q

هل حقا الاديان تتصارع، وما شكل هذا الصراع ومدى تأثيره على السمات والقيم العليا التي تحملها رسالات هذه الاديان، المثير في هذا الامر انه على الرغم من ان أكثر ما تدعو إليه الأديان هو السعي لتحقيق السلام لكن المعتقد الديني بات من أسباب الصراعات في مختلف أنحاء العالم، إذ يرى المتخصصون في الشؤون الدينية ان العولمة التي قادها الغرب لمواجهة نهوض المسلمين مثلا كانت تهدف لمنع عودة الحضارة الدينية الاسلامية، لذا بدأ الغرب بجعل الدين محركا لافتعال الصراعات والتصادم بين الحضارات والاديان للبقاء في ريادة عرش العالم في العصر الراهن، فمع تزايد الحروب بمختلف انواعها وتفاقم النزاعات، يعيش صراع الأديان مرحلة جديدة من مراحله، الى جانب شيوع التطرف على نحو غير مسبوق، وتجنيد المتشددين لضرب كل القيم الانسانية باستغلال الدين وتفسيره بشكل سلبي حسب رأيهم الخاص.

بحسب مهتمين يبرز هنا دور رجال الدين في مواجهة اذكاء الحرب الدينية ومنع صدام الايان، من خلال مبادرات فعالة لنشر التسامح وتكريس السلام بين الامم والانتقال من مرحلة رد الفعل على المشوهين للرسالات السماوية على غرار الماسونية والعولمة والاكتفاء بكشف وتشخيص هذه المشكلة او تلك، بل من الواجب القيام بالفعل كما فعل النبي الاكرم محمد (ص) وال بيته الطاهرين في نشر السلام والقيم الانسانية السامية ونبذ العنصرية وتعزيز العدالة الاجتماعية، فيما يلي ادناه ابرز التطورات التي تخص صراع الاديان في الآونة الاخيرة.

تبرئة رجل دين مسيحي من الإساءة إلى الإسلام

في سياق متصل، برأ قاض في ايرلندا الشمالية رجل دين من الكنيسة الانجيلية من تهمة ترديد أقوال مسيئة للغاية بعد أن وصف الاسلام بأنه "شيطاني" و"بذرة إبليس" أثناء خطبته في القداس، ووجه الاتهام للقس جيمس مكونيل راعي الأبرشية الذي يؤيده بعض الزعماء السياسيين في الاقليم البريطاني بسبب ما ردده في عظة ألقاها عام 2014 في كنيسة مستقلة أسسها ونقلتها على الهواء مباشرة وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، وقال القاضي ليام مكنالي إنه يحق لمكونيل "انتقاد الاسلام بطريقة شديدة" وإن ما فعله "لا يزيد عن نوبة سباب". بحسب رويترز.

وتجيء القضية وسط تصاعد المشاعر المناهضة للمسلمين من بعض القطاعات الأوروبية خاصة أحزاب أقصى اليمين مثل حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، ونفى القس (78 عاما) -الذي تقاعد مؤخرا بعد ان ظل يلقي عظاته طوال 60 عاما- التهم المنسوبة له وهي إساءة استخدام شبكة عامة للاتصالات الالكترونية وتوجيه رسالة مسيئة للغاية عبر وسائل الاتصالات الالكترونية العامة متمسكا بحقه في حرية التعبير.

وقال القاضي "المحكمة عليها ان تتحوط من تجريم حرية التعبير ومهما كان الأمر ينطوي على ازدراء فهو لا يزيد عن كونه مسيئا. وليس من مهمة القانون الجنائي مراقبة التصريحات المسيئة"، ودافع عن مكونيل في البداية رئيس وزراء ايرلندا الشمالية بيتر روبنسن الذي استدعى وزيرا كبيرا من حزب الاتحاد الديمقراطي المشارك في حكومة ايرلندا الشمالية الائتلافية كشاهد.

سجن شبان اقباط ادينوا بازدراء الاسلام

على صعيد آخر، قضت محكمة مصرية بالسجن خمس سنوات على ثلاثة شبان ادينوا ب"ازدراء الاسلام" بعد ظهورهم في مقطع فيديو اعُتبر مهينا للصلاة الاسلامية، حسب ما افاد مسؤول في النيابة وكالة فرانس برس، وقررت المحكمة الكائنة في محافظة المنيا (وسط) ايداع متهم رابع عمره 15 عاما في مصلحة الاحداث، الا ان محاميهم ماهر نجيب قال لوكالة فرانس برس ان موكليه كانوا يقلدون "اعدامات جهاديي داعش" ولم يقصدوا اي اهانة للاسلام.

وقال المستشار اسامة عبد المنعم المحامي العام لنيابات شمال المنيا لوكالة فرانس برس عبر الهاتف ان "محكمة جنح احداث بني مزار قضت بالحبس 5 سنوات لثلاثة متهمين وبايداع طفل رابع في مؤسسة عقابية"، واوضح المحامي نجيب الذي حضر جلسة الخميس ان الاحكام صدرت بحق موكليه "لادانتهم بازدراء الدين الاسلامي واحداث فتنة طائفية بان قاموا بتقليد الصلاة الاسلامية بطريقة خاطئة".

والشبان الاربعة مطلقو السراح ولم يحضروا جلسة، وتعود احداث الواقعة الى مقطع فيديو جرى تصويره في كانون الثاني/يناير 2015 يظهر فيه اربعة اطفال احدهم جاثم على ركبتيه ويقوم بالدعاء على الطريقة الاسلامية ثم يقوم زميل له بالاشارة بعلامة الذبح على رقبته، ثم يقول طفل للاخر "حرما" فيرد "جمعا" كما يتبادل المسلمون السلام بعد الانتهاء من الصلاة، وقال المحامي نجيب "القاضي لم يستخدم الرأفة مع الاطفال المتهمين وانزل بهم اقصى عقوبة في القانون"، ويبيح الدستور المصري حرية الاعتقاد لكن القوانين المصرية تجرم اهانة الاديان السماوية الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية وتصل عقوبة ذلك الى السجن خمس سنوات، والشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر.

ويشكل اقباط مصر، ما بين 6 الى 10% من 82 مليون مصري، وأدانت المحاكم المصرية 27 من أصل 42 متهما بتهمة ازدراء الاديان في الفترة بين العام 2011 و2013، بحسب حصر اجرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وهي منظمة حقوقية مصرية مستقلة مقرها في القاهرة، وفي 26 كانون الثاني/يناير الفائت، قضت محكمة مصرية بسجن الكاتبة الصحفية المعروفة فاطمة ناعوت 3 سنوات لادانتها ب"ازدراء الاديان" لانتقادها في تدوينة على فيسبوك "ذبح الاضاحي" في اعياد المسلمين.

وفي 29 كانون الاول/ديسمبر الفائت، قضت محكمة استئناف مصرية بحبس المذيع والباحث في الدين السلامي اسلام البحيري سنة واحدة لادانته ب"ازدراء الاسلام" ايضا وبدأ تنفيذ العقوبة فور صدور الحكم، وفي حزيران/يونيو 2014، صدرت احكام بالسجن ست سنوات ضد رجل مسيحي ادين بازدراء الدين الاسلامي واثارة فتنة طائفية كما قضت نفس المحكمة بحبس مدرسة قبطية ست سنوات بعد ادانتها بنفس التهم، وفي كانون الاول/ديسمبر 2012، قضت محكمة مصرية بالحبس ثلاث سنوات ضد المدون القبطي البير صابر بعد ما ادانته بازدراء الدين الاسلامي.

العنصرية ضد المسلمين في امريكا

من جهة أخرى، تحاول الشرطة في ولاية فلوريدا الأمريكية القبض على رجل حليق الرأس يرتدي ملابس مموهة رصدته كاميرات المراقبة وهو يحطم النوافذ والكاميرات والاضاءة في أحد المساجد ويترك على بابه لحم خنزير، وقالت المتحدثة باسم الشرطة آمي ماثيوز إن الرجل ظهر في التسجيل وهو يدخل ساحة المسجد في تايتوسفيل بوسط فلوريدا في ساعة متأخرة من ليل الجمعة وبدأ في ممارساته التخريبية، وقال مجلس العلاقات الأمريكية الاسلامية المعني بالحقوق المدنية إن هذه ثالث مرة خلال أقل من شهر التي تترك فيها منتجات الخنزير في مساجد بالولايات المتحدة وطالب باجراء تحقيق على مستوى الولاية وعلى المستوى الاتحادي، ويقول مجلس العلاقات الأمريكية والاسلامية إن الجماعات التي تحض على الكراهية تستخدم الخنازير أو لحوم الخنازير لتدنيس المساجد، وقال الإمام محمد المصري رئيس الجمعية الاسلامية لوسط فلوريدا الذي يشرف على المسجد وتسعة مساجد أخرى إن الرجل الذي كان يضع وشما على ذراعه كان يتصرف وحده فيما يبدو، وأضاف أن الحادث هو الأول من نوعه ضد المسلمين طوال 40 عاما عاشوا فيها في تايتوسفيل، وصرح بأن عمليات التخريب التي استهدفت المسلمين تصاعدت منذ الهجمات التي شنها اسلاميون متشددون على مدنيين في العاصمة الفرنسية باريس وسان برناردينو في كاليفورنيا. بحسب رويترز.

وقال إن هذه الحوادث زادت مع التصريحات المعادية للمسلمين التي أدلى بها المرشحان الجمهوريان المحتملان في انتخابات الرئاسة الامريكية دونالد ترامب وبن كارسون، وقال المصري "هذه التصريحات تضفي شرعية على أفكار المتعصبين. هم يعتقدون ان هؤلاء الزعماء يتفقون معهم في الرأي ولهذا أصبح من المقبول ان يقولوا ذلك بل ان يفعلوا ذلك"، وقال مجلس العلاقات الأمريكية الاسلامية إن حوادث التخريب والتدمير والحاق الاضرار بالمساجد ومحاولات الترويع وصلت الى مستوى قياسي عام 2015 منذ ان بدأ المجلس يحصي هذه الحوادث عام 2009، وذكر المجلس أنه في اواخر ديسمبر كانون الاول وضع مخربون لحوم الخنزير حول مقابض باب مسجد التوحيد في لاس فيجاس، وفتح مكتب التحقيقات الاتحادي تحقيقا في واقعة القاء رأس خنزير من شاحنة على جمعية الأقصى الاسلامية في فيلادلفيا في السادس من ديسمبر كانون الأول.

تغذية التطرف

من جانب آخر، اتهم رئيس صحيفة "الباييس"، خوان لويس سيبريان السلطات الكاثوليكية المحلية بتغذية التطرف برفضها الاعتراف بأن كاتدرائية قرطبة كانت من أكبر المساجد الإسلامية، وترفض أسقفية قرطبة، مالكة هذه الكاتدرائية التي بنيت في وسط مسجد المدينة الأندلسية بعد طرد العرب منها، أي اشارة إلى الأصل الإسلامي لهذا المبنى الذي عرف لفترة طويلة بالمسجد-الكاتدرائية، وقال رئيس الباييس خوان لويس سيبريان "أن عدم تسمية المسجد بالمسجد إهانة لا داعي لها لمشاعر المسلمين" وذلك في حفل تأبين لصحافيي أسبوعية "شارلي إيبدو" الساخرة الذين قتلوا في هجوم شنه إسلاميان متطرفان على مكاتبها في السابع من كانون الثاني/يناير الجاري، وأضاف رئيس أوسع الصحف الإسبانية انتشارا أن "هذه المواقف تغذي سياسة الكراهية والتعصب والتطرف"، وأكد سيبريان مخاطبا الحكومة والكنيسة الكاثوليكية "من المهم المطالبة بالتسامح ومطالبة قرطبة به والمطالبة بأن لا يكون هناك بعد الآن تطرفا دينيا".

حكم العرب الأندلس من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر. واعتبرت قرطبة تاريخيا رمزا للتعايش السلمي بين الأديان الإسلام والمسيحية واليهودية خلال فترة من الحكم الإسلامي لإسبانيا، ووسط قرطبة التاريخي ومسجدها مدرجان في قائمة التراث العالمي لليونيسكو، وقد أصبحت الكاتدرائية حاليا موضع جدل بعد أن أطلق مواطنون غاضبون من الإدارة الحالية للكنيسة عريضة تطالب بأن يصبح المبنى ملكية عامة وبأن يتم احترام تاريخه، من جهة أخرى، نشرت الباييس اليوم على صفحتين بالإسبانية رسوما كاريكاتورية من العدد الأخير لشارلي إيبدو تعبيرا عن "التضامن" مع الضحايا.

حظر الاحتفال بمولد الحاخام ابو حصيرة

من جهتها قررت محكمة مصرية حظر الاحتفال بمولد الحاخام اليهودي يعقوب بن مسعود ابو حصيرة الذي يقام سنويا في محافظة البحيرة بدلتا النيل كما قررت الغاء قرار وزير الثقافة الصادر عام 1981 باعتبار ضريحه من الاثار المصرية.

وكان احد المحامين تقدم بدعوى لالغاء مولد ابو حصيرة معللا ذلك بانه "تقام خلاله طقوس وتؤتي افعال تخالف اخلاق الريف المصري"، ويعتبر مولد أبو حصيرة احتفالا يهوديا بالحاخام المغربي الأصل، يقام بصورة سنوية منذ عام 1907 في الفترة ما بين 26 كانون الاول/ديسمبر حتي الثاني من كانون الثاني/يناير داخل معبد يهودي في قرية دميتيوه في محافظة البحيرة، ويعتقد عدد من اليهود أن ابو حصيرة صاحب كرامات ينتمي إلى عائلة يهودية كبيرة غادر المغرب لزيارة الأماكن المقدسة في فلسطين قبل مجيئه إلى مصر، وأقام في قرية دميتيوه ودفن فيها وأقيم ضريح له عام 1880. بحسب فرانس برس.

ومنذ توقيع مصر وإسرائيل على معاهدة السلام عام 1979، يحرص مئات اليهود الذين يعود معظمهم إلى أصول مغربية على التوافد على القرية، وزيارة الضريح الذي تم تسجيله ضمن الآثار اليهودية كموقع ديني في هيئة الآثار المصرية، وأثناء الاحتفالات تتحول المنطقة إلى ثكنة عسكرية محصنة تنتشر فيها قوات الامن لحماية المشاركين من غضب المواطنين، وفي عام 2001 قضت محكمة في الإسكندرية بحظر إقامة الاحتفال ورفعه والمقابر اليهودية المحيطة به من سجلات الآثار التاريخية، إلا أن السلطات المصرية سمحت بإقامته سنويا منذ صدور الحكم وحتى عام 2010 عدا مرة واحدة في 2008 لتزامنه مع الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنذ ثورة يناير 2011 والإطاحة بنظام الرئيس الاسبق حسني مبارك وحتى الآن، لم يتم تنفيذ أي برامج أو زيارات للقبر او اقامة احتفالات، وأبلغت مصر السفارة الإسرائيلية صعوبة إقامة الاحتفال السنوي لأبو حصيرة نظرا للظروف التي تمر بها البلاد.

إجبار كنيسة على إنزال الصليب

الى ذلك، أمرت ماليزيا بإجراء تحقيق في احتجاج متظاهرين مسلمين أجبروا كنيسة صغيرة في العاصمة على إنزال صليب في أحدث علامة على التوتر الديني المتزايد في الدولة المتعددة الثقافات الواقعة في جنوب شرق آسيا.

وقال رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق إن الحكومة ناقشت الاحتجاج في ضاحية تمان ميدان التي تسكنها أغلبية مسلمة في العاصمة كوالالمبور وإنه قد توجه اتهامات للمتظاهرين بموجب قانون التحريض على الفتنة الماليزي المثير للجدل، وقال نجيب في بيان صدر في ساعة متأخرة يوم الثلاثاء "إذا تبين أنهم انتهكوا قانون البلاد فسيتخذ إجراء بموجب قانون التحريض على الفتنة أو القوانين الأخرى القائمة"، وذكرت وسائل إعلام ماليزية أن مجموعة تضم حوالي 50 محتجا تظاهرت أمام الكنيسة يوم الأحد لأنهم يعتقدون أن الصليب يشكل تحديا للإسلام لأنه قد يؤثر على عقيدة الشبان، وذكرت وسائل الإعلام على نطاق واسع أن الكنيسة قامت بإنزال الصليب لعدة ساعات، وقال نجيب إن الحكومة ترى أنه ما كان ينبغي للمحتجين أن يقوموا بأي تحرك من شأن أن يتسبب في عدم الاستقرار في ماليزيا التي يشكل المسلمون المالايو غالبية سكانها، وأثار الاحتجاج غضب غير المسلمين وأيضا المسلمين المعتدلين الذين عبر كثير منهم عن القلق من العلامات المتزايدة لعدم التسامح الديني في ظل انجراف إلى إسلام أكثر محافظة، وكانت محكمة اتحادية ماليزية قضت في العام الماضي بألا تستخدم صحيفة مسيحية كلمة "الله" في قضية أججت التوتر الديني وأثارت شكوكا بخصوص حقوق الأقليات.

وقامت ماليزيا في وقت سابق هذا الشهر بتغليظ قانون التحريض على الفتنة الذي يعود للحقبة الاستعمارية والتي ترى أنه ضروي للحفاظ على الوئام الديني بعدما كانت تسعى لإلغائه، ويتهم منتقدون الحكومة باستخدام القانون لقمع السياسيين والصحفيين والأكاديميين والنشطاء المعارضين.

اضف تعليق