ان فكرة مصرف الوقت لاستثمار الطاقات والقدرات بالزمن وإرجاعها إلى المتبرع حين احتياجه إبداع كبير، الأمر الذي يجعلنا نقف مذهولين أمام شعوب تطورت إمكانياتها إلى مراتب يصعب تخيلها؛ فانطلق فكرها لتنمية القدرات واستثمارها. فهي عقول مبتكرة لا تعرف الكلل والملل، بل العمل بكلِّ اخلاص وبجدية منقطعة النظير...
أعلنت بعض الدول الأوربية أنها أنشأت مصارف لإيداع الوقت، نعم.. لإيداع الوقت في حساب المشتركين الراغبين بذلك! إذ افتتح في مدينة نوفوسيبيرسك الروسية فرعاً خاصاً أطلق عليه "مصرف الوقت"، وهذا المصرف لا يتعامل بالروبل أو الدولار وإنما بالثواني والدقائق والساعات.
كما أعلن في سويسرا عن إنشاء مصرف للوقت كضمان اجتماعي للناس، فالراغب في الاشتراك يفتح فيه حساب زمن، ويحسب له الوقت الذي يقضيه في الخدمة الاجتماعية خصوصاً خدمة المسنين والمرضى الذين ليس لديهم مَنْ يرعاهم أو يساعدهم من عائلاتهم. واشترط المصرف على المشترك أن يكون سليماً صحياً وقادراً على العطاء والتواصل مع الآخرين والتحمل وراغباً في تقديم الخدمات بنفس راضية وإخلاص، وعندما يحتاج الشخص المتبرع إلى مساعدة يرسل له المصرف شخصاً متطوعاً من المساهمين في البنك ليخدمه ويخصم الوقت من حسابه.. والخدمات التي يقدمها المتطوع إما تقدم للمحتاج في المستشفى أو في البيت كأن يرافق المحتاج للتسوق أو للنزهة أو لمساعدته في تنظيف منزله.
وهذا ما سيجعل المحتاج والمريض في غنى عن التفكير من سيساعده عند احتياجه. كما أنه يعمل على استثمار الطاقات والمهارات لكبار السنّ والمتقاعدين بدلاً من جلوسهم بالبيت، ويجعلهم يشعرون بالاطمئنان في حال احتياجهم لمساعدة وغيرها، وهو بالتأكيد يختلف عن العمل التطوعي الذي يكون بلا مقابل.
والحقّ يقال أنَّ فكرة "مصرف الوقت" لاستثمار الطاقات والقدرات بالزمن وإرجاعها إلى المتبرع حين احتياجه إبداع كبير، الأمر الذي يجعلنا نقف مذهولين أمام شعوب تطورت إمكانياتها إلى مراتب يصعب تخيلها؛ فانطلق فكرها لتنمية القدرات واستثمارها. فهي عقول مبتكرة لا تعرف الكلل والملل، بل العمل بكلِّ اخلاص وبجدية منقطعة النظير.
ماذا نقول عن بلداننا العربية التي رحل عنها الإبداع والابتكار والأفكار المتجددة؟! بل تخفق حتى في التقليد والاقتباس؟! ولو ولدت تولد ميتة من شدَّة تعقيد الروتين والدسائس والمؤمرات!
ماذا نقول عن بلدان نزل بها الموت ضيفاً دائماً مزهقاً أرواح الآلاف بلا مبرر، وحلّ بأراضيها الدمار والخراب مزيحاً العمران ومظاهر التحضر، وأصابها اليأس والخيبة بوابل نيرانها.. لتسقط ضحية سياسة بعض حكامها..
بل ماذا نقول عن موظفين كلّ همّهم شطب يومهم بلا إبداع ولا تفكير، بلا تقديم ما هو مميز ورائع لتنمية قدراتهم الذاتية وتحقيق شيء من التنمية المستدامة؟! ماذا نقول عمَّن يرمون العاملين والمخلصين بنظرات احتقار وازدراء، ولسان حالهم يقول بتهكم: "هي خربانة.. ليش تشتغلون؟!".
الأمم تتقدم بشعوبها.. وبفكرها.. وبعملها المبدع وبإخلاص.. ولا يسعنا المقام لنذكر الأمم التي نهضت وتعافت من جراحها بالأفكار الخلاقة والعمل التطوعي أو بهمة مخلصيها ومثقفيها الذين حشدوا طاقاتهم من أجل بلدانهم ومجتمعاتهم!.
اضف تعليق