الإهمال ببساطة هو وقف الاهتمام بشخص أو شيء أو هدف آخر، فإذا استشعرَ شخصٌ إهماله منكَ، وأنت تمثل له شيئاً رئيساً أو مهما في الحياة، فقد يؤدي إهمالك له إلى إصابته بمرض نفسي أو عضوي ربما ينتهي به موته، وإذا كان هدفاً أهملته فإنه سوف يضمحلّ...
الإهمال ببساطة هو وقف الاهتمام بشخص أو شيء أو هدف آخر، فإذا استشعرَ شخصٌ إهماله منكَ، وأنت تمثل له شيئاً رئيساً أو مهما في الحياة، فقد يؤدي إهمالك له إلى إصابته بمرض نفسي أو عضوي ربما ينتهي به موته، وإذا كان هدفاً أهملته فإنه سوف يضمحلّ ولم يعد له أي وجود في عقلك أو مخططاتك، وكلامنا هنا عن إهمال الإنسان لإنسانٍ أو كائن آخر وماذا سيؤدي هذا الإهمال من نتائج وخيمة بعد إبداء الاهتمام؟
يُحكى أنّ رجلاً وجدا ذات يوم كائنا صغيرا في محنة، قطة صغيرة أو شيء من هذا القبيل تواجه الموت بسبب كونها وحيدة وفي أوائل أيام ولادتها، ولكونه إنسانيّ النزعة وملتزم بوصايا الرفق بالحيوان، حمل الكائن الصغير إلى بيته وآواه في حديقته، واهتم بغذائه جيدا وراقبه بعناية ودوام على تقديم الماء والغذاء بشكل منتظم، حتى أن الحيوان الصغير صار يعرف مواعيد الغذاء، وإذا تأخرت عليه فإنه يصدر أصوات تحاول أن تعبّر عن حاجته للغذاء (الاهتمام) وتنبّه الرجل الذي أنقذه بأنه يحتاج الغذاء، في أحد الأيام مرضَ الشخص المهتّم وبقي الحيوان الصغير بلا غذاء رغم الأصوات التي يطلقها، لكن المرض كان قويا بحيث جعل الشخص المهتم طريح الفراش.
في هذه الحالة شعر الكائن الصغير بأن صاحبه أهمله، ففرَّ من الحديقة بحثا عن الاهتمام والطعام، في اليوم التالي نهض الرجل وهو في حالة تحسّن من المرض، تذكَّر أنه لم يقدّم الطعام للحيوان الصغير، هرع إلى الحديقة، بحث عنه لكنه لم يعثر عليه، خرج إلى الشارع، سأل بيوت الجيران عن الكائن الصغير لكنه لم يعثر عليه، في هذه الأثناء سقطت موجة برد شديدة، ضاعفت من قلق الرجل على الكائن الصغير الذي مرت ثلاث ليالٍ على غيابه، وفي الصباح خرج الرجل كالعادة باحثا عن المخلوق الصغير، فرآه نائما في مكانه المعتاد بالحديقة، حاكاه وناداه بالأصوات المعتادة التي كان يستجيب لها الكائن، لكنه هذه المرة لم يستجب، استغربَ الرجل، حرّك ذيله بغصن يابس فلم تبدر أية حركة من الكائن الصغير، بعد لحظات من الصدمة اكتشف الرجل أن مخلوقه الصغير قد فارق الحياة بسبب إهماله له!.
حالة إهمال أخرى حدثت مع رجل حدثت قطيعة بينه من جهة، وبين زوجته وأولاده من جهة أخرى، سببها مشكلة عائلية وما أكثر المشاكل بين العائلات، لم يتداركها هو ولا زوجته، حتى أولاده الذكور والبنات لم يبدر منهم أي دور للمعالجة أو التهدئة، وصلت الأمور إلى الطلاق، وفرَّ الرجل إلى مدينة أخرى، وهناك بدأ حياة أخرى، وفي أوائل أيام انفصاله عن زوجته وأولاده ظهرت بوادر المرض التي أخذت تفتك برئتيْه وصدره، امتدّت القطيعة وتضاعفت المشكلات والأخطاء واستأسدَ المرض، فقرر الرجل الزواج من أخرى كي تعينه ولم يكن يعرف أنه اقترف الخطأ القاتل، ولم يمنعه عن ذلك أو ينصحه لا زوجته ولا أولاده ولا حتى أخوه الكبير الذي تخلّى عنه أيضا، لم يجد هذا الرجل أي اهتمام به من قبل أي إنسان، فانحدر في مسلسل الأخطاء، وقامت زوجته الثانية باستغلال ضعفه (مرضه وقطيعة صلة الرحم به)، حتى انتهى به الحال إلى قسم الرعاية الصحية المركّزة (الإنعاش)، الذي خرجّ منه جثةَ هامدة قام بدفنها أولاده وزوجته الأولى.
يقول أحد الكتاب إن (الإهمال بعد الاهتمام هو قتل لنفس بريئة بغير حق)، ويضيف عالم اجتماع آخر إنّ (الإهمال يقتل كل شيء جميل)، وهذا ما حدث في الحكايتين اللتين مرَّ ذكرهما في أعلاه، هكذا يمكن أن يكون الإهمال شكلا من أشكال الموت المؤجلّة، ولهذا السبب حثّ الدين والأخلاق والأعراف الجيدة على أهمية التعاون بين الناس مع بعضهم، وحتى بين الكائنات الأخرى، فعدم التعاون يعني عدم الاهتمام والأخير يقرّب الإنسان من حافة العزلة والمرض والموت، أما الاهتمام والتعاون فهذه خصال تصنع السعادة لمن يقوم بها ويقدمها للآخرين، وأيضا تُسعد من يتلَقّها لأنه سيشعر ويلمس اهتمام الآخرين به.
من هنا جاء تركيز الدين على صلة الرحم، وهناك الكثير من الأحاديث الشريفة للرسول صلى الله عليه وآله، كلها تحث على صلة الرحم لدرجة أنها تصل إلى حد الحرمان من الجنة كما جاء في الحديث النبوي الشريف: " لا يدخل الجنة قاطع رحم"، وهناك حديث شريف آخر جاء فيه: "أعجل الخير ثواباً صلة الرحم".
أما على مستوى النجاح، فإن التعاون المتبادَل بين الناس وعموم الكائنات، يعد من الدوافع الأسباب المهمة، فإن أظهرت اهتماما بالآخرين وبادرت إلى مساعدتهم في الوصول إلى ما ينقصهم من احتياجات مادية وحتى المعنوية منها، فإنك في الحقيقة إنما تقوم بمساعدة نفسك للحصول على ما تريد، ونجد هذا المعني في قول الكاتب المعاصر الأمريكي أنتوني روبنز حيث يقول: (ستحصل على كل ما تريد في الدنيا، إذا ساعدت الآخرين في الحصول على ما يريدون).
قد يتساءل أحدهم وما الذي يضمن لي أنني إذا قدّمت المساعدة للآخرين سيفعلون الشيء نفسه لي؟، إن هذا السؤال بحد ذاته ينمّ عن فقدان الثقة بالآخر، وهذا لا يصحّ لإدامة علاقة إنسانية مع الآخرين، فالصحيح هو أن تقوم علاقة الإنسان بالآخرين قائمة على الثقة وحسن الظن والمبادرة بالاهتمام وليس انتظار ما يقدمه لك الآخر لكي تردّ له ما قدّمه لك وإن كان هذا فعلا صحيحاً ومطلوباً، لكن الأصحّ والأحسن أن تكون أنت صاحب المبادرة في إظهار الاهتمام والتعاون وعدم إهمال الآخرين سواءً كانوا أقرباء أو أصدقاء أو حتى غرباء، فالتماثل والتناظر بالصفة الإنسانية يرتّب على الإنسان عدم إهمال الآخرين.
بالنتيجة، لا يصحّ مطلقاً أن نقترف خطيئة إهمال الآخرين، خصوصا بعد أن نُظهر الاهتمام بهم، لأن سجية الإنسان أو فطرته تقوم على التعاون والاهتمام بالنظراء وبالكائنات الأخرى أيضا، باستثناء الضارة منها وهذا بحث آخر، لكن ما هو مطلوب منّا أن نتجنّب إهمال الآخرين لأنه في حقيقة الأمر نوع من أنواع الموت التي ستحصل لاحقا بسبب اقتراف خطيئة الإهمال.
اضف تعليق