موجة الغلاء التي تعيشها مصر في ظل تطبيق الحكومة إصلاحات اقتصادية قاسية، اثرت بشكل سلبي على العديد من المواطنين في هذه البلاد، التي تعاني من ازمات سياسية وامنية واقتصادية كبيرة، حيث اكدت بعض التقارير ارتفاع معدلات الفقر في مصر وأكد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري في وقت سابق، أن معدل الفقر سجل 30.8 بالمائة من السكان في 2016، وأن نحو 9.2 ملايين طفل يعيشون في الفقر، كما أن 40 بالمائة من المصريين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، فيما احتلت مصر المركز الــ76 من بين الدول الأكثر فقرا بالعالم.
وتنفذ الحكومة المصرية إصلاحات اقتصادية منذ نهاية 2015 سعيا لإنعاش الاقتصاد شملت زيادة أسعار الطاقة والدواء وتحرير سعر الصرف وإقرار قوانين جديدة للاستثمار والخدمة المدنية وتعديلات على قانون ضريبة الدخل وإقرار قانون ضريبة القيمة المضافة والموافقة مبدئيا على قانون الإفلاس. وأدت هذه الاجراءات الى موجة ارتفاع غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات وتخطت نسبة التضخم السنوي في نهاية 2016 نسبة 25% وواصلت التزايد الى ان بلغت مستوى قياسيا في نيسان/ابريل 2017 قارب 33%.
ويتوقع محللو السوق في مصر موجة تضخمية جديدة عقب خطوة الحكومة قد تكون الطبقة المتوسطة أكثر عرضة من سواها لآثارها. وتعاني مصر منذ الاطاحة بالرئيس الاسبق حسني مبارك بعد انتفاضة 2011، ضعفا في الوضع الاقتصادية ونقصا في الدولار لانخفاض معدل الاستثمارات الاجنبية وعدد السياح بسبب التوتر السياسي والأمني. وحصلت مصر في تشرين الثاني/نوفمبر على 2,75 مليار دولار كدفعة اولى من قرض البنك الدولي.
بعد عام من التعويم
في هذا الشأن ووسط أنين المصريين ومعاناتهم من صعوبات المعيشة وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات وتفاقم الدين العام كثيرا بعد مرور عام على تحرير سعر الصرف، شهدت بعض المؤشرات الاقتصادية لبلادهم تحسنا واختفت السوق السوداء للعملة. وحرر البنك المركزي المصري سعر صرف العملة في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني الماضي ورفع أسعار الفائدة الأساسية 700 نقطة أساس منذ التحرير. ورفعت الحكومة أسعار المواد البترولية مرتين.
وقالت ريهام الدسوقي محللة الاقتصاد المصري في أرقام كابيتال ”رغم سلبيات تحرير سعر الصرف من معاناة طبقات معينة في المجتمع بسبب ارتفاع التضخم والديون المحلية والخارجية وتباطؤ القطاع الخاص وارتفاع تكلفة الاقتراض، فإن الآثار الإيجابية للإصلاحات التي تمت تجُبّ تلك السلبيات“. وعانت مصر التي تعتمد على الاستيراد من ارتفاع كبير في معدل التضخم بعد تعويم الجنيه العام الماضي، حيث فقدت العملة المصرية نصف قيمتها تقريبا منذ ذلك الحين.
وأدى تحرير سعر الصرف إلى تفاقم المصروفات الحكومية إذ قالت مصادر حكومية مطلعة إن الحكومة تسعى لموافقة مجلس النواب على مشروع قانون الحساب الختامي لموازنة 2016-2017 والذي يتضمن الموافقة على اعتماد إضافي للمصروفات بالموازنة بأكثر من 100 مليار جنيه (5.7 مليار دولار). وقفز الدين الخارجي لمصر 41.6 بالمئة إلى 79 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2016-2017 التي انتهت في 30 يونيو حزيران الماضي. وزاد الدين المحلي للبلاد 20.6 بالمئة إلى 3.160 تريليون جنيه (179.1 مليار دولار) في 2016-2017.
لكن الاحتياطي الأجنبي للبلاد من العملة الصعبة زاد بنحو 13.5 مليار دولار بعد تحرير سعر الصرف وحتى نهاية سبتمبر أيلول الماضي عندما بلغ 36.534 مليار دولار ليفوق مستويات ما قبل انتفاضة يناير كانون الثاني 2011. كما انخفض العجز التجاري لمصر بنسبة 8.4 بالمئة في السنة المالية 2016-2017 إلى 35.4 مليار دولار من 38.7 مليار دولار في السنة السابقة. وتراجع العجز الكلي للموازنة إلى 10.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2016-2017 مقارنة مع 12.5 بالمئة في السنة المالية السابقة.
وقال نعمان محمد وهو موظف بجهة حكومية ”التعويم خرب بيوتنا... حسبي الله ونعم الوكيل... بنتي عروسة مش عارف أجهزها... الأجهزة الكهربائية زادت الضعف وعندي ولدان في جامعات خاصة مش عارف أدفع مصاريفهم... المرتب قيمته انخفضت جدا والأسعار تضاعفت“. وخلال الأشهر القليلة الماضية رفعت الحكومة أسعار جميع السلع والخدمات التي تدعمها من وقود وكهرباء ومياه ودواء ومواصلات.
وقال محمد أبو باشا محلل الاقتصاد المصري في المجموعة المالية هيرميس ”كانت سنة صعبة على الجميع ولكن حاليا لا يستطيع أحد أن ينكر مدى توافر العملة والقضاء على السوق السوداء للعملة وتراجع عجز الموازنة واستعادة ثقة الأجانب في الأسواق المالية لدينا وفي أدوات الدين“. وأغلق البنك المركزي المصري العشرات من شركات الصرافة خلال العامين الماضيين في وقت كانت تعاني فيه البلاد من شح شديد في العملة الصعبة وتركزها في شركات الصرافة التي كانت تضارب بها وتبيعها في السوق السوداء لمن يحتاج إليها من رجال الأعمال والمستوردين.
غير أن المركزي والبنوك العاملة في البلاد باتت تتمتع بوفرة في السيولة الدولارية نتجت عن بيع الأفراد ما بحوزتهم عندما كانت هناك مخاوف لبعض الوقت من تراجع سعره وعن تحويلات المصريين في الخارج وشراء الأجانب المكثف لأدوات الدين المصرية وسط ارتفاع أسعار الفائدة وكذلك نتيجة للتعافي الجزئي لإيرادات السياحة. وقال مسؤول في وزارة المالية المصرية إن استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بلغت نحو 18.8 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني الماضي وحتى نهاية أكتوبر تشرين الأول.
وبلغ معدل النمو الاقتصادي في البلاد 4.2 بالمئة في 2016-2017 وتتوقع مصر ارتفاعه إلى ما بين 5 بالمئة و5.25 بالمئة في السنة المالية الحالية 2017-2018 التي بدأت في الأول من يوليو تموز. وقال أبو باشا ”استدامة معدلات النمو الاقتصادي في مصر ستكون هي التحدي المقبل للحكومة“. بحسب رويترز.
وقالت الدسوقي ”الناس أصبح لديها معرفة بالتحديات وتكلفة إهدار الموارد... أصبح لدينا تغير في انطباعات وسلوك المصريين... أصبحنا أكثر حرصا في الاستهلاك“. وقال محمد عوض وهو موظف في جهة حكومية وأب لثلاثة أبناء ”كل حاجة اختلفت عما كانت عليه قبل التعويم.. الحياة أصبحت أصعب بكثير الآن“.
104 مليون نسمة
الى جانب ذلك قال رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إن عدد المصريين زاد على 104 ملايين نسمة، منهم أكثر من تسعة ملايين يعيشون في الخارج. وقال أبو بكر الجندي رئيس الجهاز في اجتماع حضره الرئيس عبد الفتاح السيسي إن عدد المصريين في الداخل بلغ في 18 أبريل نيسان هذا العام 94 مليونا و798827 نسمة وإن عدد المصريين المقيمين في الخارج بلغ تسعة ملايين و470674 نسمة ومن ثم فإن إجمالي العدد 104 ملايين و269501 نسمة.
وقال الجندي إن عدد السكان زاد 22 مليونا في السنوات العشر الماضية وإن هذه ”معدلات زيادة عالية جدا“. وأضاف أن مصر تشغل الآن المرتبة الثالثة عشرة بين دول العالم في عدد السكان. وشكا قادة مصر على مدى سنوات طوال من أن معدل الزيادة السكانية الكبير بالمقارنة بدول أخرى يضيع جهود التنمية، وحاولوا خفضه لكن لم تتحقق نتائج كبيرة. وقال الجندي إن التعداد كشف عن تفشي ظاهرة زواج الفتيات في سن مبكرة مشيرا إلى أن نحو 40 في المئة من المتزوجات تزوجن في سن تقل عن السن القانونية وهي 18 عاما.
ودعا السيسي في كلمة موجزة في الاجتماع إلى الاستفادة من البيانات التي أتاحها التعداد ومنها عدد الفتيات اللاتي تزوجن في سن صغيرة. وقال ”فوجئت أن العدد مش يسير، مش بسيط. يعني بنت عندها 12 سنة نحملها مسؤولية زواج وبيت وكلام من هذا القبيل“. وأضاف ”يؤلمني ذلك. وأعتقد يؤلم أى إنسان عنده ضمير حقيقي واهتمام حقيقي بأبنائه وبناته“. كما أبدى السيسي دهشته من وجود عشرة ملايين وحدة سكنية يغلقها أصحابها دون استخدام في وقت يحتاج فيه كثير من المصريين إلى مساكن بأسعار أو إيجارات في متناول أيديهم.
وقال الجندي إن التعداد كشف أيضا عن وجود أكثر من مليوني أسرة من بين الأسر المصرية البالغ عددها 23.5 مليون أسرة تقيم في وحدات سكنية مشتركة. وقال السيسي إن الحكومة تنفذ مشروعات إسكان لإنهاء هذه الظاهرة التي تمثل خللا اجتماعيا في غضون العام المقبل. وقالت هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة في الاجتماع “اختلال العلاقة بين السكان والموارد أمر شديد الخطورة لأنه يبتلع كل عوائد التنمية. ”سكان مصر هم ثروتها الحقيقية ورصيدها الغالي ولكن زيادة هذا الرصيد دون حسابات دقيقة لموارد ومعدلات النمو يتحول الى عائق ويجعل منا دولة تحقق معدل نمو دون معدلات تنمية حقيقية“. بحسب رويترز.
وقالت الوزيرة إن تعداد 2017 هو الأول الذي يجرى إلكترونيا. وأضافت أن نتيجة التعداد الجديد أعدت في غضون شهرين من انتهاء عمليات الإحصاء بدلا من سنتين في التعدادات السابقة. وهذا هو التعداد الرابع عشر في تاريخ مصر الحديث، وكان أول تعداد قد أجري عام 1897 في عهد محمد علي. وتجري مصر غالبا تعداد السكان والمنشآت كل عشر سنوات.
من جانب اخر تنظم مصر حملة توعية لمواطنيها في المناطق الريفية لضبط النسل وتنظيم الأسرة في محاولة لإبطاء معدل نمو سكاني قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه خطر على التنمية. وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن عدد المواليد بلغ 2.6 مليون نسمة في 2016. وأطلقت وزارة الصحة والسكان عملية ”طوق النجاة“ وهي استراتيجية لخفض معدل المواليد إلى 2.4 بما يوفر للحكومة 200 مليار جنيه (11.3 مليار دولار) حتى 2030. والمناطق الريفية هي المستهدفة بالعملية إذ يرى كثير من السكان هناك أن الأسر الكبيرة مصدر قوة اقتصادية كما أن هناك مقاومة للحد من النسل بسبب اعتقاد ديني. وأقر الأزهر حملة وزارة الصحة والسكان وقال أيضا إن تنظيم الأسرة حلال.
ووضع الرئيس السابق حسني مبارك وزوجته سوزان برنامجا لتنظيم الأسرة قبل عشرات السنين لكن هذه هي المرة الأولى التي تشدد فيها الحكومة على أن دافع الحملة الجديدة هو الخوف من أن يستنزف معدل الزيادة السكانية المرتفع موارد الاقتصاد. وقالت وزارة الصحة والسكان إنها ستنشر 12 ألف رائدة ريفية في 18 محافظة لكن لم تفصح عن تفاصيل كيفية جذب المزيد من النساء لحملتها. وتدير الوزارة قرابة 6000 مركز لتنظيم الأسرة تقدم للنساء فحوصا مجانية وتبيع وسائل منع الحمل المدعمة بصورة كبيرة ومنها الواقي الذكري بعشرة قروش واللولب النحاسي بجنيهين.
الخبز المدعم
في السياق ذاته قالت وزارة التموين المصرية إن مصر أكبر مشتر للقمح في العالم ستوقف دعم الدقيق لبرنامج الخبز المدعم المحلي الضخم في خطوة من المتوقع أن تخفض واردات القمح بما يصل إلى عشرة بالمئة عن طريق تضييق الخناق على التهريب. وتتطلع مصر إلى ضبط أوضاعها المالية بينما تضمي قدما في برنامج قرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاثة سنوات من صندوق النقد الدولي مرتبط بإصلاحات طموح مثل تقليص الدعم وزيادة الضرائب.
ويواجه المصريون الذين يعصف بهم التقشف تضخما فوق الثلاثين بالمئة مما يلجئهم على نحو متزايد إلى الخبز الحكومي المدعم الرخيص لتلبية المتطلبات الأساسية مما يزيد فاتورة دعم الغذاء وواردات البلاد من القمح. وفي السنة المالية المنتهية في 30 يونيو حزيران بلغت واردات القمح 5.58 مليون طن ارتفاعا من 4.4 مليون طن في السنة السابقة.
وفي مسعى للحد من الهدر ستوقف الدولة دعم الدقيق الذي تستخدمه المخابز التي تبيع الخبز الرخيص. وقال محمد سويد المتحدث باسم وزارة التموين إنه بدلا من ذلك سيقتصر الدعم على الخبز المبيع إلى المستهلكين بالفعل. ويحصل حملة بطاقات الدعم حاليا على الخبز بسعر خمسة قروش للرغيف الواحد أي أقل من عُشر تكلفة الإنتاج وذلك عبر بطاقات إلكترونية ذكية تخصص حصة يومية للمواطنين وتعوض المخابز عن فرق تكلفة الإنتاج مع كل استخدام للبطاقة. بحسب رويترز.
وكان بعض الخبازين يشترون الدقيق المدعم الرخيص ثم يبيعونه في السوق السوداء مما أضاع على الدولة ملايين الدولارات سنويا. وقال سويد إن الإجراء الجديد سيقضي على حافز تهريب الدقيق ويقلص الهدر ويساعد الدولة على توفير ثمانية مليارات جنيه (447 مليون دولار) من فاتورة دعم الغذاء للسنة المالية 2017-2018 والمرصود لها 85 مليار جنيه.
وتصرف مصر حاليا 150 رغيفا شهريا من الخبز المدعم لكل مواطن بواقع خمسة أرغفة يوميا منذ بدء العمل بمنظومة لتوزيع الخبز بالبطاقات الذكية في أبريل نيسان 2014. وأضاف أحد المصدرين بشرط عدم نشر اسميهما "الحكومة تدرس رفع دعم نقاط الخبز إلى 0.20 جنيه لكل رغيف بدلا من 0.10 جنيه لأن بعض أصحاب المخابز يقومون باستغلال المواطنين والحكومة حاليا.
"بعض أصحاب المخابز يبيعون سلعا للمواطنين مقابل نقاط الخبز بسعر 0.20 جنيه للرغيف ثم يقومون بتحصيل المقابل من الحكومة على أساس أكثر من 0.50 جنيه لكل رغيف كما لو كان قد تم خبزه وبيعه للمواطن بالفعل". ويحصل المواطن حاليا على عشرة قروش مقابل كل رغيف خبز لا يشتريه من حصته نهاية كل شهر ويستطيع استخدام حصيلة ذلك في شراء سلع تموينية عن رصيده الإجمالي هو وأسرته. ويباع الخبز المدعم بسعر خمسة قروش للرغيف وما يسمى بالرغيف السياحي بما بين 50 و100 قرش للرغيف الواحد. وتدعم مصر نحو 68.8 مليون مواطن من خلال نحو 20.8 مليون بطاقة تموين. وتخصص الحكومة 50 جنيها شهريا لكل مواطن مقيد في البطاقات التموينية لشراء عدد من السلع.
اضف تعليق