بعد غيبة طويلة استغرقت أكثر من عقدين عادت ام ستوري بحيوية ونشاط وكأنها في بداية شبابها الذي عرفناه في تلك الفترة، ولكن هذه المرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والفيس بوك على وجه التحديد، ولا أستبعد أن تكون لها صفحة على الأنستغرام، وهو الموقع الأكثر جذبا للنساء العراقيات من غيره...
لا أقصد بهذا العنوان تذكير كبار السن أمثالي بأم ستوري، تلك الدلالة التي رسخها في أذهاننا رسام الكاريكاتير المرحوم عباس فاضل الذي يطل بها علينا اسبوعيا من خلال صفحات مجلة (الف باء) في فترة الثمانينيات والتسعينيات، حتى غدت أم ستوري التي تلتف بعباءتها السوداء وأمامها صُرر سلعها، ايقونة شعبية تتداولها الألسن كلما مر الحديث عن الدلالات، او مثالا للفساد الذي يمارسه البعض من الموظفين الصغار في الأسواق المركزية الحكومية الذي يهربون السلع لام ستوري لتبيعها بأعلى من ثمنها، فقد كان الحصول على طبقة بيض آنذاك من الانجازات، اما الحصول على سلعة معمرة فذلك هو الفوز العظيم، ذلك ان البلاد كابدت أزمة اقتصادية حادة ومن مظاهرها: الطلب على السلع أكبر من المعروض نتيجة الحرب والحصار وغيرهما من أسباب.
ورسمت تعليقات عباس فاضل المصاحبة لتخطيطاته البسمة على الشفاه المتيبسة من العوز والألم والقهر والاشتياق لحبيب مرابط في جبهات القتال منذ سنوات طوال، ولا أمل عنده بالتسريح من الجيش أبدا، واستمتاعه برؤية أهله وأحبابه لا تتجاوز اسبوعا لكل شهر أو أكثر، ويستهلك الطريق منها يومين ذهابا وايابا.
وعُدت تلك الرسوم وتعليقاتها غاية في الجرأة بنظر الناس في ذلك الزمان، الأمر الذي جعلها متنفسا لما يجول في دواخلهم، بالرغم من كونها رسومات بسيطة تتعكز على التعليقات المكتوبة أكثر من اعتمادها على الصور المرسومة، لكنها استفزت النظام كما يقول البعض.
وبعد غيبة طويلة استغرقت أكثر من عقدين عادت ام ستوري بحيوية ونشاط وكأنها في بداية شبابها الذي عرفناه في تلك الفترة، ولكن هذه المرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والفيس بوك على وجه التحديد، ولا أستبعد أن تكون لها صفحة على الأنستغرام، وهو الموقع الأكثر جذبا للنساء العراقيات من غيره.
لم تنشر أم ستوري شيئا لافتا في صفحتها الفيسبوكية سوى صورة (قوري) بسيط موجود بكثرة في أسواقنا وبسعر زهيد، وأرفقت مع الصورة تعليقا موجها للنساء باللهجة العامية يقول: (منو عدهه مثل هذا القوري؟).
طبعا كحال غيري من المعاصرين لأم ستوري العزيزة، دفعني الفضول لتصفح صفحتها، وفي خاطري سيل من الذكريات التي مرت وكأنها الأمس من دون أن أعرف كغيري كيف (راحن وانگضن أيامنا الحلوة) على حد تعبير الفنان حسين نعمة، لكنك بمجرد النظر بالمرآة حتى تكون بمواجهة الحقيقة.
ما أدهشني في بوست أم استوري هو عدد التعليقات التي تجاوزت (400) تعليق، متناولة القوري من وجوهه المختلفة، ضحكت في داخلي على نفسي، وكذلك على بعض الزملاء الذين يمتهنون الكتابة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية، وبخاصة منهم كتاب الأعمدة الصحفية الذين لا تحصل كتاباتهم في أحسن الأحوال على خمسين تعليقا واعجابا بحسب متابعتي لصفحات زملائي على مواقع التواصل، وقد يكون الاعجاب عبارة عن مجاملة وليس بالضرورة أن يكون المعجب قد قرأ المقال، فأين نحن من أم استوري؟
صار علينا ان نواجه أنفسنا بحقيقة ان غالبية استخدامات الناس للمواقع الالكترونية لا ترقى الى أكثر من قوري أم ستوري، مع ان في هذه الوسائط طاقات هائلة يمكن استخدامها في المجالات التي من شأنها الارتقاء بالمجتمع، لكن للأسف شغلت (بوستات) أم ستوري مساحة واسعة من اهتمام مستخدمي المواقع تفوق أضاعفا مضاعفة اهتمامهم باستثمارها في التربية والتعليم واثراء الثقافة والمعارف.
ومع ان التحديات التي تواجه المنظومة التربوية والتعليمية في بلادنا عديدة، الا ان قوري أم ستوري يعد الأكثر تهديدا، والأبرز بين المعوقات التي تحول دون بلوغ الأهداف التي يروم المعنيون بالتربية والتعليم الوصول اليها، فهل جرس انذار أم ستوري وغيره يجعلهم يفكرون بجدية في ما دعونا اليه سابقا بضرورة ادراج (التربية الاعلامية) ضمن مناهجهم الدراسية؟ والا، فسوف نكون أسرى (بوستات) أم ستوري، وما يترتب على هذا الأسر من كوارث.
اضف تعليق