يعتمد قطاع السياحة على موارد متنوعة، متجددة تزداد قيمتها مع مرور الزمن، وعلى المنشئات الخدمية الصغيرة والمتوسطة التي تتميز باستخدام العمالة الكثيفة. وهو ذو طابع إنساني يتداخل فيه إنتاج الخدمات السياحية مع مختلف الجوانب الثقافية والاجتماعية والبيئية.

لذا فإن لقطاع السياحة تأثير كبير على كافة قطاعات الاقتصاد الوطني الأخرى، حيث تتم الاستفادة منه مباشرة وينعكس هذا التأثير على الهيكل الاقتصادي والتكوين الاجتماعي والبيئي.

إن للسياحة بشكل عام والسياحة الدينية بوجه الخصوص آثار مباشرة وغير مباشرة سواء على الاقتصاد الوطني للبلد أو على الجانب الإنساني سنتناولها فيما يلي:

الأثار المباشرة للسياحة

أولاً: أثر السياحة على الدخل الوطني

يتكون الناتج أو الدخل الوطني من خلال الأنشطة التي تمارسها القطاعات الأخرى المختلفة (زراعية، صناعية، خدمية) على مدار السنة، وكل قطاع منها يمتلك مجموعة مشاريع تتمثل بالمعامل والمصانع والمزارع والمنشآت والمؤسسات والمرافق وغيرها. وتقوم هذه الوحدات بمزج عناصر الإنتاج مع بعضها لكي تحولها إلى سلع وخدمات نافعة للمجتمع.

والسياحة تمارس أنشطتها من خلال وحداتها الخدمية المتمثلة بالفنادق، المطاعم، وسائط النقل.. الخ، والتي تقوم بدورها بتداخل عناصر الإنتاج وتحويلها إلى مجموعة خدمات تباع للسياح.

إن الدخل الناتج عن السياحة، هو مقدار ما ينفقه السياح مقابل الخدمات أثناء رحلاتهم لزيارة المواقع الأثرية والتاريخية ومدن العتبات المقدسة، والذي يعد من زاوية أخرى، إيراداً للوحدات الخدمية العاملة في مجال السياحة.

وهناك العديد من الدول تعد السياحة بالنسبة لها أحد المصادر الرئيسية في تكوين دخلها الوطني. ومن الممكن أن يكون للسياحة شأن كبير في الدخل الوطني العراقي بما تمتلكه من مقومات حضارية تتمثل بالمواقع الأثرية والسياحية والمدن الدينية المقدسة والأماكن الدينية الأخرى، القادرة على استقطاب ملايين السياح والزوار المسلمين وغيرهم سنوياً.

ثانياً: أثر السياحة في ميزان المدفوعات

يصاحب عملية استضافة السياح القادمين إلى العراق بهدف السياحة أو زيارة العتبات المقدسة، دخول مصادر كبيرة من العملات الأجنبية. وبذلك تكون السياحة مصدراً مهماً لكسب العملات الأجنبية تدعم فيه ميزان المدفوعات. وفي هذا الصدد يجب مراعاة إجراء موازنة ما بين العائد من العملات الأجنبية بواسطة السياح الوافدين للسياحة من جهة، وما ينفق بالعملات الأجنبية على استيراد مستلزمات الإنتاج المستخدمة من قبل المنشئات السياحية من جهة أخرى. وحصيلة الفارق بين العائد والإنفاق هي التي تقرر دور السياحة في ميزان المدفوعات. ففي حالة تفوق العائد، يكون هناك فائض في العملات وينشأ الدور الايجابي، وفي حالة تفوق الإنفاق يكون هناك عجز وينشأ الدور السلبي.

ثالثاً: أثر السياحة في الميزانية الحكومية

يمكن للسياحة أن تكون مصدراً مالياً مهماً لخزينة الدولة عن طريق الإيرادات التي تحققها الرسوم المستوفاة من السياح والزوار عن الخدمات المقدمة لهم، لاسيما إذا اقتنع السائح أو الزائر بأن هذه الأموال سوف تنفق أيضاً لأغراض تطوير المواقع الأثرية والتاريخية والمراقد والمواقع الدينية والمؤسسات الخدمية التابعة لها. وتعتبر الضرائب والرسوم التي تفرض على المشاريع السياحية مصدراً مهماً لميزانية الدولة.

رابعاً: أثر السياحة في توفير فرص العمل

تنتمي صناعة السياحة إلى قطاع الخدمات. وهذا يعني أن النشاط السياحي يمتاز بدرجة عالية من الاعتماد على الجهود البشرية المتمثلة بعنصر العمل. ومن الصعوبة بمكان إحلال المكننة محل عنصر العمل إلا في حدود نطاق ضيق كاستخدام الحاسوب الالكتروني. وهذا ما أكّدهُ أحد العلماء الفرنسيين وهو فورستيه من خلال نظريته المبنية على مجموعة من أرقام وحقائق مستنبطة من واقع التطور للقطاع السياحي، وكانت النتيجة أنه كلما تطور القطاع السياحي كلما زاد اعتماده على عنصر العمل، وهذا يعني أن للسياحة قابلية فائقة على إيجاد فرص عمل جيدة ضمن حدود القطاع السياحي.

خامساً: أثر السياحة في إعادة توزيع الدخل وتنشيط التنمية جغرافياً

غالباً ما يتم تنفيذ المشاريع التنموية، بالدرجة الأساس، في المدن الكبيرة والكثيفة السكان، ويكون ذلك على حساب المدن الصغيرة والأرياف والأماكن النائية. ففي الوقت الذي ينعم فيه سكان المدن بكل مستلزمات الحياة العصرية، فإن سكان المدن الصغيرة والأرياف يعانون من نقص شديد في هذا المجال، وهذا يؤدي إلى التوزيع غير العادل للتنمية والدخل. غير أن ذلك لا ينطبق على قطاع السياحة، ففي العراق على سبيل المثال تتوزع المواقع الأثرية والتاريخية والمراقد الدينية المقدسة في المدن الكبيرة كما هو في بغداد والموصل والبصرة وأربيل والحلة والناصرية والنجف وكربلاء والكاظمية وسامراء والكوفة، ولكن تتوزع كذلك في المدن الصغيرة والأرياف والأماكن النائية كما هي الحال في المدائن (سلمان باك) ومدن الحمزة والقاسم والرفاعي وعلي الغربي وعلي الشرقي والمسيب وسيد محمد والدور وغيرها.

وهنا يأتي دور السياحة في توزيع عادل للدخل والمشاريع التنموية في كافة المناطق النائية والمدن الصغيرة والكبيرة، وبالخصوص مشاريع الطرق والنقل والخدمات كالأسواق والفنادق والمطاعم والمرافق السياحية وغيرها.

سادساً: أثر السياحة في تسويق بعض السلع

تبين من الدراسات التي أجريت حديثاً أن السائحين يحتفظون بجزء كبير من ميزانياتهم للإنفاق على المشتريات في الدول التي يزورونها، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية السياحية بل لشراء بعض المنتوجات والسلع التي يجدونها مناسبة، خصوصاً منتجات الصناعات والحرف اليدوية.

ويعتبر هذا الإنفاق من قبيل التصدير لمنتجات وطنية دونما حاجة إلى شحن وتسويق خارجي، وبالتالي يعتبر هذا التصدير خالصاً من صعوبات المنافسة في التجارة الدولية، وكلما زادت حركة السياحة وخاصة للسائحين القادرين كلما ارتفعت حصيلة هذا التصدير من داخل الدولة إلى المشترين السائحين والزائرين.

لذلك يجب على الدولة الاهتمام بالصناعات والحرف اليدوية وتقديم الدعم اللازم لها لتطويرها والتفكير في توسيع دائرة المنتجات اليدوية والفولكلورية في العراق وتشجيعها وإقامة مهرجانات للتسوق في كافة المدن العراقية.

الأثار غير المباشرة للسياحة

أولاً: الأثر المضاعف للسياحة

إن المبالغ التي تنفق من قبل السياح والزوار، والتي تكون إيراداً لأصحاب المشاريع السياحية، يُعاد إنفاقها مرة ثانية وثالثة. وهكذا فإن الدخل المتحقق من نشاط السياحة يتضاعف في نهاية الأمر لعدة مرات بحكم تأثير المضاعف الاقتصادي.

ولغرض تحسين قيمة المضاعف، وبالتالي مضاعفة الدخل المتحقق عن نشاط السياحة، لابد من تنمية القطاعات الأخرى التي تمد السياحة بعناصر الإنتاج، والمتمثلة بالدرجة الأساس بقطاعات البناء والإنشاء والصناعات المحلية المتعددة وخاصة الحرف والصناعات الشعبية التي يمكن الاعتماد عليها في سد حاجات السوق المحلية.

ثانياً: أثر السياحة في تنشيط حركة الإنتاج والاستثمار في القطاعات الأخرى

للسياحة عموماً قدرة عالية على خلق سلسلة من العمليات والنشاطات الإنتاجية (بسبب امتدادات الطلب السياحي المعقدة المباشرة منها وغير المباشرة إلى أكثر فروع وقطاعات الاقتصاد الوطني) وتسهم في قيام العديد من الصناعات الثانوية والجانبية التي تتصل بأكثر من مائة وخمسين صناعة مختلفة. وبناءً على ذلك فإن أثار السياحة تمتد إلى القطاعات الأخرى، وبذلك تكون محركاً قوياً للاقتصاد الوطني العراقي.

ثالثاً: أثر السياحة في تنمية مشاريع البنى التحتية وتطويرها

حرصاً على إبراز الجوانب الحضارية المتميزة أمام السياح وزوار المدن الحضارية والتاريخية والدينية في العراق، لابد من تنفيذ عدد من مشاريع البنى التحتية التي توفر جانباً مهماً من مستلزمات الحياة العصرية، ليس ضمن حدود بلديات هذه المدن فحسب، بل وفي كل المواقع التي يتواجد فيها السياح والزوار، وتشمل مشاريع الخدمات كافة. إن هذه المشاريع لا تقتصر على استخدامات السياح لها فقط، وإنما تشمل سكان المدن العراقية والمناطق الأخرى كافة.

رابعاً: أثر السياحة في تنمية البنى الفوقية وتطويرها

إن تنمية المناطق الأثرية والتاريخية والدينية وأهمية ظهورها بالمظهر اللائق أمام السياح والزوار، يعني بالضرورة الاهتمام بالبنى الفوقية للبلد عموماً، وللمنشآت السياحية والمراقد الدينية خصوصاً. والاهتمام لا يقتصر على بناء مشاريع البنى الفوقية وتوفيرها، بل يتعداه إلى الاهتمام الكبير بالبنى الفوقية التي تعنى بنوعية الأبنية وتصاميمها ومظهرها الخارجي، وبالخصوص المراقد الدينية التي تُعد من أبرز معالم الحضارة الإسلامية في العراق والعالم الإسلامي.

خامساً: أثر السياحة في تحسين البيئة وتطوير المواقع التاريخية والأثرية

على الرغم من أن المواقع الأثرية والتاريخية والمراقد المقدسة والمواقع الدينية الأخرى تشكل عنصر الجذب الأساسي في مجال السياحة، إلا أن تحسين البيئة وتطوير المواقع التاريخية والأثرية تعد من الأولويات المهمة التي لا غنى عنها وهي مكملة للسياحة.

فالسائح أو الزائر الذي يقطع المسافات الطويلة للسياحة في العراق أو تأدية مراسيم الزيارات الدينية، يرغب أيضاً بممارسة بعض الأنشطة الثقافية والترويحية، منها الإطلاع على المعالم التاريخية والأثرية الموجودة ضمن حدود المناطق الدينية. ومجاميع كبيرة من الزوار يخصصون جزءاً من وقتهم للراحة والاستجمام في البساتين والمتنزهات، وجزءاً آخر من الوقت يخصص للتسوق وبالخصوص في الأسواق القديمة. وهذا يتطلب الاهتمام بالجوانب التالية:

* حماية البيئة من التلوث.

* زراعة الغابات والأحزمة الخضراء وحماية البساتين.

* إقامة الحدائق العامة والمتنزهات وملاعب الأطفال.

* ترميم وصيانة المواقع التاريخية وتحسين الأحياء القديمة.

سادساً: أثر السياحة في الإعلام

يعتبر الإعلام أحد الوسائل الأساسية للتعريف بالمنجزات الحضارية للبلد أمام دول العالم، وتخصص لهذا الغرض أموال طائلة من ميزانية الدولة سنوياً.

ويُعد السائح والزائر أفضل وسيلة دعائية إعلامية مجانية صادقة تعكس واقع التطور الموجود في البلد عند عودته إلى بلده. وإن استقبال ملايين السياح أو الزوار سنوياً، يعني كسب تأييد عشرات الملايين من أبناء مختلف الدول، إذا ما تم استضافة السياح والزوار بطريقة حضارية ولائقة وكسب رضاهم من خلال حسن الضيافة والمعاملة وتوفير كافة الخدمات والمستلزمات الضرورية لهم.

وهناك آثار أخرى للسياحة يجب أن تحظى بالاهتمام والدراسة والتقييم وهي:

* أثر السياحة في المستوى العام للأسعار

في المواسم السياحية خصوصاً الزيارات الدينية المهمة، يتدفق مئات الآلاف من السياح والزوار على المدن العراقية خصوصاً المدن الدينية المقدسة، ويقابل هذا العدد الهائل من السياح والزائرين ارتفاع في الأسعار وبالذات المواد الاستهلاكية منها، مما تخلق حالة من التضخم. وتنعكس آثار هذا التضخم وبشكل سلبي على السكان من ذوي الدخل المحدود في المدن السياحية وخصوصاً المدن الدينية، مما يؤدي إلى انخفاض في مستواهم المعيشي. لذلك لابد من إتباع وسائل لتوفير المواد الاستهلاكية لسكان هذه المدن، وخاصة من ذوي الدخل المحدود، وبأسعار عادية لا تؤثر على مستواهم المعيشي. إن أحد أهم الوسائل للسيطرة على الأسعار هو زيادة عرض السلع والخدمات التي يزداد الطلب عليها خلال المواسم السياحية والمناسبات الدينية.

* أثر السياحة في قضايا التبعية الاقتصادية

تتمثل هذه الحالة عندما يكون تشغيل المرافق السياحية معتمداً بالأساس على السياح والزوار القادمين من بلدٍ معين كإيران مثلاً. وبالتالي فإن الأنشطة الاقتصادية في المدن ستتأثر سلباً أو إيجاباً باقتصاديات ذلك البلد. فتنتعش السياحة بشكل عام والسياحة الدينية بشكل خاص عندما يكون ذلك البلد في حالة من الرخاء الاقتصادي، والعكس صحيح.

أو قد تحدث ظروف استثنائية تحول دون وصول السياح والزوار من ذلك البلد لأسباب عديدة مما يولد اهتزازاً بالغاً في الأنشطة الاقتصادية للمدن العراقية. والمطلوب تنويع مصادر الطلب على السياحة في البلد، وعدم الاعتماد بصورة رئيسية على بلدٍ واحد، وهذا يتطلب الترويج للسياحة في كافة البلدان خصوصاً الإسلامية منها.

* الأثر الاجتماعي والثقافي للسياحة

نتيجة الاحتكاك والتعامل المباشر بين السكان المحليين من جهة وسياح وزوار المدن العراقية القادمين من بلدان مختلفة ومتعددة الثقافات من جهة أخرى، سوف يطلع السكان ويكتسبون العديد من العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية وعلى مستويات مختلفة، مما يؤثر إيجاباً أو سلباً على البيئة الاجتماعية للبلد. وبمعنى آخر فإنّ هذا الاحتكاك سيولد تغييراً في البيئة الاجتماعية والثقافية. وقد برهنت القرون الماضية بأن احتكاك سكان المدن الدينية مع القادمين لزيارة مراقدها المقدسة أدى إلى رفع المستوى الثقافي للسكان، وانعكس على التركيبة السكانية المتسامحة للمدن الدينية، كما كانت منطلقاً للكثير من الحركات الفكرية والسياسية والترجمة ودراسة اللغات والثقافات والعادات.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

الباحث الاقتصادي والمحامي ناصر الساعدي
Iraq
تحية طيبة
شكري وتقديري لهذا الجهد الزاخر بالعطاء عن هذا القطاع المغيب والذي يستحق منا جميعا الوقوف صفا واحدا لتفعيل دورة فمعظم البلدان التي لاتوجد لديها سياحة متنوعة مثل العراق تعتمد في اقتصادها على السياحة بشكل رئيسي ...
تحية حب وتقدير2016-03-26