نحن بامس الحاجة الى بناء جسور الثقة والمحبة والوئام والتعايش والتعاون بين العراقيين لكي يكون بالامكان جمعهم وتوحيد طاقاتهم في مجرى النهوض الحضاري واعادة البناء والاعمار، ويمكن تحقيق ذلك عبر مشروع مجتمعي تربوي وتثقيفي واسع النطاق يتم انجازه في المدارس والجامعات واماكن التجمعات العامة كدور العبادة وغيرها...
لا يمكن اعادة بناء واعمار بلد على اسس سليمة منتجة للسعادة اذا كان ابناؤه يتبادلون الاحقاد والحسد والغيرة والشك وتفرقهم المصالح الفردية. علاقة الانسان باخيه الانسان هي حجر الزاوية في بناء المجتمع. اي علاقة الانسان باخيه الانسان وعلاقة الانسان بالطبيعة، هي العنصر الثالث في بناء المجتمع بعد الانسان والأرض، وذهب الفيلسوف الاميركي جون راولز خطوة ابعد حين اشترط "التعاون" في تعريف المجتمع الذي قال انه "نظام من التعاون المنصف بين مواطنين متساوين واحرار".
اذا اردنا ان نطلق دعوة عامة لاعادة بناء واعمار البلاد فيجب ان يشارك فيها الناس بصورة ايجابية واسعة، لانه لا يمكن تحقيق ذلك اذا عزف الناس عن هذه الدعوة. ولهذا ان المركب الحضاري القادر على تحقيق النهضة الحضارية يجب ان يكون قادرا على زج ابناء المجتمع في المشروع الحضاري.
ولهذا وجدنا القران الكريم يكثف الحديث عن اهمية بناء علاقات ايجابية طيبة بين الناس في المجتمع الواحد. ولهذا حرم الاسلام الكثير من الممارسات المخلة بهذه العلاقات الطيبة مثل العدوان والحسد والغيبة والنميمة والبهتان والظلم وشهادة الزور والاتهامات الباطلة وتشويه السمعة وغيرها ودعا الناس الى التعاون والمودة والمحبة والسلام والقسط فيما بينهم. وتستهدف منظومة القيم الحافة بالمركب الحضاري، فيما تهدف اليه، الى ارساء قواعد العلاقات الطيبة بين الناس، بوصفها شرطا للتعارف والتعاون في طريق النهوض الحضاري.
لكن استعراضا سريعا للعلاقات بين الناس في المجتمع العراقي يكشف لنا عن وجود حالات سلبية كثيرة في العلاقات بين العراقيين. ففضلا عن هشاشة الروابط الوطنية بين العراقيين المختلفين دينيا او مذهبيا او عرقيا او مناطقيا، فاننا نجد حالات كثيرة من التباغض والتحاسد والتنافس غير المحمود بينهم. ويشترك في هذا المواطنون العاديون، كما يشترك فيه السياسيون والمشتغلون بالشأن العام. وتكشف تعليقات الناس الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي عن حجم الهوة التي تفصل العراقيين عن بعضهم البعض ببحور من المشاعر السلبية المتنافرة فيما بينهم. ولا احتاج الى تسمية الاشياء باسمائها لانها معروفة لدى القراء الكرام.
ويمثل هذا خللا حادا في المركب الحضاري للمجتمع العراقي لا يمكن معه الحديث عن اي مشروع لاعادة البناء والنهوض الحضاري، لان هذه الحالة تمثل معيقا كبيرا في هذا الطريق.
وقد يكون من المفيد دراسة العوامل التاريخية والثقافية والاقتصادية التي ادت الى شيوع هذه الثقافة السلبية من اجل ان تكون هذه الدراسة دليلا في معالجتها ومعالجة اثارها السلبية.
ولهذا، فنحن بامس الحاجة الى بناء جسور الثقة والمحبة والوئام والتعايش والتعاون بين العراقيين لكي يكون بالامكان جمعهم وتوحيد طاقاتهم في مجرى النهوض الحضاري واعادة البناء والاعمار.
ويمكن تحقيق ذلك عبر مشروع مجتمعي تربوي وتثقيفي واسع النطاق يتم انجازه في المدارس والجامعات واماكن التجمعات العامة كدور العبادة وغيرها. وتأخذ هذا الاماكن على عاتقها اشاعة ثقافة المحبة والتعاون بين الناس بكل فروعها وتفرعاتها وتفاصيلها. ويلعب المدرسون وعلماء الدين والكتاب والممثلون دورا بارزا في ارساء اسس هذه الثقافة وترسيخها في عقول وقلوب الناس.
ويمكن للمواطنين العاديين ان يلعبوا دورا ايجابيا كبيرا في هذا المشروع من خلال استخدامهم المكثف لمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، للتصدي للنقاط السلبية في العلاقات الاجتماعية واستنبات النقاط الايجابية فيها. وهذا يعني ان عليهم تجنب كل ما يثير البغضاء والتحاسد والنفرة بين الناس، واشاعة المحبة والالفة بينهم.
قد تبدو هذه المسألة هامشية في نظر البعض، لكن التأمل العميق في اثارها السلبية سيكشف عن مدى خطورتها واعاقتها لاي مشروع لاعادة البناء.
اضف تعليق