استراتيجية تنطلق من القاعدة إلى القمة وتستند إلى مؤسسات اجتماعية قائمة على العمل المجتمعي ولا تسعى إلى الربح (كيانات لها أهداف اجتماعية، إلى جانب أهداف اقتصادية). إن المؤسسات الاجتماعية غير الربحية الناجحة، "مكرسة لفعل الخير"، لكنها أيضا تدرك أن النوايا الطيبة ليست بديلا للتنظيم، والقيادة، والمساءلة، والأداء، والنتائج...
بقلم: اندرو شنغ، شياو قنغ
هونج كونج ــ قد يكون من الصعب التصدي لتغير المناخ وفجوات التفاوت في أفضل الأوقات. في وقت حيث يبدو أن الحرب الدائرة في أوكرانيا بدأت تتصاعد، ومع تنامي خطورة الخصومة الصينية الأميركية بمرور كل يوم، وتَـصارُع اقتصادات عديدة مع ديون بالغة الارتفاع فضلا عن التضخم، يبدو التغلب على هذه التحديات مستحيلا على المستوى العملي. ولكن حتى في ظل ظروف غير مواتية، من الممكن أن يقودنا نهج جهازي شامل يتجه من القاعدة إلى القمة إلى إحراز تقدم ملموس.
في اقتصاد عالمي متزايد الانقسام، تفقد استراتيجيات التنمية التقليدية ــ التي تعتمد بدرجة كبيرة على التجارة والاستثمار الدوليين ــ فعاليتها. في الوقت ذاته، يتزايد إنهاك ميزانيات الحكومات الوطنية وبنوك التنمية المتعددة الأطراف بسبب متطلبات العمل المناخي، والتعافي من الجائحة، وسداد الديون، وفي كثير من الحالات، الصراع. لكن المشكلة أكثر جوهرية. يُـعَـد الفقر، والتفاوت بين الناس، وتغير المناخ، والتدهور البيئي من التحديات الجهازية المعقدة. ومع ذلك، تركز مناهج السياسات الغالِـبة على ابتكار حلول منفصلة لمشكلات بعينها، أو حتى جوانب بعينها من هذه المشكلات، مع أقل القليل من الاهتمام بالكيفية التي تتفاعل بها حلولها ــ والمشكلات الأساسية.
تَـصِـف عالِـمة البيئة دونيلا ميدوز النظام بأنه "مجموعة مترابطة من العناصر التي تُـنَـظَّـم بطريقة متماسكة على النحو الذي يحقق نتائج ملموسة". يتجه نظامنا الكوكبي إلى الفشل، لأن عناصره التي يمكن للبشر السيطرة عليها منظمة بطرق تُـفضي إلى نتائج سيئة. ولن يتسنى لنا تحسين عمل أنظمتنا الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وضمان رفاهة البشر وسلامة كوكب الأرض إلا من خلال إدراك الطبيعة المترابطة التي تتسم بها هذه الأنظمة ومعالجة المشكلات بالاستعانة بنهج كلي شامل. من غير الممكن أن يتحقق هذا بالاستعانة بالحلول المنعزلة التي تتجه من القمة إلى القاعدة والتي تتبناها الحكومات بأغلبية ساحقة. على سبيل المثال، عندما تنشر الحكومات وكالات متخصصة لدعم تنمية القرى الريفية، فإنها بذلك تزيد تكاليف المعاملات من خلال تسليم البنية الأساسية على مراحل والتقاعس عن بناء قواعد بيانات مشتركة تعمل على تسهيل عمليات التنسيق. من الممكن أن تتسبب الصلات الضعيفة بالمجتمع المحلي أيضا في تقويض فعالية التدخلات. يميل العمل المتعدد الأطراف ــ الذي تنفذه دول قومية ــ إلى أن يكون أقل كفاءة. الواقع أن حجم بنوك التنمية المتعددة الأطراف ووكالات المساعدات كبير للغاية ببساطة، حيث تعمل الكيانات والجهات الفاعلة الفردية وفقا لأهدافها ومعاييرها الخاصة.
ما نحتاج إليه بدلا من ذلك هو استراتيجية تنطلق من القاعدة إلى القمة وتستند إلى مؤسسات اجتماعية قائمة على العمل المجتمعي ولا تسعى إلى الربح (كيانات لها أهداف اجتماعية، إلى جانب أهداف اقتصادية). إن المؤسسات الاجتماعية، على حد وصف خبير الإدارة بيتر دراكر للمؤسسات غير الربحية الناجحة، "مكرسة لفعل الخير"، لكنها أيضا "تدرك أن النوايا الطيبة ليست بديلا للتنظيم، والقيادة، والمساءلة، والأداء، والنتائج".
الواقع أن المؤسسات المتناهية الـصِـغَر، والصغيرة، والمتوسطة الحجم مجهزة بشكل أفضل كثيرا من نظيراتها الكبيرة لنشر الإدارة المدفوعة بمهام محددة والتي تتطلبها المؤسسات الاجتماعية. تمثل الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم ــ 90% من كل الأعمال على مستوى العالم ــ 70% إلى 80% من إجمالي تشغيل العمالة. وعلى هذا فإن هذه الشركات، التي تحقق غالبا ربحا ضئيلا أو معدوما، مسؤولة عن سبل عيش مليارات من العمال، مما يجعلها مستودعات لا تقدر بثمن للمعرفة حول احتياجات ومصالح أغلب الناس. تشمل هذه المصالح الضرورات البيئية، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا باعتبارات اقتصادية واجتماعية. تميل الفئات الأكثر فقرا والأشد ضعفا إلى أن تكون الأكثر تضررا بالمخاطر البيئية، من التلوث إلى الكوارث الطبيعية.
في الوقت ذاته، من الممكن أن يدفع الفقر المجتمعات إلى الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية، مثل الغابات والمخزونات من الأسماك، في بحث يائس عن الدخل. غير أن المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم لا تتمتع بالقدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال الرسمية، ناهيك عن السياسة الشاملة والإطار المؤسسي ــ بما في ذلك البنية الأساسية الداعمة والبيئة القانونية المتماسكة ــ الكفيلة بتمكينها من العمل كمؤسسات اجتماعية فَـعّـالة. وجد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2015 أن أوجه القصور هذه تعيق بشكل كبير تنمية المشاريع الاجتماعية. من ناحية أخرى، يتمتع عدد قليل من الشركات الضخمة بثروة هائلة وقوة سوقية ــ وهو ما يترجم عادة إلى نفوذ سياسي. ولكن حتى في حين تروج الشركات المتعددة الجنسيات لأهدافها البيئية والاجتماعية وأهداف الحوكمة، فإن هذه الاعتبارات تظل تالية لهدف تعظيم الأرباح. ولأنها أقل ارتباطا بالمجتمعات المحلية، فإن هذه الشركات ليست مناسبة تماما لتوفير ذلك النوع من الحلول الصغيرة التي تتجه من القاعدة إلى القمة، التي تجلب في مجموعها التغير الجهازي.
نحن نمتلك الأدوات والموارد التي نحتاج إليها للتصدي للتحديات الجماعية التي نواجهها. ولا يوجد نقص في المعرفة على المستوى العالمي، ولا ندرة في التمويل الذي يمكن حشده من مصادر الدولة والشركات والمؤسسات الخيرية. لدينا أيضا الوسائل اللازمة لتوزيع هذه الأصول. لقد عملت التكنولوجيا بالفعل على تمكين إنشاء "مشاعات معرفية عالمية"، والتي من خلالها تتمكن المشروعات الاجتماعية من الوصول إلى المعرفة التي تحتاج إليها ــ فضلا عن التمويل، من خلال الاعتماد الجدير بالثقة.
لكن المزيد من الجهد مطلوب لتحقيق أعظم قدر من الاستفادة من هذه الأصول. ويستلزم هذا الاستفادة من التكنولوجيا والمعرفة ونماذج الأعمال القائمة لمساعدة المؤسسات الاجتماعية على تحقيق الاستدامة والتأثير. وفي عموم الأمر، يتعين علينا أن نعكف على مراجعة استراتيجياتنا في إدارة التنمية المستدامة وفقا لذلك، مع إدراك حقيقة مفادها أن المشكلات الجهازية تتطلب حلولا جهازية شاملة.
اضف تعليق