لا أعقد أن أحداً يخالفنا الرأي في أن هذا المثلث الجميل، الفن، الذوق والاخلاق، لم يتبق منه شيئاً في شوارعنا بعدما أحتل قليلو الذوق والاخلاق تلك الشوارع وصالوا فيها وجالوا دون رادع أو قانون يحكم السيطرة على تصرفاتهم الجنونية، الآلاف من الحوادث المرورية أشرها تقرير حوادث المرور الذي اصدره الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، ذهب الآلاف منها بين قتيل وجريح وبخسائر مادية جسيمة، لا يكاد يمر يوماً أو ساعة وأنت تجول في شوارع المدينة دون أن ترى حادثاً مرورياً قد لا تقل بشاعته عن تفجير إرهابي.

كل ذلك له أسبابه التي كان من المفترض أن تكون للانظمة والقوانين المرورية الدور الأكبر في الحد منها أو خفض معدلاتها الى أدناها، بمتابعة سريعة وبقراءة لواقع الشوارع وحدوثها بصورة مستمرة من قبل المؤسسات المسؤولة. فحوادث المرور مع أنها بسبب من يقود العجلات إلا أن تهيئة الشوارع وتأثيثها الحديث وفق المواصفات العالمية له الأثر البالغ الذي يفرض على مرتاديه إحترامها، نحن نشير –على سبيل المثال– الى مجسر باب المعظم، فبعد إفتتاحيته الكبيرة لازالت الشوارع المحيطة به تعاني أشد المعاناة من الزحام المروري الهائل ونخص ساحة باب المعظم التي تعج بالفوضى من قبل سيارات الأجرة الكبيرة التي لاتراعي إي إلتزام فهي تقف كيفما تشاء أمام فريق كامل من رجال المرور ضباطاً ومراتب، مع عدم إمكانية الحكومة لعمل مرائب متكاملة لتلك العجلات التي اتخذت من تلك الساحة وسط العاصمة مرآباً لها.

الشوارع تغص بالأطفال ممن يقودون عجلاتهم برعونة بالغة وهم ليسوا وحدهم فحتى الكبار ممن يعول عليه الانضباط في تلك الشوارع أصابتهم عدوى اللانظام والفوضى ومع فقدان التسامح والوئام بينهم لا تسمع من بين تلك الفوضى إلا السباب والشتام النابي الذي لا يقترب للأخلاق والفضيلة في شيء أبداً.

لانعلم متى يتم محاسبة أولئك الذين يتسببوا يومياً بعشرات الحوادث المرورية، سيارات حديثة وتجاوز على حقوق الاخرين وعجلات بلا أرقام وشوارع ملئت بالحفر المؤذية وغيرها أغلقت لتختنق الشوارع الكبيرة بمئات الآلاف من السيارات التي تجول المدينة يومياً مع ضعف النقل العام في توفير وسائل نقل سريعة تخفف من حدة تلك الزحامات.

نحن بحاجة الى إعادة نظر كبيرة في مستوى النقل العام والخاص لدينا وإعادة تنظيم شوارعنا، ولا نحتاج الى مليارات الدولارات لذلك إنها مجرد تصليحات فكل المواد اللازمة لرصف الطرق وتأثيثها من الممكن الاعتماد على نشاط الشركات العامة في تأمينها، مواد التبليط والاسمنت وملايين من الايدي العاملة كلها متوفرة ويتم سنوياً إنفاق 40 ترليون دينار تقريباً كرواتب، فماهي النتائج التي حصل عليها بقية أبناء شعبنا من تلك الأموال.

يبدو أننا فقدنا الإحساس بأهمية عملنا كتطبيق منا لرسالتنا السماوية حينما كان "العمل عبادة" و"رحم الله أمرأ عمل عملاً صالحاً فأتقنه" وأنا أراقب رجل كبير في السن يحمل مجرفاً ليردم فتحة في منتصف طريق مرور السيارات في منطقة الشعب بالحجر والتراب كانت تسبب أذى للسيارات المارة والزحام الكبير وحينما انتهى من عمله حظي برضا الناس ودعائهم، انه مجرد رجل كبير في السن عرف ما يفعله ولم يتلق عليه أجراً من الحكومة إنما أجره على الله، فما بال من يمتلك كل الآليات والأيدي العاملة لا يطوعها في خدمة المجتمع، شوارع كبيرة ومهمة تفتقر الى أبسط الخدمات تملئها الحفر والمطبات الاجبارية وأكوام المواد الانشائية، أنها "الفوضى الخلاقة" في شوارعنا والتي لا يستفيد منها إلا المفسدون لغرض الضغط على الحكومة لتخصيص المبالغ الطائلة لإستنزاف آخر ما تبقى لنا مما نهبه المفسدون في السابق ليأتوا على أخر ما فضل من فتات نهمهم.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق