شاب عراقي آخر ضحية الانتحار، هذه المرّة صوّر نفسه في فديو يوثق فيه لحظات ما قبل الانتحار، وتضمّن الفيديو كلمات قليلة أراد منها أن يبرّئ أهله من حادثة انتحاره فيما لو أجريت تحقيقات معهم، لقد تمعنتُ كثيرا في وجه علي عسل الشمري الشاب الذي ألقى بنفسه...
شاب عراقي آخر ضحية الانتحار، هذه المرّة صوّر نفسه في فديو يوثق فيه لحظات ما قبل الانتحار، وتضمّن الفيديو كلمات قليلة أراد منها أن يبرّئ أهله من حادثة انتحاره فيما لو أجريت تحقيقات معهم، لقد تمعنتُ كثيرا في وجه علي عسل الشمري الشاب الذي ألقى بنفسه ليلا من جسر (بتة) إلى أعماق ماء نهر الحلة الذي أحد الذين حاولوا إنقاذه بأنه كان بارداً جدا، وجه الشاب كان حزينا ويائسا والغريب أنه كان واثقاً بما سيفعله من حادثة مفجعة، ذلك الوجه الحزين الهادئ كنتُ أقرأ فيه كلمات تعادل ما قالهُ عشرات المرات، إنه برّأ أهله لكنه لم يبرّئ ساحة آخرين نعرفهم جميعا، إنهم المسؤولين عن إهمال مثل هؤلاء الشباب حتى وصل الأمر بهم إلى قتل أنفسهم بهدوء واطمئنان وإصرار.
شكل عجيب من أشكال الموت، يتسلل إلى عقول ونفوس شبابنا، يغزو أذهانهم وخيالاتهم، يغلق الأبواب وكل الآفاق بوجوههم، يقتلهم وهم أحياء، فلا يفرقون بين الحياة والموت، وأقسى حالات اليأس التي يصل لها الشاب هي تلك التي يصبح فيها الموت والحياة سيان، أو صنوان لا يختلفان، إنه الانتحار الذي قال عنه المختصون بأنه الفعل الذي يتضمن تسبب الشخص عمداً في قتل نفسه، ويُرتكب الانتحار غالباً بسبب اليأس، والذي كثيراً ما يُعزى إلى اضطراب نفسي مثل الاكتئاب أو الهوس الاكتئابي أو الفصام أو إدمان الكحول أو تعاطي المخدرات، وغالبًا ما تلعب عوامل الإجهاد مثل الصعوبات المالية أو المشكلات في العلاقات الشخصية دوراً في ذلك. لكن الشاب علي عسل كما ظهر في الفديو لم تظهر عليه علامات غريبة كالفصام أو تعاطي المخدرات، كانت واعيا تماما وهو يعدّ نفسه لرحلة السفر الشاق للموت، وهكذا دخل العراق في قائمة الدول التي تتكرر في ها حالات الانتحار، وخصوصا بين فئة الشباب.
فقد أوردت بيانات لمنظمة الصحة العالمية بأن 75% من حالات الانتحار تسجل ما بين متوسطي الدخل وسكان الدول الفقيرة، وتشمل الجهود المبذولة لمنع الانتحار تقييد الوصول إلى الأسلحة النارية، وعلاج الأمراض النفسية وحضر استعمال المخدرات، فضلاً عن تحسين التنمية الاقتصادية، وتختلف الطريقة الأكثر شيوعًا للانتحار حسب البلد، كما ترتبط جزئيًا بمدى توافر الوسائل، وتشمل الطرق الشائعة: الشنق والتسمم بواسطة المبيدات الحشرية والأسلحة النارية، وهناك ما بين 800.000 إلى مليون شخص تقريبًا يموتون كل عام عن طريق الانتحار، مما يجعله عاشر الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم، ومعدلات الانتحار أعلى في الرجال عنه في النساء، حيث أن الذكور أكثر عرضة لقتل أنفسهم من الإناث بمقدار 3-4 مرات، وهناك ما يقدر بنحو من 10 إلى 20 مليون محاولة انتحار فاشلة كل عام، وهذه المحاولات أكثر شيوعًا بين الشباب والإناث.
لماذا يُقدم شاب يعمل إعلاميا في إحدى وسائل الإعلام في مدينة الحلة على الانتحار؟، هنالك أسباب قد تكون غامضة، ولكن المتخصص الذي سوف يتفحص الفديو الذي تم نشره في وسائل التواصل الاجتماعي، سوف يستغرب ذلك الإصرار العجيب والهدوء المستقر والحزن الأسود الذي كان يقطر من عيون الشاب بدلا من الدمع، إنه كما رأيته كان يحب الحياة، وكان يأمل بمن ينقذه من قراره، لكنه كان وحيدا على الجسر واختار وقتا لا يتواجد فيه المارة على الجسر، لا مشاة ولا سيارات، بالطبع هو خطط لعملية انتحاره، وكان مصرا على قتل نفسه، وإلا لما اختار الوقت الذي يكون فيه وحيدا على الجسر في مواجهة الموت.
إن الانتحار، أو ما يُعرف أيضًا بالانتحار المكتمل، هو "قيام الشخص بقتل نفسه" أما محاولة الانتحار أو السلوك الانتحاري غير المؤدي إلى الموت فهو يمثل إيذاء النفس مع الرغبة في إنهاء الحياة دون أن يؤدي ذلك إلى الموت، أما الانتحار بمساعدة الغير فيكون عندما يساعد شخص ما شخصًا آخر على قتل نفسه على نحو غير مباشر، سواءً عن طريق تقديم المشورة أو الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الغاية، وهذا على عكس القتل بدافع الشفقة حيث يقوم شخص آخر بدور أكثر فعالية في إنهاء حياة شخص ما، الأفكار الانتحارية تمثل تفكير الشخص في إنهاء حياته، وكل هذه الدوافع والحالات لم تكن موجودة في حادثة انتحار الشاب عسل، لماذا؟ ما هي الدوافع، إنها حالة نوعية من الانتحار، الإصرار واختيار فراغ الجسر من الناس والليل وزوال المنقذين وتبرئة الأهل، كل هذه إشارات إلى من يهمهم الأمر، يقول فيها المنتحر للمسؤولين: انتبهوا هنالك الكثير من الشباب في طابور الانتحار، إنهم يتناسلون ويتكاثرون كما يتكاثر الموت في أرضنا، فعليكم إنقاذهم، كيف؟، أيها المسؤولون، لا تتركوا الشباب وحيدين في مواجهة مصاعب الحياة وعقدها الكبيرة والكثيرة، لا تتركوهم حيارى في متاهة البطالة والجهل والمرض والعوز وآفة الفراغ التي تحاصرهم ليل نهار، افتحوا لهم ألف متنفّس ومتنفَس، ابنوا لهم أماكن للترفيه والرياضة والعمل، امنحوهم حاضر آمن ومستقبل مضمون، خلاف ذلك فهنالك في طابور الانتحار آلاف الشباب مثل علي عسل، وهؤلاء كلّهم في رقبة من يدير العراق اليوم، خصوصا الذين يتربعون قمة السلطة والإدارة السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية، كلكم مسؤولون عن إنقاذ طوابير الشباب من أسراب الموت التي تحوم فوق رؤوسهم، وكلكم مسؤولون أمام الله عنهم وأمام الشعب!.
اضف تعليق