لقد فوجئنا مؤخراً بمبادرة السيد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي بتوزيع قطع أراضٍ سكنية للعوائل المستحقة بمساحة 200 متراً مربعاً لكل عائلة لاتملك سكناً وخاصةً سكنة الأحياء العشوائية. وأشار سيادته بأن الحكومة ستشجع المصارف المحلية لتقديم القروض الميسرة لأصحاب تلك الأراضي لبنائها. وتُعد هذه...
الدكتور رؤوف محمّد علي الأنصاري ـــ المهندس المعماري والخبير في العمارة الإسلامية
سبق وأن نُشِرت لنا دراسات علمية وواقعية في بعض الصحف والمواقع الالكترونية عن أزمة السكن في العراق، وتقديم الحلول والمقترحات العملية الناجعة لها، والتي تعتبر من أهم المشاكل التي تعترض تطور العراق وازدهاره.
وقد تم التأكيد بالخصوص على سكان الأحياء العشوائية المتجاوزين على أراضي الدولة، وهم شريحة واسعة من المجتمع عجزت عن امكانية تأمين فرص عمل وسكن أو مأوى لائق ومناسب لعوائلها، ومعظمهم من العمال والفلاحين وصغار العاملين وعوائل شهداء الجيش والحشد الشعبي، الذين يسكنون في مساكن رديئة البناء غير صالحة للسكن، وتُقدّر أعدادهم بحدود سبعة ملايين شخص حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الدولي في العراق، وهُم أولئك الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، مما يتوجب على الدولة توفير أكثر من مليون وحدة سكنية لتوزيعها على المستحقين.
لقد فوجئنا مؤخراً بمبادرة السيد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي بتوزيع قطع أراضٍ سكنية للعوائل المستحقة بمساحة 200 متراً مربعاً لكل عائلة لاتملك سكناً وخاصةً سكنة الأحياء العشوائية. وأشار سيادته بأن الحكومة ستشجع المصارف المحلية لتقديم القروض الميسرة لأصحاب تلك الأراضي لبنائها. وتُعد هذه المبادرة من المبادرات التي يصعب تنفيذها لأنها أعلنت دون دراسة مستفيضة ودون الإعتماد على الخبراء والمختصين في هذا المجال.
وهنا نوّد أن نوضح بإيجاز بعض الملاحظات حول مبادرة السيد رئيس مجلس الوزراء بما يلي:
أولا ً: إن المواطنين المستحقين لقطع الاراضي سيعتمدون في بناء مساكنهم على صغار المقاولين المحليين، ومعظمهم ليست لديهم القدرة المالية والخبرة الكافية لإنجاز هكذا اعمال بناء، وسوف يستخدم بعض المواطنين جزءاً من القروض المعطاة لهم لإعمال أخرى مما سَيحوّل المجمعات السكنية الجديدة الى أحياء عشوائية على أراضٍ يملكونها مما سينتج عنه مشاكل جمة وستزيد من معاناتهم، وهناك تجارب من هذا القبيل حصلت خلال السنوات الماضية في بعض المحافظات العراقية.
ثانياً: ومن أجل بناء مساكن لائقة ومناسبة للذين سيحصلون على قطع الأراضي، نقترح تأسيس جمعيات تعاونية سكنية في جميع المحافظات العراقية تضم مجموعة من المهندسين الكفوئين وإدارة مهنية نزيهة ومخلصة، تأخذ على عاتقها إحالة المشاريع السكنية الى شركات المقاولات الكبيرة والرصينة التي لديها الخبرة العالية في مجال مشاريع الإسكان ويكون وضعها المادي جيد، بالإضافة الى ان تقدم خطابات الضمانات البنكية من المصارف الحكومية قبل البدء بتنفيذ مشاريع المجمعات السكنية.
ثالثا ً: إيقاف صرف السلف التشغيلية لشركات البناء لأنها أحد أوجه الفساد الذي كان سائداً خلال السنوات الماضية في مشاريع الدولة.
رابعا ً: ان الغالبية العظمى من العوائل المستحقة لقطع الأراضي السكنية ليس لديها ما تقدمه للمصارف كضمانات لكي تحصل على القروض الميسرة إلا في حالة أن تتكفل الدولة بهذه العوائل.
خامساً: ان المنح التي سوف تتكفل بها الدولة للمواطنين المستحقين من العوائل الفقيرة تشكل مبالغ ضخمة، مما يستوجب أن تخصص المبالغ اللازمة ضمن ميزانية الدولة وعلى مدى خمس سنوات، وهي الفترة الزمنية اللازمة لإنجاز تنفيذ مشاريع المجمعات السكنية.
سادسا ً: ان المبالغ التي ستخصص للمواطنين المستحقين على شكل قروض من المصارف أو عن طريق منح من الدولة يجب أن لاتسلم الى أصحابها وإنما يتم تحويلها مباشرةً الى حساب الجمعيات التعاونية السكنية التي ستتكفل ببناء هذه المجمعات السكنية.
سابعا ً: ستحتاج المجمعات السكنية الجديدة الى خدمات البنى التحتية، كالطرق المبلطة وتمديدات شبكات الصرف الصحي وشبكات المياه الصافية الصالحة للشرب وخطوط الكهرباء والمساحات الخضراء وملاعب الاطفال والمراكز الخدمية والترفيهية والثقافية والصحية والمدارس والاسواق... وغيرها، وهذه المتطلبات غير متوفرة بالشكل الصحيح في معظم الاحياء السكنية بالمحافظات العراقية وخاصةً الوسطى والجنوبية منها... إذاً كيف ستقوم الدولة بتوفيرها في المجمعات السكنية الجديدة... نقترح بأن تقوم شركات البناء بتوفير كافة خدمات البنى التحتية داخل حدود المجمعات السكنية، وتتكفل الدولة بإيصال كافة خطوط الخدمات الى حدود المجمعات السكنية.
ثامناً: إعداد دراسات وتصاميم لمساكن واطئة الكلفة للمجمعات السكنية تكون ملائمة ومناسبة وتحقق الراحة والطمأنينة المفقودة في البيوت الرديئة التي تأويها هذه العوائل.
تاسعاً: إلزام المواطنين الذين سوف يشغلون هذه المساكن بالتوقيع على تعهدات أن لايقوموا بأي تغييرات عليها مستقبلاً، ويتم تشكيل إدارات صغيرة داخل المجمعات السكنية من قبل الجمعيات التعاونية السكنية تكون مسؤولة عن ادارة هذه المجمعات وصيانتها.
عاشراً: التدقيق على سكان الأحياء العشوائية قبل توزيع الأراضي السكنية عليهم لأن البعض منهم يمتلك سكناً في المحافظات التي جاؤوا منها أو المقيمين فيها.
الحادي عشر: أمّا فيما يخص توفير المساكن الملائمة والمناسبة لموظفي الدولة فعلى وزارة الإعمار والإسكان أن تقوم بهذه المهمة، أو عن طريق تأسيس جمعيات تعاونية سكنية لكل وزارة تأخذ على عاتقها بناء شقق سكنية داخل المدن العراقية ومحيطها تتوفر فيها كافة الخدمات الضرورية اللازمة.
الثاني عشر: تقوم شركات الإستثمار العقارية المحلية والخارجية بتوفير السكن المناسب في كافة المحافظات العراقية وفق الخيارات الملائمة لإحتياجات مواطني القطاع الخاص بما فيها خدمات البُنى التحتية.
................................
اضف تعليق