لو ارادا المتزوجين تأسيس حياة زوجية يعمها الاستقرار والهدوء ومن ثم تكوين اسرة قوية قائمة على الإيثار والمحبة، عليهم ان يعرفوا البيئة التي يعيشون بها قبل الاقدام على هذه الخطوة، هذا التشابه الى حد ما في المستوى الاجتماعي يجعل من التفاهم امر محتوم وعدم التخاصم...
منذ زمن لم ار صديقي الذي تربطني به علاقة لا تقل عن خمسة عشر عاما، فقررت ان اذهب لمكان عمله كوني اعرف مدى انشغاله بمسؤولياته الرسمية والعائلية، من اتكلم عنه يعمل في محكمة استئناف كربلاء، دخلت الدائرة شاهدت اعدادا كثيرة تتجمع بانتظار الدخول، شيئ ما يثير الاستغراب، لزمت الصمت الى حين التقيت بصاحبي فسألته عن الطوابير المتجمعة فقال اغلب الموجودين فيها بأنتظار قرار الانفصال الذي يصدر من قبل القاضي عادة.
بالتأكيد هذه النتائج لها اسباب كثيرة لكن دعونا هنا نركز على اهمها، وهو الزواج الذي يتم دون وعي او تخطيط يذكر من قبل اهل الطرفين، فاغلب الزيجات تتم بسرعة فائقة مع غياب التفحص فيما اذا كان الزواج صالح او لا.
قضية الطلاق من القضايا التي حصلت على نصيب جيد من النقاشات وكذلك الدراسات التي بينت مدى خطورة الموضوع، وانعكاسه على الحياة الاسرية برمتها، وعلى الرغم من انه امر مقبول شرعا وعرفا ولا توجد اي اشكالية حوله طالما يعتبر جزء من حل لمشكلة ما.
لو اردنا تناول موضوع الطلاق وآثاره من جوانب متعددة واخذنا الركن الايجابي اولا، فمن بين ايجابيات الطلاق هو اعطاء فرصة للطرفين لتجربة الارتباط في شريك آخر بعد الاخفاق الذي رافق العلاقة الزوجية الاولى.
ويندرج تحت يافطة ايجابيات الطلاق هو عدم نشوء الاطفال في بيئة مليئة بالصراعات وتبادل الكلمات التي من غير المستحسن ان يسمعها الاطفال في مراحل عمرية متقدمة، اذ من المؤكد ان ينكعس ذلك على شخصيتهم في الكبر.
اغلب المتقدين لدخول عش الزوجية او ممن دخلوه ينتمون لفئات عمرية معينة فبعض الازواج ممن لا تتجاوز اعمارهم الاربعة عشر عاما قرروا الارتباط بفتاة لم تكمل عامها الثاني عشر او اكثر بقليل، وهنا قد تتولد مشاكل معينة، فالشخصين لا يزالون غير قادرين على تفهم مصاعب الحياة وكيفية التعامل معها بعقلانية وحكمة مقارنة بمن كبروهم بالسن.
ما دام للحالة وجه ايجابي فلابد من وجود الوجه الآخر اي السلبي، فمن الواضح وبفعل الملاحظة للكثير من الحالات التي حدثت في المجتمع نجد ان اغلب الزواجات التي تمت بالصورة الآنفة الذكر تذهب الى نهايات سلبية قد يكون الانفصال او الابتعاد بين الزوجين والاسباب معروفة لدى الجميع، حيث لا يزال الازواج لم يبلغوا مرحلة النضج الكافي لتفهم وتقبل الآخر، ومعرفة ان لكل شخص كيانه واسلوبه في الحياة ولابد من مراعاتها وعدم الاقتراب منها بشكل يجعل استمرار الحياة الزوجية شيئا مؤكدا.
ما يحدث بين المتزوجين في بعض المواطن هو الكبرياء وعدم التنازل من قبل الطرفين، وهنا تصل حالة التوتر الى اقصاها والازمة الى ذروتها، وقد تتراكم الضغوطات ومن ثم الذهاب الى آخر العلاج (الطلاق).
في بعض الاحيان يتم الزواج بفعل التراضي بين الاهل او لتمرير صفقة اقتصادية او الحصول على مكانة اجتماعية مرموقة مثل التقرب من اصحاب النفوذ او غيرها من الامور التي تحيط بالعملية.
في حالات أخرى يكون سبب الانفصال هو فارق العمر بين الطرفين، فقد يكون الزوج اكبر من الزوجة بعشرة سنوات او اكثر وهذا بحد ذاته سيؤدي الى نتائج سلبية.
الارتباط بهذه الشاكلة يسوده نوع من عدم التفاهم بما يتعلق بطريقة التفكير، اذ الطرفين بعيدين كل البعد عن بعضهما، كون الاثنين نشأ في بيئة مختلفة، يوجد فيها تباين بالعادات والتقاليد وكذلك طريقة التعامل في الحياة اليومية فما يتصرف به الزوج قد يكون بنظر الزوجة غير ملائم والحياة العصرية وبالتالي يحدث الصدام واختلاف وجهات النظر.
النهاية الحتمية لمثل هذه العلاقة هو اما الانفصال بشكل دائم او ترك احدهما الآخر يعيش دون الاحساس بالحياة الزوجية والسكينة التي يشعرون بها الازواج الذين تم ارتباطهم بطريقة سليمة قائمة على الاختيار الدقيق والعقلاني.
لو ارادا المتزوجين تأسيس حياة زوجية يعمها الاستقرار والهدوء ومن ثم تكوين اسرة قوية قائمة على الإيثار والمحبة، عليهم ان يعرفوا البيئة التي يعيشون بها قبل الاقدام على هذه الخطوة.
هذا التشابه الى حد ما في المستوى الاجتماعي يجعل من التفاهم امر محتوم وعدم التخاصم كون الاثنين ينتمون لبيئة قريبة في طريقة التفكير وباساليب الحياة، فليس من المعقول ان يتقدم شخص في اقصى المناطق الريفية الى فتاة تسكن في مركز المدينة، كون هذا الارتباط غير متوافق ولا يمكن له ان يستمر بسبب التباينات الكبيرة بينهما.
كل ما قيل لا يمكن ان يكون قاعدة ثابتة فقد يكون هنالك نماذج لزواجات تم ذكرها كتب لها النجاح وتكوين اسرة رصينة وحياة مثالية خالية من المشاكل والمنغصات، كما يمكن لفارق العمر ان يزول بين الطرفين وينزل احدهم الى الآخر في طريقة التفكير والتعامل مع الامور الحياتية وتستمر قافلة الحياة بالمسير دون تلكأ يذكر.
الزواج عماد الأسرة، وهو دعامة من دعامات المجتمع، تُحدد بموجبه مسوؤلية تربية الأبناء من ذكور وإناث، وتعليمهم الدين والخير والأدب، بالطرق التي تلائم سنّهم معتمدة بذلك على القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، ومن الأهداف الأخرى للزواج الاستقرار النفسي والعاطفي، حيث يُبنى في الزواج أسرة تقوم على الرحمة والمودة والإخلاص، وأركان الحياة الزوجية في الإسلام هي السكون النفسي، يعبر فيه الزوجان عن شعورهم بالأمن والراحة الاطمئنان معًا. الرحمة، يظهر ذلك من خلال رحمة الوالدين بأولادهم. المودة، يظهر أثرها بسلوك الزوجين في تعاملهم وتعاونهم معًا.
اضف تعليق