من الآثار السلبية المترتبة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي هو انشغال كل من الزوجين بجهازه الخاص مما نتج عن ذلك حدوث فجوة كبيرة بينهم فكل منهما مشغول بعالمه الخاص والذي لم يعطيه الفرصة لمناقشة المشكلات الخاصة بالأسرة والابناء وهو ما أدى إلى حدوث تفكك أسري...
"ام علي ام علي ... يمعوده مو احجي وياج تسمعين لو لا،؟ شيلي عينج من التليفون" هذا المشهد الحواري كثيرا ما يحدث بين الازواج في الآونة الاخيرة في ظل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي بين شرائح المجتمع كافة.
لم تكن الشبكات الاجتماعية الملاك الهادئ في الكثير من المنازل، فقد احدثت اختلافات جمة، من بينها تغيير وجهة النظر للحياة التي انغمست بالحداثة تاركة ردائها القديم القائم على البساطة والتعامل المنبثق من بساطة المجتمع في اعوام خلت.
لقد تأثرت الأسرة بالتقدم التقني من حيث بنائها ووظائفها حيث وفرت تلك التغيرات التي طرأت على المجتمع فرصا عديدة لقضاء وقت فراغ ممتع بما اتاحته من وسائل للترفيه ومزاولة بعض الانشطة والممارسات التي من شانها التخفيف من الملل والشعور بالضيق من قبل أفراد الأسرة ولهذه المواقع إلى جانب دورها الإيجابي وانعكاسه على العلاقات الأسرية فهنالك آثارا اخرى انعكست على الأسر بصورة عامة، اذ بات الانشغال في تصفح اجهزة التليفون المحمول وغيره من الاجهزة الذكية السمة العامة إلى جانب غيبة تبادل الحديث بين أفراد الأسرة الواحدة لاسيما الزوجين.
في السابق عندما يعود الزوج الى منزله لم يجد ما يجعله يتوتر او يتفوه بكلمات خارج إطار المحبة واللطف بزوجته ذلك كونها اكملت جميع واجباتها المنزلية فضلا عن ما يتعلق بتربية الابناء وتوفير الراحة لهم بمختلف الاساليب، اما اليوم فقط جاء من عكر ذلك الصفو وجعل من غيوم الخلافات تتصاعد في سماء المنزل وهو الانترنت.
من الآثار السلبية المترتبة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي هو انشغال كل من الزوجين بجهازه الخاص مما نتج عن ذلك حدوث فجوة كبيرة بينهم فكل منهما مشغول بعالمه الخاص والذي لم يعطيه الفرصة لمناقشة المشكلات الخاصة بالأسرة والابناء وهو ما أدى إلى حدوث تفكك أسري وعدم دراية كل منهما بما يهدد الأسرة من اخطار لعدم وجود الوقت الكافي لمناقشتها وحلها.
لابد من الاعتراف ولو بشكل بسيط بأن المجتمعات العربية لا تملك القيم والاتجاهات التي معها تكون قادرة على تحصين نفسها وتزويد ابناء مجتمعها بما يحتاجون اليه لحماية ثقافتهم بالإضافة إلى الاستفادة من ثقافة الآخرين.
وينظر للأسرة على انها نسقا اجتماعيا يتكون من اجزاء ترتبط فيما بينها بعلاقات محددة يؤثر كل منها على بقية الاجزاء ويتأثر بها ويسمى هذا التأثير بالتأثير الدائري فالتفاعل بين أي عضوين في هذا النسق يؤثر على سلوك بقية الاعضاء وكذلك علاقة الزوج بزوجته تؤثر على علاقتهما بأبنائهما والعكس صحيح.
وقد أثبتت أحدى الدراسات التي أجريت على مواقع التواصل الاجتماعي أن موقع الفيس بوك يتحمل مسؤولية ثلث حالات الطلاق في بريطانيا حيث تضمنت أسباب الانفصال في ثلث دعاوى الطلاق في بريطانيا لعام 2011 مقولات واعلانات أحد الزوجين على صفحته الشخصية في موقع الفيس بوك للتواصل الاجتماعي، قام بنقل ذلك موقع(pcr) المعني بتكنولوجيا المعلومات والكومبيوتر عن موقع ( Divorce – online) المتخصص بتقديم المساعدة لحالات الطلاق وتوصل المختصون إلى هذه النتائج بعد القيام بتقصي 5 آلاف عريضة طلاق في بريطانيا على اساس ثلاثة أسباب رئيسية:
1. بعث أحد الزوجين رسائل غير لائقة لممثلي الجنس الآخر وبتعبير ادق المداعبة عبر الإنترنت.
2. افادات الأصدقاء على الفيس بوك حول ما يتعلق بسلوك الزوج أو الزوجة واعتباره من الأشخاص غير اللائقين.
3. قيام الزوجين بتبادل الملاحظات الوقحة عن بعضهما البعض عبر صفحتيهما على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد أجريت دراسة مماثلة في وقت سبق هذه الدراسة بعامين بينت ان الفيس بوك لم يكن السبب في حالات الطلاق حيث شكلت نسبة مساهمته واحد من كل خمس حالات انفصال، ومما يلفت الانتباه ان موقعا آخر للتواصل الاجتماعي وهو موقع تويتر اصبح بريئا من تهم التسبب في الطلاق اذ انه يقف وراء 0.4% من حالات الطلاق.
فيما اوضحت نتائج دراسة أخرى ان 70% من الجمهور (عينة الدراسة)، يؤكدون على وجود آثار لمواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الزوجية، ذلك لما لحق بالعلاقات الزوجية من تأثيرات واسعة نتيجة لاستخدام مواقع التواصل، إلى درجة قيام الزوجين بتبادل التهم وزرع الشكوك حول وجود الخيانة الزوجية، وطفت إلى السطح الكثير من المشاكل ما وصل البعض منها إلى طرق مسدودة في وضع حلول للمشاكل وبالتالي اصبح لا يوجد خيار بديل سوى الانفصال.
بقي علينا ان نعي خطورة ما يداهم مجتمعاتنا اليوم في ظل الهجمات الشرسة التي تبرز بين الفينة والاخرى والتي بمجملها تحاول النيل من التماسك الاسري الذي يسود العلاقات الزوجية في المجتمعات العربية وغيرها، اذ من الضروري ان تكون صحوة مجتمعية لمدى التغيرات التي طرأت على المنظومة القيمية والقيام بترميم الخدوش الحاصلة ببعض مفاصلها اذا اردنا مجتمعا قائم على المحبة والمودة والسلام.
وتعد الأسرة الاطار الاساسي الذي يحدث فيه التفاعل بين الوالدين والابناء وهذا التفاعل له الاثر الكبير في تحديد الاتجاهات التي يشعر بها الأبناء تجاه الأسرة وبصورة خاصة الوالدين وبالتالي تشكيل سماتهم الشخصية أو ما يكون عليه من خصائص السلوك الاجتماعي فيما بعد، والاسرة القادرة على تأدية الوظائف المنوطة بها تكون أسرة سوية ومن هذه الوظائف التماسك بين الأفراد والمنزل الهادئ الذي يتصف بالاستقرار الانفعالي يعيش فيه الأبناء مع الوالدين في علاقة تخلو من الانفعالات الحادة والثورات المستمرة بين الآباء والامهات.
اضف تعليق