q

علماء الاجتماع يراقبون المجتمع، يؤشرون حالات الخلل، يبحثون في العلل، أمراض المجتمع الاسلامي بائنة لمن يريد أن يراها، وغامضة على من يتجاهلها، ولا يعبأ بها، وعصيّة على من يتعامل معها بلامبالاة، ولعل من أشد مخاضات المجتمع الاسلامي صعوبة، التنازع الطبقي، المجتمع مؤلَّف من طبقات عديدة، طبقة الساسة، طبقة العلماء، الأدباء، التدريسيين، الطلبة، العمال، الكسبة، الموظفين، الفقراء، الأغنياء، طبقات عديدة تدخل في تكوين المجتمع، قد ينسجم بعضها مع بعض، وربما يتضاد ويتناقض ويختلف بعضها الآخر.

هذا التضاد والاختلاف في الأعمّ يكون على درجات، خفيف الوطأة وشديدة الوطأة، واختلاف متوسط الحدّة، الأضرار التي تحدث تنتج حسب شدة الاختلاف، فكلما اختلفت، كان النزاع شديدا، وحينما تخف حالة الاختلاف يتضاءل النزاع، المهم في الأمر كيف ندرأ نار النزاع حتى لا يحترق نسيج المجتمع بنيرانها، قبل ذلك نحتاج أن نرسم خارطة للمجتمع ومكوناته، ونضع دائرة حول كل طائفة أو مكوّن، نريد أن نفصل بين هذه الطبقة وتلك، نضع حدود لها، حتى نعرفها جيدا، فمعرفة الاشياء تسهّل التعامل معها.

المجدد الثاني السيد محمد الشيرازي، يطرح رؤية دقيقة في هذه القضية، ويضع حدودا بين طائفة وأخرى من المجتمع، فيقول (قُدس سره): (في المجتمع ثلاث طوائف، هم أهل العلم، والكسبة، والموظفون، ومع الأسف في مجتمعنا ان هذه الطوائف الثلاثة متباعدة ومتنافرة، وجاء هذا التنافر نتيجة التفكك والضعف في الامة الاسلامية، فكان اهل العلم يرون الطائفة الثالثة وكأنهم خارجون عن الاسلام، وتنظر الطائفة الثالثة الى أهل العلم وكأنهم خرافيون ورجعيون لا يفهمون شيئا، وهم السبب في تأخر البلاد وتجميد المسلمين).

يبرز نزاع بائن بشدة بين الطبقات او الطوائف كما أطلق عليها المجدد الثاني، هذا النزاع يحدث بين المؤمن والملحد، بين المثقف ورجل الدين، بين الطلبة ومجالس الايمان، لماذا هذا التنازع، وما هي السبل لردم الهوّة بين هذه الكتل البشرية المختلفة في الفكر والرؤية ومنهج الحياة، مع أن الجميع يشتركون في نسج المجتمع، ثم ما هو دور الكسبة وهم يشكلون الطائفة الوسطية؟. يحدد المجدد الثاني علاقة معقدة بين الطوائف او الطبقات الثلاث، ويصرح أن (الطائفة الثانية كانت تقف موقف الوسط، فأحيانا تنتصر الى هؤلاء واخرى الى اولئك، ولذا ما كنت في تلك الايام ترى حتى طالبا واحدا او موظفا واحدا في صلوات الجماعة، او مجالس التعزية، او بيوت العلماء، وكانت المهاترات تنهش بأظافرها جميع الاطراف).

فهل هذا الموقف الوسطي يحد من التنازع أم يضاعف منه؟ كيف ستكون الإجابة، وما هي خارطة الطريق التي تفضي الى التوازن كي يحدث التفرغ المبدئي لرسم بيئة متجانسة متعاونة تسحب وتصحب العقول نحو التفاعل البنّاء، وتجعلهم في حالة صارخة مستمرة من التعاون المشترك، مثل هذه البيئة سوف تناسب الاصلاح، ولكن ليس الجميع يشجع هذه الخطوة، يوجد من يعرقل الاصلاح ويضع العصي في الدواليب كي يمنع الحركة نحو تعديل الخلل.

عند الخوض في ماهية هؤلاء الذين يعارضون الاصلاح، ويختلقون النزاعات، ويميلون الى صنع المشاكل، سوف نعثر في شخصياتهم وعقولهم على عاهات نفسية، فهؤلاء يعانون من كبرياء زائف، وتسيطر السطحية على عقولهم، وتشل المنفعة الآنية عقولهم، والمشكلة أنهم يورطون معهم الناس الصالحين! أولئك الذين تكون نفوسهم طيبة وخالية من المآرب المسبقة.

وقد تنبّه المجدد الثاني لمثل هذه الحالات في ذلك الوقت، فقال: (إن الذين يعارضون الإصلاح هم على إشكال غالبا، فأما حساد مفترون او عاملون لإرضاء كبريائهم، او جهال سطحيون، وهؤلاء هم المعارضة ثم انهم يسحبون معهم طيبي النفوس، ويتخفون وراءهم لنيل أهدافهم، وبعد هؤلاء الافراد الذين غالبا ما نجدهم في الاصدقاء).

مؤلم كثيرا أن تكتشف صديقك وهو يقف مع أعدائك بالضد منك، فإذا كان عدوك او المناوئ لك مكشوفا امامك ومعروفا لديك، فكيف تعرف الصديق عندما يكون في نفس الوقت عدوك؟؟، ان مثل هذه الإشكالات هي التي تضخّم النزاعات الطبقية وتؤججها، وتجعل الشعب يغلي كالمرجل الحراري، تستعر النيران في داخله، وتلهب كل من يريد إطفاءها، إن المناوئين كما يصفهم المجدد الثاني يمثلون حجر عثرة في طريق الذين يسعون لاحتواء التنازع، كذلك أهدافهم وقتية وذات بعد فرداني تفوح منه رائحة الأنانية، هؤلاء يؤدون دورا بائسا ومفضوحا في إعاقة استقرار المجتمع، وبصريح العبارة هم أناس غير متعاونين، كل ما يتقنونه هو عمليات التعويق وتغذية النزاع وإشعال الحرائق بين طبقات المجتمع.

إن هذا النوع من البشر مهووس بنفسه ومصالحه المادية الآنية، فيكون دائما عنصر إعاقة، ولا يقبل التعاون مع الآخرين، ويكون باحثا باستمرار عن نقاط خلافية تبعثر جهود الجمع، وتزرع النزاعات فيما بينهم، انطلاقا من نفسه وأفكاره المشبعة بالتناقضات والخلافات، هؤلاء يكون دورهم مناوئا للتقدم ومشجعا للنزاع ولا يسعى أو يقبل باحتوائه، وقد نبّه وحذر المجدد الثاني (قده) من هؤلاء بهذا التوصيف الدقيق: (يأتي دور الذين يناوئون الانسان ومشاريعه لأهداف خاصة ووقتية مختلفة عن أهداف الانسان، مثل ان تكون انت في جانب الاسلام، وهم في جانب الإلحاد، او تكون انت من أتباع مذهب خاص، وهم من اتباع مذهب اخر).

اضف تعليق