تعد العلاقة بين السكان والتنمية من اكثر العلاقات اشكالية في المجتمعات المعاصرة، ومن هنا ظهرت اهمية التركيز على الجوانب الديموغرافية للسكان ودمجها مع الجوانب التنموية، لأن السكان فضلا عن كونهم صانعي التنمية والمسؤولين عن إنجاحها، فإن أعداد السكان وتركيبهم النوعي تشكل عوامل مؤثرة في التنمية...
تعد العلاقة بين السكان والتنمية من اكثر العلاقات اشكالية في المجتمعات المعاصرة، ومن هنا ظهرت اهمية التركيز على الجوانب الديموغرافية للسكان ودمجها مع الجوانب التنموية، لأن السكان فضلا عن كونهم صانعي التنمية والمسؤولين عن إنجاحها، فإن أعداد السكان وتركيبهم النوعي تشكل عوامل مؤثرة في التنمية.
وتشير المؤشرات الخاصة بنمو السكان في الدول العربية إن المنطقة العربية تشهد نمواً سكانياً يتزايد في العدد والتنوع، ويختلف معدل النمو السكاني بين بلدان المنطقة ويتراوح بين أقل من 1% وأكثر من 3%، ويبلغ متوسطه 2.1% في السنة، وفي ظل هذا النمو السكاني، يتوقع أن يتضاعف عدد سكان المنطقة في غضون 35 سنة تقريباً، وتغلب على السكان عموماً فئة الشباب، غير أن الفوارق شاسعة بين الدول من حيث العمر والجنس بسبب الاختلاف في حركة التحولات الديمغرافية ونسبة العمال المهاجرين وعدد اللاجئين.
وفي العراق وعلى الرغم من ما يمر به من ظروف الا ان معدل الخصوبة الاجمالي مرتفع للغاية ويصل الى 5% في حين ان المعدل الطبيعي هو 2%، وبهذا نجد أن العراق بلد مرتفع فيه معدل الخصوبة مقارنة بباقي دول المنطقة، إن هذا التزايد في معدل نمو السكان يمارس ضغوطاً كبيرة على موارد البلد، سيما وما يمر به البلد من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة للغاية.
وتتمثل هذه الضغوط بضرورة توفير فرص العمل للوافدين الجدد لسوق العمل، وبالشكل الذي يتناسب مع حجم السكان، وليس وهذا وحسب، فأن تزايد السكان وبهذا الشكل يفرض على الجهات المسؤولة فيما يتعلق بتوفير السكن لجميع الأفراد، فضلاً عن أنه وكما هو معلوم إن مساحة الأرض ثابتة وهذا يمثل ضغطاً على الثروة الزراعية بسبب زيادة الطلب على السلع والخدمات الناجم عن زيادة السكان، بل وإن وبحسب مؤشرات التنمية الاقتصادية في ضرورة توفير لكل طفل يولد إن يكون له مستوى معين من الرعاية و التعليم والصحة يمثل هو الأخر تحدياً قد يصعب على أي حكومة توفره ما لم تضبط معدل نمو سكانها.
وقد يعترض البعض على إن ما تم ذكره لا يمثل عائقاً نحو تحقيق التنمية في البلد، كون إن المواليد الجدد يمثلون دماء جديدة تغذي وتنشط السوق، إن هذا الطرح يكون صحيحاً في ظل عدم وصول البلد الى الاستخدام الكامل للموارد وأن يكون اقتصاده في طور النمو والبناء، وحتى مع ذلك فأن هذا لايعني أن يكون نمو السكان منفلت ولا سيطرة عليه، وفي ظل بلد مثل العراق يواجه العديد من المشاكل خاصة فيما يتعلق بمعدلات البطالة العالية والتي تصل بحسب بعض الاحصاءات الى 40%، وأزمة سكن ونقص في البنى التحتية بشكل كبير، فأن نمو السكان بهذا الشكل قد يقوض كل مساعي التنمية بسبب ضغط الطلب الهائل على الموارد الاقتصادية.
وبالتالي فأن أي جهود للتنمية لأبد أن تأخذ بنظر الأعتبار حجم السكان، وأن تكون هناك مبادرة وطنية أو ستراتيجية حقيقية شاملة من أجل تعزيز وتطوير الوعي السكاني، شريطة أن تاخذ هذه الستراتيجية طريقها للتنفيذ وأن لاتبقى مجرد حبر على ورق، وأن تأخذ على عاتقها تغيير الثقافة المجتمعية المتعلقة بكثرة الأنجاب، ترتكز على مقدار ما سيتم توفيره لكل مولود جديد، وعبر وضع قوانين وتشريعات تحد من الانجاب المفرط، سيما عند الفقراء وذوي الدخل المنخفض، وكما هو معمول به في العديد من الدول، اذ إن وجود ثقافة سكانية فيما يتعلق بسن الزواج والأنجاب هي ضرورية ومهمة للغاية لبلد مثل العراق.
اذ أن تكون بلد مشهور بأرتفاع مستوى السكان والشباب ليس ميزة بقدر ما هو سلبي، خاصة اذا ما كان هؤلاء الشباب يعانون من نقص التعليم وغياب فرص العمل والسكن وغياب للرعاية الصحية، ولا غرابة أن نجد مستوى الهجرة في العراق مرتفع للغاية، وعليه فأن على الجهات المسؤولة في السلطة والقرار أن تعيّ حجم المسؤولية ومعنى أن يبقى مستوى السكان مضطرد بهذا الشكل المفرط، وعلى الأقل أن تحاول تحجيم هذا المعدل الى 2.5 او 2.7%، على الأقل في هذه الفترة الحرجة التي يمر فيها العراق، وهو أمر ضروري سيما فيما يتعلق عند وضع الخطط التنموية المستقبلية للبلد، ومن أجل توفير كافة المستلزمات الرئيسة لكل أفراد المجتمع من رعاية وتعليم وصحة وخدمات وفرص عمل، كما يمثل ضماناً لتحقيق العدل والمساواة فيما يتعلق بتوزيع الثروة والدخول وضمانة للحصول على فرص العمل المناسبة ومن أجل أن لا يبقى نمو السكان سلبياً دائماً.
اضف تعليق