أكثر الحملات الدعائية نجاحًا في العالم ليست تلك التي نحبها أو نكرهها، أو تلك التي تحمل رسائل جديدة أو مثيرة، إنها تلك الحملات وبدون كثير من الجهد أن تجعل الأشياء تمر تحت أعيننا دون أن ننتبه، وأن تؤثِّر على سلوكنا دون أن نُدرِك أصلًا أنها فعلت ذلك...
الإعلان صناعة لا يُستهان بها، وقصة نجاح هائلة. كل ما عليك هو أن تُلقِي نظرة على عائدات الشركات التي تستعين بالإعلانات بصورة مكثَّفة (بروكتر آند جامبل، وول مارت، يونيليفر، كرافت، نستله، جونسون آند جونسون، ريكيت بنكيزر … إلخ) لتُدرك أن الاستثمار في الإعلانات يؤتي ثماره إلى حدٍّ كبير.
غير أنك تجد صعوبة بالغة إن حاولتَ البحث في «سبب» هذه الفعالية التي تتميز بها الإعلانات، أحد أسباب تلك الصعوبة أن الشركات التي تستعين بالإعلانات لبيع منتجاتها لن يكون لديها أي دافع لإطْلاع الآخَرين على مدى فعالية تلك الإعلانات. وبطبيعة الحال، يكون لوكالات الإعلانات دافع لنشر نجاحها والتعريف به؛ لأن الإعلان هو إعلان لها، إذا جاز التعبير، لكنها ملزَمة ببنود السرية في عقودها المُبرَمة مع الشركات صاحبة الإعلانات، ومع جهات التسويق التي تدفع أتعابها، وجهات التسويق هذه تفضِّل إبقاء النجاح أو الفشل طيَّ الكتمان. أحد أسباب ذلك أنه في حال تحصَّل منافسوها على معلومات حول الأساليب الإعلانية الفعَّالة وغير الفعالة، فعندئذٍ لن يكون على هؤلاء المنافسين سوى محاكاة الإعلانات التي أثبتت نجاحًا.
هذه الحالة من البارانويا التنافسية منتشرة على وجه الخصوص في الولايات المتحدة؛ حيث تفوق الميزانيات المخصَّصة للدعاية مثيلاتها في أي مكان آخر في العالم. وإذا سألتَ إحدى وكالات الإعلان الأمريكية عن حجم إنفاق أحد عملائها على حملة إعلانية، أو عن حجم العائد الذي عاد عليه من هذه الحملة، فلن تحصل على إجابة شافية، وإن حصل ونجحتَ في التوصُّل إلى شخص يمكنه تزويدك بتلك المعلومات، فالأغلب أنك ستحصل على تحذير من نشْر أيٍّ من تلك المعلومات.
على أن الأمر لا يخلو من بضعة استثناءات، فبرنامج جوائز ديفيد أوجيلفي التابع لمؤسسة أبحاث الدعاية والإعلان ينشر سنويًّا سلسلة من دراسات الحالة تعطي المتابع في بعض الأحيان لمحةً عن مدى نجاح إحدى الحملات الإعلانية، لكن البيانات تكون عامة في مضمونها. ستخبرك تلك الدراسات بحجم ما صنعَتْه الحملة من تعريفٍ وتوعيةٍ أو بعدد الأشخاص الذين سجَّلوا إعجابهم بها، بل قد تجد فيها معلومات عن مقدار زيادة المبيعات خلال فترة زمنية معينة، أو إلى أي حدٍّ نَمَتْ حصة الشركة صاحبة الإعلان في السوق. لكن من النادر أن تجد إحصاءً محدَّدًا حول ما حققَتْه الحملة الإعلانية بالفعل.
فكِّر -على سبيل المثال- في حملة «الجمال الحقيقي» التي أطلقَتْها دوف عام ٢٠٠٩. تقول دراسة الحالة المنشورة في تقرير جوائز أوجيلفي: إن «التفاعل» قد زاد بنسبة ١٢٪، لكن هذا لا يخبرنا بالكثير لأنه لا أحد يعرف ما المقصود بكلمة «تفاعل» هنا. وتقول الدراسة أيضًا إن الاستراتيجية العامة قد زادت من حصة الشركة في السوق بنسبة ٣٣٪ في كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا، لكن ذلك كان على مدى ٤ سنوات ما بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٧، وكان لجميع الأنشطة التي استمرت خلال هذه الفترة (أي حملات الترويج، محفِّزات التوزيع، حوافز المبيعات، نشاط العلاقات العامة … إلخ). والشيء الذي لن تخبرك هذه الدراسة به أبدًا هو حجم ما جلبه الإعلان التليفزيوني من عائدات.
أما في المملكة المتحدة فإن الجهات التسويقية أكثر مرونةً فيما يتعلَّق بالكشف عن بيانات أعمالها، كما أن جائزة فعالية الدعاية والإعلان البريطانية (آي بي إيه) تقدِّم ما هو بمثابة كنز من الأدلة الموثَّقة حول مدى فعالية الحملات الإعلانية. لهذا السبب ستجدني أنقل عن دراسات الحالة البريطانية بقدْرٍ أكبر بكثير من نقلي عن مثيلاتها الأمريكية في هذا الكتاب؛ فهناك الكثير من المعلومات التي يمكن لي العمل عليها، وهي تمثل نماذجَ أوضحَ كثيرًا عند الحديث عن الفعالية الإعلانية.
غير أن هناك سببًا آخَر وراء خشية شركات الدعاية والتسويق من الكشف عن أسباب نجاح إعلاناتها، وهو أنها هي نفسها لا تعرف تلك الأسباب في أغلب الأحيان. وتحضرني هنا مقولة لرجل الصناعة الشهير جون واناميكر: «نصف إعلاناتي ضاعت سُدًى، ولكنني لا أعرف أي نصف منها هو الذي ضاع.» وقد لا يعرف كثيرون أن نيل فيتزجيرالد، الذي كان حينذاك رئيسًا لشركة يونيليفر، قد قال في حوار: «لو جاء أحدهم وسألني أنا، وليس أحدًا ممَّن سبقوني في هذا المنصب، عن أي نصفٍ من إعلاناتي هو الذي راح هدرًا لقُلتُ له بل ٩٠٪ منها راحت هدرًا، ولكنني لا أعرف أي ٩٠٪.» (لانون، ١٩٩٨) ألَا تجد في هذا غرابة؟ أن يكون وصول الإنسان إلى القمر وتجوله على سطحه أسهل بكثير من التيقُّن من نجاح حملة إعلانية من عدمه، والدليل هو كلام رئيس ثاني أكبر شركة مُعلِنة في العالم.
قد يكون من بين تفسيرات هذا الارتباك أنَّ من صفات أداء الإعلان أنه يستعصي على المنطق في كثير من الأحيان. فمثلًا، من المعتقدات السائدة في صناعة الإعلان أن الإعلان الذي يعجبنا يكون أكثر فعالية من الإعلان الذي لا يُعجبنا؛ لأن المشاهدين يكونون أكثر استعدادًا لمشاهدته (بيل، ١٩٩٠). إذن، كيف يمكنك تفسير ما سأعرض له فيما يلي؟
نحب أم نكره؟
على مدار الأعوام القليلة الماضية، نَمَتْ في المملكة المتحدة مجموعة كبيرة مما يُعرَف بمواقع مقارنة الأسعار، وتمكِّنك هذه المواقع من التحقُّق من الحصول على أفضل الخدمات في مجالاتٍ كالطاقة والاتصالات والتأمين بأرخص الأسعار. ويأتي حجم المرور في هذه المواقع مدفوعًا بالكامل بالإعلانات التليفزيونية؛ ومن ثَمَّ فهي تمثل مكانًا جيدًا لاختبار نجاح أو فشل أنواع الإعلانات والدعاية المختلفة.
في يوم السبت الموافق ١٦ يناير ٢٠١٠، وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردِّي الذي أهلك القسم الأعظم من أرباح أكبر قنوات التليفزيون التجارية في بريطانيا، نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مقالًا بعنوان: «كيف ننقذ صناعة الدعاية والإعلان التليفزيوني؟ شيء بسيط! أرسلوا الميركات أليكساندر.» وقد أشارتِ المقالة إلى موقع Compare-the-Market.com، الذي ابتكر موقعًا خياليًّا اسمه «قارن الميركات» Compare the Meerkat. وقد ميَّز الحملة الإعلانية ذات الشعبية الضخمة حيوان «ميركات» (حيوان من فصيلة السموريات) مجسم في صورة بشرية أُطلِق عليه اسم «أليكساندر» ويتحسر على أن الناس يخلطون بين موقعه ميركات الخاص بالمواعدة بين الجنسين وبين موقع Compare-the-Market الذي يمكنك من خلاله شراء تأمين رخيص للسيارات.
وقد أعلنتِ الجارديان أن «كثيرًا من الناس قد فاجأهم حجم النجاح الذي حققه أليكساندر.» وقد أشارت المقالة إلى أن «أليكساندر أورلوف»، وهو الاسم المنسوب للميركات، قد نال سيلًا من المتابعين على كلٍّ من تويتر وفيسبوك، وبات هو اللعبة التي يتوق الأطفال لاقتنائها في احتفالاتهم بأعياد الكريسماس ٢٠٠٩. وقد نُقل عن جيري بويل، الرئيس التنفيذي لعملاق شراء الوسائط الإعلامية زينيث أوبتيميديا، قوله: «إن النجاح الكبير الذي حققَتْه هذه الحملات في لفت انتباه الجمهور قد أثبت أن ما يقوله مَن يزعمون أن الدعاية التليفزيونية في سبيلها للاحتضار أمر عارٍ من الصحة.»
إذن، ما حجم النجاح الذي حققَتْه دعاية الميركات؟ في هذا الصدد تقول الجارديان، نقلًا عن مينتل، إن دعاية الميركات قد «أعطت دفعة» لموقع Compare-the-Market.com انتقل بعدها من مجرد موقع لصغار المراهقين إلى رابع أشهر موقع لمقارنة الأسعار في بريطانيا، وذلك بعد MoneySupermarket.com وwww.Confused.com. هذا يبدو أمرًا طيِّبًا، بَيْدَ أن المشكلة أن هذا قد وضعها أيضًا في مرتبة متأخِّرة عن موقع ذي حملة إعلانية تتمتع بمستوى التوعية المرتفع نفسه، وهو GoCompare.com.
ولأغراض الدعاية، ابتكر موقع GoCompare.com شخصية تُدعَى «جيو كومباريو»، وهو مغنِّي أوبرا يقطع على الناس انغماسهم في أنشطتهم الترفيهية بحضِّهم على «الذهاب للمقارنة» بصوت أوبرالي صادح. وقد حطَّم «جيو كومباريو» بعض الأرقام القياسية في عام ٢٠٠٩ بعد أن تمَّتْ تسميته بالحملة الإعلانية الأكثر إثارة للسخط في المملكة المتحدة للعام الثاني على التوالي. ولم يوضِّح أحدٌ أيٌّ من هاتين الحملتين -الميركات أو جيو كومباريو- قد نال أكبر قدر من انتباه الجمهور، بَيْدَ أنه لم يكن هناك شكٌّ حول أيهما كان أكثر ما أحبَّه الناس وأيهما كان أقل.
إن ما يجعل الأمر أكثر إدهاشًا أنه حدث بعدها بعام أو أكثر قليلًا أنْ أعلنت صحيفة «صانداي تايمز» البريطانية أن «الإنفاق على الدعاية … قد دفع ﺑ GoComapare إلى موقع التميُّز فيما يعتبر الآن معركة رباعية بين مواقع Confused وMoneySupermarket وCompare the Market». ومن الواضح، وبرغم أنها أثارت ازدراء الأمة بأكملها، أن دعاية Gio Compario حققت نجاحًا كبيرًا. وبتعبير آخر، كانت هذه الدعاية أكثر الدعايات استجلابًا للكراهية في بريطانيا بَيْدَ أنها كانت في الوقت ذاته أكثر فعالية بكثير من أكثر الحملات الإعلانية شعبية في بريطانيا.
إن ما توضِّحه هذه القصة أن مؤشراتٍ بسيطة مثل حب أو كراهية الإعلانات لا يمكن الوثوق بها للتنبؤ بفعالية الإعلان. قد يبدو منطقيًّا أن الإعلان الذي تحبه أفضل من الإعلان الذي تكرهه، بَيْدَ أن الإعلانات خبيرة في تحدِّي المنطق. وإليك مثالًا آخَر مستمدًّا من المنطق الحدسي. من المؤكد أن أي إعلان لن يحقق نجاحه المنشود إذا لم يستطِعْ أحدٌ أن يتذكر الرسالة التي يحاول توصيلها، أليس كذلك؟
لغز «أو تو»
تُشتَهر السوق البريطانية لشبكات الهاتف المحمول بكونها من أكثر أسواق العالم تنافسية، ومع انتشار مواقع مقارنة الأسعار، كانت الدعاية هي المحرك الدائم للنجاح؛ فخلال تسعينيات القرن العشرين، هيمنت حملتان إعلانيتان على السوق: الأولى هي «أورانج» بعبارتها الشهيرة «المستقبل ساطع، المستقبل هو أورانج»، والثانية هي حملة «وان تو وان» برسالتها المميزة الواردة على لسان الشخصيات الشهيرة «مع مَن تحب أن تستخدم وان تو وان؟» وإلى جانب هاتين العلامتين الشهيرتين، كانت هناك علامتان أخريان تسترعيان انتباه الجمهور: الأولى كانت فودافون، والأخرى علامة «سيلنت» المملوكة لمشغل الخطوط الأرضية البريطانية بريتيش تيليكوم.
وفي نهاية تسعينيات القرن العشرين، أحدثت فودافون تحوُّلًا في مصيرها بشرائها لسلسلة من الشركات (من بينها أورانج) وأصبحت أكبر مشغِّل لشبكات المحمول، هذا في الوقت الذي لم تصادف سيلنت فيه حظًّا مماثلًا. وفي سنة ٢٠٠١، تمَّت إعادة تنظيم الشبكة التي تعاني سوء الأوضاع وأُعيد إطلاقها تحت اسم «أو تو». ولسنوات أطلقت الشركة الجديدة حملةً إعلانيةً خاليةً من التكلُّف وتُظهِر في إعلاناتها أحيانًا لقطاتٍ لطيور الحمام وهي تنطلق للأعلى فيما يرقص بعض الناس، إلَّا أن أغلب لقطاتها تضمَّنتْ مياهًا زرقاء وفقاعات تتشكل فيها وبعض الموسيقى المَرِحة في الخلفية. وكانت الرسالة الموجزة من وراء ذلك في النهاية هي «أو تو، انظر ما تستطيع فعله».
وقد أنفقت «أو تو» الكثير من المال على هذه الحملة، ورغم عِلم الناس بإعلاناتها، لم يستطع أيٌّ منهم أن يتذكَّر ماذا كانت ترغب «أو تو» في قوله لهم بهذه الإعلانات؛ ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن رسالة «انظر ما تستطيع فعله» لم تكن تحمل معنًى لأحد، ولأنه لم يكن هناك شيء يُميِّز الحملة من أسعار أو عروض أو منتجات جديدة جذَّابة تستحق أن يتذكرها أحد. الحقيقة أن الماء الأزرق والفقاعات ليست السمات التي يمكن أن يبحث المرء عنها في أي هاتف محمول.
لذا، بحلول عام ٢٠٠٥، هل تستطيع أن تخمِّن ما آل إليه حال كل علامة من هذه العلامات التجارية في المملكة المتحدة؟ إليك الإجابة: لقد استحوذَتْ شركة «تي موبايل» على شركة «وان تو وان» وصار لديها ١١٫٢ مليون عميل بريطاني. أما شركة فودافون الاستحواذية فقد صار لديها ١٤٫٨ مليون عميل. وقد جلب الإعلان الشهير لشركة أورانج نحو ١٤٫٩ مليون عميل.
ولكن ماذا حقق إعلان الماء والفقاعات عديم المعنى ﻟ «أو تو»؟ حسنًا، لقد ترتَّب عليه أن هذه الشبكة التي كانت على وشك الزوال قد أصبحت أكبر شركة هواتف في بريطانيا، بقاعدة عملاء يبلغ حجمها نحو ١٧ مليون عميل. لا، هذا ليس خطأً مطبعيًّا! لقد أصبحت «أو تو» في غضون ٤ سنوات فقط رائدة السوق. الأكثر إثارة في هذه القصة أنها حقَّقت هذا النجاح بدون تقليل أسعارها عن الشركات الأخرى، وبدون أن تتمتَّع بأي مزية فنية معينة، وبدون اللجوء لأي نشاط استثنائي في الدعاية والإعلان. يبدو أن «أو تو» قد حققت ريادتها في السوق بفعل ما هو أكثر من مجرد إعلان الماء والفقاعات.
كيف حدث ذلك؟ كيف استطاعت الدعاية التي لم تَقُم بتوصيل رسالة ذات معنًى أن تدفع بعلامة تجارية إلى الريادة في سوق تنافسية كتلك؟ بمواصلتك القراءة ستعرف الإجابة، كما ستعرف أيضًا كيف استطاعت شركات أخرى كثيرة أن تفعل المثل. السبب هو نظريتي في أن أكثر الحملات الدعائية نجاحًا في العالم ليست تلك التي نحبها أو نكرهها، أو تلك التي تحمل رسائل جديدة أو مثيرة، إنها تلك الحملات على غرار حملة «أو تو» القادرة -وبدون كثير من الجهد- أن تجعل الأشياء تمر تحت أعيننا دون أن ننتبه، وأن تؤثِّر على سلوكنا دون أن نُدرِك أصلًا أنها فعلت ذلك. والطريقة التي تعمل بها هذه الحملات الإعلانية والتي تبدو مسالِمة ظاهريًّا هي «إغواء» عقلنا الباطن.
ولسوء الحظ، فإن الطريقة التي تنجح بها الدعاية في إغواء عقلنا الباطن ليست بالأمر الهَيِّن، حيث يتبيَّن لنا أنها تملك قدرتها تلك على التأثير علينا بهذه الطريقة لأننا كبشر نتأثر بطريقة خاصة ببعض أنواع التواصل. وهذه القابلية للتأثُّر نابعة من الطريقة التي تطورت بها عقولنا، وعليه فلكي نفهم ما يجري، من اللازم أن نتعرف على الكثير من الأفكار الجديدة في علم النفس.
لهذا السبب تناولتُ الموضوع بالعقلية التي يمكن أن يتناوله بها مهندس. وقد بدأتُ بتشريح نماذج الدعاية الراهنة إلى أجزاء ثم أعدتُ بناءها في مراحل وصولًا بها إلى نموذج «إغواء العقل الباطن» الجديد. وفي أثناء ذلك استخدمتُ علم النفس المعرفي وعلم النفس السلوكي والبيولوجيا العصبية والفلسفة كعناصر في هذا البناء. وفي سعيي لذلك حاولتُ توضيح كل مرحلة وشرحها بعدد من دراسات الحالة في مجال الدعاية، وفي نقاط متعددة أوردتُ رسومًا تخطيطية للطريقة التي يتطور بها هذا النموذج.
إنني أعتذر إن كنتم تجدون في هذه المقاربة الجديدة إفراطًا في التحليل، بَيْدَ أنني أرى أن الأمر يقتضيه بشدة؛ ذلك أن الكثيرين منَّا في النهاية لهم مصلحة أكيدة في إثبات خطأ نموذج «إغواء العقل الباطن»؛ فقد بنَى البعض أنشطتهم التجارية على النموذج القديم، فيما يعتقد البعض الآخر اعتقادًا جامحًا بأن الدعاية والإعلان ليسا إلا منظومة من الشرِّ والخِداع … بَيْدَ أن الدعاية ليستْ أيًّا من هذين؛ فهي أكثر تعقيدًا بكثير ممَّا يتخيَّله الكثيرون منَّا.
اضف تعليق