخل الوطن التي كانت هي السبب في كل مشاعر الغضب والامتعاض التي حملوها على من يحكمهم مهما كانت طائفته أو دينه أو قوميته، الجانب الاخر من هذه التحديات ينصب بالفساد السائد في كل أركان الدولة والذي بسببه ضاع ثلث العراق ودخل في حرب شرسة تُعد الاعنف في تاريخه الحديث فلحظات داعشية حولت شباب العراق من حلم العمل وبناء حياة جديدة إلى التوجه نحو ساحات الموت مجدداً كما في الحرب العراقية الايرانية في الثمانينات حتى صاروا الهدف الرئيسي لحرب لا ذنب لهم فيها سوى لإشباع رغبة الحاكم المتعطش للحرب والعدوان، ليكونوا مرة أخرى الحامي والمحترق في حرب مسببها عدم الاكتراث بمصيرهم، الشباب يعانون كذلك من التهميش والاستغلال غير المشروع فضلاً عن ضعف القوانين المنصفة لهم.
وأضاف الجاسور، هناك عنصر اساسي وهو يعتبر تحدٍ كبير يقف عائقاً أمام الشباب في كل عملية أو حلم ينون تحقيقه ألا وهو الفقـر والذي يعد حقيقةً الموت الاكبر، كما وصفه الامام علي عليه السلام، فالفقر هو المحفز الاساس للإحباط الذي ينتاب أعداد كبيرة من الشباب العراقي الذين بسببه حرموا من التعليم ومن كل متطلباتهم التي كانت من المفترض أن تتحقق في بلد يمتلك الثروات والموارد الطبيعية والصناعية، وفي تقرير لوزارة التخطيط العراقية لعام 2015 بأن الفقر أصبح يشكل نسبة 31%.
لم يجد الشاب العراقي متنفس له طيلة هذه الفترة خوفاً من هذه الجماعة أو تلك ففي حقيقة الامر لم يتغير واقع الشباب، هذا ما جعلهم اليوم يخرجون لساحات التظاهر ليعبروا عن معاناة استوطنتهم بسبب شعورهم بالاضطهاد وعدم الانصاف مطالبين بالإصلاحات، وجد في هذه الساحات فسحة لإفراغ شحنة الغضب والسخط على الرغم من محدودية وضيق وقت التظاهر حيث يطالب من خلالها بحقوقه من أجل نيل حياة كريمة تستحق العمل والتضحية من أجلها.
المداخلات
بعد ذلك شارك الحاضرون النقاش وكانت المداخلة الاولى من النائب الاستاذ رياض غريب عضو مجلس النواب العراقي حيث قال بأن الشباب اليوم عليهم أن لاينظروا لكل شيء في العراق بسلبية بل أن هناك انجازات ايجابية لو ركزوا عليها سيجدون أن مشاكل الارهاب والحالة الاقتصادية تأثيرها قليل لو حاولوا تطوير قدراتهم وكفاءتهم وحتى أن ظاهرة الهجرة الاخيرة أجدها ليست بذلك التأثير الكبير وأن وسائل الاعلام هوّلتها كثيراً.
فيما أضاف الدكتور حسن علي كريم مستشار وزارة الشباب والرياضة إننا جميعاً ننادي بأهمية الاهتمام بالشباب لكن من الناحية العملية نجد عكس ذلك، فالشباب اليوم هم ركيزة الوطن ولذلك نجدهم حتى في سوح القتال سواء مع القوات الامنية والحشد الشعبي وحتى في التنظيمات الارهابية المتطرفة كذلك نجدهم شباب، وحتى مشكلة البطالة لم نستطع أن نقدم حلول جذرية للحد منها رغم توفير الكثير من الدرجات الوظيفية لكنها بالحقيقة خالية من الابداع وتُقيّد الشباب وتحد من إبداعهم.
كذلك نفتقد للإحصائيات الدقيقة في مراكز البحوث عن نسبة الشباب وكم هي نسبة العاطلين مثلاً، كم هي المؤسسات الحكومية التي ترعى الشباب أو تطور امكاناتهم؟، كم هي الملاعب والاماكن الترفيهية وماشابه؟، لذلك افتقدنا للرؤية الحقيقية للتعامل مع هذه الشريحة المهمة حتى بالنسبة لعمل وزارة الشباب والرياضة.
وتحدث ممثل بعثة الامم المتحدة في كربلاء السيد علي كمونة عن قلق الامم المتحدة بخصوص التحديات أمام الشباب في العراق الان في مرحلة الصراع مع داعش ومابعد داعش كذلك، مثلاً توثيق حالات الانتقام والثأر التي ربما تحدث وهي مؤشر خطير في المناطق الساخنة، وكذلك هناك خشية لعودة الفصائل المسلحة للمناطق المحررة والمناطق الاخرى التي ستحرر ان شاء الله لعدم تنفيذ برامج اعادة التأهيل للشباب لما بعد الحرب، لانستطيع لوم الدول الاوربية على الاستفادة من الشباب الراغب بالهجرة لكوننا لم نستفد من الكثير من الطاقات وهذه الدول لديها برامج ومصانع تحتاج أن تعمل بصورة مستمرة وهذا الشيء بعيد عن نظرية المؤامرة، لأن الكثير من المهاجرين كما لاحظنا يبحثون عن الاحترام والعيش بأمان وسلام.
الباحث أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات تحدث عن مسألة التمايز الطبقي في المجتمع المشاكل الاقتصادية والنفسية وسوء الخدمات والأمن المتدهور تحد كبير وضغط إضافي على حياة الشباب وخاصة ان الكثير منهم يريد أن يؤسس حياة خاصة ومستقلة له أو لعائلته مستقبلاً لكنه يجد الكثير من الصعوبات التي تقف بوجهه.
السيدة ثورة الاموي مديرة دائرة العمل والضمان الاجتماعي تحدثت عن إبتعاد الكثير من العوائل عن ترسيخ قيّم حب الوطن والدين والعمل لدى ابناءهم لذلك نجد اليوم الكثير من الشباب الذي تخلى عن مسؤوليته تجاه وطنه وتخلى عن كل شيء وهرب ليترك الأخرين يدافعون عن الوطن ويتصدون لأعباء كبيرة أخرى، فنحن ايام الحصار الاقتصادي في التسعينات لم نترك وطننا رغم أن الحالة الاقتصادية كانت أسوأ من اليوم بكثير لكن القيم الاخلاقية التي تربينا عليها لم تسمح لنا أن نهرب من واجبنا تجاه الوطن.
الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام ذكر أننا نحتاج اليوم للتفكير بعمق والبحث عن الحقيقة ولانتحدث عن المبررات لما نشاهده من تحديات كبيرة أمام الشاب العراقي، لكي نستطيع أن نؤمن مستقبل آمن ومشرق وواضح لأبناءنا وليس كما يرى البعض اننا نسير نحو مستقبل مجهول وغامض، نحتاج لمزيد من الحلقات البحثية والمؤتمرات التي تدرس تحديات الشباب بعمق التي ترشدنا لكثير من القضايا من ضمنها الاستطلاعات والارقام والتي تتبناها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمرجعيات الدينية والتي يجب أن تتحول الى دراسات على الارض لكي نستطيع أن نجد أنفسنا وأين تكمن مشاكلنا الرئيسية.
أهم مشكلات العراق هو النظام البيروقراطي الذي يكاد أن يكون مستمراً منذ ايام الدولة العثمانية الذي يرفض الاصلاح والتغيير والذي يوسع من دائرة الفساد ويقمع الاستثمار والتنمية الحقيقية، اضافة للثقافة المجتمعية التي تشجع على الاستهلاك وتشجع الشباب على التعيين في مؤسسات الدولة بعيداً عن العمل بالقطاع الخاص.
الناشط المدني محمد علاء الصافي ذكر أن المشكلة الاساسية بدأت منذ نهاية السبعينات حيث بدأ النظام التعليمي في العراق بالتدهور والدخول بنفس الفترة في مرحلة القمع والحروب المستمرة والتي أثرت على المنظومة الاجتماعية والقيّمية العراقية بشكل خطير وخاصة على قطاع الشباب والذي كان ومايزال يمثل النسبة الاكبر من عدد السكان، رؤية الدولة لشريحة الشباب رؤية ضبابية لانستطيع من خلالها استثمار الطاقة البشرية الكبيرة في البلد في مجال التعليم والصحة والزراعة والصناعة ضمن مشروع وطني كبير ممكن لو تحققت الرؤية الواضحة أن يكون العراق من أكثر الدول نمواً وتطوراً في الشرق الاوسط على أقل تقدير، عنصر الشباب في المناصب الوزارية أو التنفيذية تكاد تكون معدومة لذلك مؤسسات الدولة تعيش بالعقلية القديمة غير القابلة للتطوير أو التجديد.
اختتم السيد عباس الكمبر مدير مكتب مجلس النواب في كربلاء الحلقة النقاشية بأهمية التخلص من ثقافة الاستهلاك الكارثية في المجتمع وعدم اعتماد الشباب على أنفسهم لبناء حياتهم الخاصة في القطاع الخاص وإستثمار طاقتهم الكبيرة في بناء أنفسهم أولاً والوطن ثانياً، كذلك أهمية أن يكون الخطاب الديني وخاصة المنبر الحسيني خطاباً يشجع على نبذ ثقافة الاستهلاك وتشجيع الشباب على الانتاج بكافة المجالات الفكرية والثقافية والصناعية لأن المنبر يبني وطن ويبني مجتمعا مثقفا لو توجه توجيهاً صحيحاً.
اضف تعليق