بعض الأشخاص يعيش طفولة تختلف كثيرا عن اقرانهم، ففي أحيان كثيرة يحرم الأطفال من ابسط الأشياء نتيجة الفقر المدقع الذي يعيشه الابوين، وقد يكون عدم اهتمام منها بتوفير الأشياء اللازمة لذلك الطفل، مما يؤدي بالنتيجة الى الانانية والرغبة في تملك كل شيء لذلك علينا الا نحرم ابنائنا من احتياجاتهم...
مر أبو علي في ساعة متأخرة من النهار في احدى ازقة المدينة، سمع صوتا لكنه لم يتمكن التميز، هل هي أصوات عابرة تصدر من بعض أصحاب المهن الذين يتخذون من جانبي الطريق مكانا لكسب العيش؟ ام أصوات ناجمة عن أوضاع مضطربة؟
بينما هو يتقدم، يأخذ الصوت بالارتفاع، أدرك ان ثمة مشكلة دائرة بين طرفين لا يعرفهما جيدا بعد، اقترب أكثر فأكثر وجد ان الحديث قائم بنبرة حادة فيما بين مازن واحمد، اللذان يعملان في متجر لبيع الأجهزة المنزلية.
تجمع عدد ليس قليل من الأشخاص حول المتشاجرين، حاولا تفريقهما لكن لم يحصل ذلك، قد يبدو الامر ليس بهذه البساطة المتوقعة، وبعد التماس الجميع بأن يكفوا عن الشجار، خضعا لرغبة الحاضرين، وقررا الافتراق، وقبل ذلك قال مازن لاحمد، "انك شخص اناني ولا تحب الا نفسك".
بقيت هذه الكلمة عالقة في ذهن الرجل المسن أبي علي، كونه لم يسمعها من قبل واخذ يرهف السمع عله يجد من يرشده الى معناها الحقيقي، ولم تكن هذه المحاولات ذات جدوى ملموسة، فهو رجل امي ولم يصاحب احد ذو علم وافر، يعطيه المعلومة دون عناء.
في اليوم التالي ذهب لمكان عمله، وحين جلس بإحدى العجلات، دلفت شخصية، واضح عليها معالم المعرفة والدراية، توجه اليه بالسؤال، "من فضلك يوم امس سمعت بمفردة الانانية ولم اعرف ماذا تعني صراحة"، تبسم الرجل المتوسط السن وقال، ان الشخص الاناني هو ذلك الشخص لا يهتم إلا بنفسه، ويتفاخر بتجاهل حاجات الآخرين ومشاعرهم، مما يتسبب في نفورهم منه وتجنبه، وكذلك يشير هذا المصطلح إلى من يضع رغباته واحتياجاته فوق رغبات الآخرين واحتياجاتهم.
كما انها تعني حب التملك والسيطرة وان تكون انت الوحيد المسيطر على كل شئ وتدفع الشخص الى النظر لممتلكات غيره وتمني الحصول على منصب الشخص الآخر او امواله او غيره مما انعم الله عليه.
من الأشياء التي تساعد على بناء شخصية قادرة على نكران الذات هو تكوين علاقات واسعة مع الافراد، وعدم التقوقع في مكان معين او مساحة ضيقة، هنالك اعتقاد سائد يقول ان نكران الذات يسهم في تكوين شخصية قوية تستطيع التغلب على صفة الانانية الراكدة في ذوات البعض، بينما نجد من يعارض هذه الفكرة، اذ يقول تقرير نشرته مجلة "سيكولوجي توداي" (psychologytoday) الأميركية، يقول فيه المختص في علم النفس السريري دانييل لوبيل إن هذه الفكرة الشائعة ليست صحيحة تماما، لأن إنكار الذات يمكن بدوره أن يهدم العلاقات الحميمة.
فمن بين الأسباب التي تدفع بالشخص الذهاب وراء الانانية واتخاذها منهج حياة هي التربية الخاطئة، كثير من الآباء لا يهتمون بتربية أبنائهم التربية السليمة التي لا تخرج عن الإطار العام السائد في المجتمع، اضف الى ذلك عدم تعليم الابناء الابتعاد عن حاجه الغير وعدم النظر اليها في الأساس.
بعض الأشخاص يعيش طفولة تختلف كثيرا عن اقرانهم، ففي أحيان كثيرة يحرم الأطفال من ابسط الأشياء نتيجة الفقر المدقع الذي يعيشه الابوين، وقد يكون عدم اهتمام منها بتوفير الأشياء اللازمة لذلك الطفل، مما يؤدي بالنتيجة الى الانانية والرغبة في تملك كل شيء لذلك علينا الا نحرم ابنائنا من احتياجتهم.
وفي البحث عن ادق السمات التي تتحلى بها الشخصية الانانية وجدنا ان العديد من الدراسات النفسية ركزت على صفة الأنانية عند الإنسان، اذ قامت جامعة جرونينجن في هولندا بدراسة أثبتت أن الأشخاص اللذين يسعون نحو تحقيق النجاح بشكل مستمر ويبحثون عن أفضل الوسائل والطرق التي تساعدهم على الوصول إلى النجاح بشكل سريع يكونون أكثر عرضة للأنانية وعدم تعاونهم مع الآخرين.
ولم يترك الباحثون في سويسرا الموضوع دون الالتفاته بعناية، حيث قام مختصون بجامعة زيوريخ بعمل دراسة حول نسبة الأشخاص المعرضون إلى الأنانية من الرجال مقارنة بالنساء، والتي أثبتت أن النساء أكثر نسبة للتعرض إلى الأنانية.
وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة (jpsp) والتي قد أقيمت على حوالي 6000 شخص في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، والتي اعتمدت على قياس الإيجابيات عند الإنسان وتأثيرها على الأنانية لديهم، فقد أشارت إلى أن من يتمتعون بالإيجابية والشعور بالسعادة أقل تعرضا إلى صفة الأنانية عن غيرهم.
لكل ظاهرة آثار جمة على المجتمع، فالانانية كما غيرها من الظواهر تترك بعض من الآثار السلبية، ومن بينها هو ابتعاد الناس تدريجيا عن الأشخاص الذين يحملون هذه الصفة المذمومة من قبل الكثير، وتستطيع ان تغيير المعادلة بنفسك عندما تقدم على مساعدة الآخرين وتسعى لايجاد الحلول لمشاكلهم على اختلاف مستوياتها.
ففي أماكن العمل والطرقات العامة نلتقي يوميا بالكثير من الأشخاص الذي يمكن لنا ان نسميهم بالانانيين، وفي مثل هذه الحالة يصعب التعامل معهم الى درجة كبيرة، فالشحص الاناني يتميز بمزاج حاد في حال اقتربت من اموره ومصلحته الشخصية، وقد يظهر لك العداوة اذا شعر ان الخطر يهدد هذه المصلحة.
بعد ماتقدم فان من الأساليب المثالية في التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة هو التوازن بالتعامل، فالزيادة ببعض الجوانب كالنقصان يصبح خللا بحاجة الى إصلاح، وبذلك لا يوجد سبيل للتخلص من هذه المسألة، غير خلق علاقة متوازنة مع من يحمل هذه الصفة.
فالدين الإسلامي وضع الوصفة المثالية للتخلص او للقضاء على هذه الظاهرة، اذ جعل بلوغ الايمان مقرونا بحب المسلم الخير لاخيه المسلم كما يحبه لنفسه، وعندما يتحق هذا الشرط نكون قد جففنا منابع الانانية لدى بعض الأشخاص وضمنا لهم حياة خالية من حب الذات بشكل مفرط.
اضف تعليق