انطلقنا من تساؤلاتٍ جوهريةٍ مفادُها: ما حجم تفاقم مُشكلة تعاطي المُخدرات لدى الشباب في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له سنة 2003م؟ وما أبرز العوامل المساعدة بشكلٍ مباشر أو غيرَ مباشرٍ والتي تدفعُ الشبابَ إلى تعاطيها؟ وأخيراً ما السُّبل والإجراءات القانونية التي تُمكننا من حدّ هذه الظاهرة...
اعداد: وحدة استطلاع الرأي العام/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
تُعدّ مشكلة تعاطي المُخدرات وإدمانها من أخطرِ المشاكل الاجتماعية؛ لتأثيرها المُباشر على البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع والفرد، ولِما تُحدِثهُ من ضررٍ بالغٍ لمن يتعاطاها، أو يُتاجر فيها، وتنعكس هذه الأضرار على أسرة المُتعاطي، ومن ثمَّ على المجتمع الذي يُحيط به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وقد اكتسبت هذه المشكلة وتعاطيها شيوعاً عالمياً؛ لِما تُخلِّفهُ من خطرٍ، وما يتولَّدُ عنها من كوارث في الأرواحِ والممتلكات؛ لذا قامتْ وحدةُ استطلاع الرأي العام في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية إلى الاهتمام بها من خلال إجراء هذه الدراسة.
تتمحورُ مُشكلةُ هذه الدراسة حولَ ظاهرة انتشار المُخدرات وتعاطيها من قِبل الشباب والتي تفاقمتْ بعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق (سنة 2003م) لِما نتجَ عنه من تفكّك لرقابة الحدود، والسماح للممنوعات الوافدة من الدول المجاورة للبلد بالدخول إلى الأرض العراقية دونما تحري مصادرها وسلامتها، وهذه الممنوعات التي تسللت إلى بلدنا بعد الاحتلال الأمريكي قادرةٌ على أن تُصيبَ الطاقةَ البشرية الموجودة في أي مُجتمعٍ مهما تفاوتتْ درجات تحضّره، وهي بهذا تُصيبُ حاضرَ هذه المجتمعات، وتخلخلُ وعي شبابِها، وتسدلُ الظلامَ على مستقبلِها، وتؤثر على موارد الثروة الطبيعية والبشرية؛ ممّا يُعرقلُ الجهودَ الخاصة بالتنمية الشاملة في المجتمع.
وترتكزُ أهميةُ هذه الدراسة على معرفةِ المخاطر والأضرار التي تتولَّد من مشكلة تعاطي المخدرات؛ كونها تُشكِّل تهديداً حقيقياً لمجتمعنا العراقي لاستهدافها شريحةَ الشبابِ، الجيل البنَّاء الذي تتكئ عليه الدولة بتعليق الآمال في البناء والتطور والازدهار.
وتحقيقاً للأهمية المرجوّة من هذه الدارسة انطلقنا من تساؤلاتٍ جوهريةٍ تقعُ في صُلبِ المشكلةِ مفادُها: ما حجم تفاقم مُشكلة تعاطي المُخدرات لدى الشباب في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له سنة 2003م؟ وما أبرز العوامل المساعدة بشكلٍ مباشر أو غيرَ مباشرٍ والتي تدفعُ الشبابَ إلى تعاطيها؟ وأخيراً ما السُّبل والإجراءات القانونية التي تُمكننا من حدّ هذه الظاهرة، وعدم تفاقمها وشيوعها بين الشباب؟
بناءً على هذه التساؤلات وغيرها تم توزيع (400) استمارة على عينةٍ عشوائية من أفراد مجتمع الدراسة في جميع مناطق محافظة كربلاء.
واعتمدنا في الدراسةِ على منهجِ المسح الاجتماعي الوصفيّ في تحديدِ ومعالجةِ متغيرات المشكلة، والتي تتمثَّلُ بجريمةِ تعاطي المُخدرات لدى الشباب، ولغرض تحليل استجابات الاستبيان، استعمل الباحثُ عدداً من الوسائل الإحصائية مثل: النسبة المئويّة، والوسط الحسابيّ، والانحراف المعياري، وقد نفَّذَ التحليلَ الإحصائيّ على الحاسبة الالكترونية باستعمال التطبيق الإحصائي (SPSS.va.24)، وتطبيق (Excel).
وتوصلنا من خلال الدراسة إلى نتائج متعدد أهمَّها كالآتي:
1. أعلى نسبة في مجتمع الدراسة بلغت (74.3%) بواقع(297) مبحوث ومبحوثة هم من الذين أجابوا بـ(نعم) أن الأسرة تلعبُ دوراً قوياً في حماية أبنائها من مخاطر المخدرات، في حين أصغر نسبة في مجتمع الدراسة كانت من نصيب الذين أجابوا بـ (لا أدري) وبلغت نسبتهم (1.3%) بواقع(5) مبحوث ومبحوثة.
2. أعلى نسبة في مجتمع الدراسة كانت للذين أجابوا بـ(نعم) أن الأجهزة الحكومية لها دور كبير في تفاقم ظاهرة تعاطي المخدرات لدى الشباب اذ بلغت نسبتهم (51.0%) بواقع(204) مبحوث ومبحوثة، في حين أصغر نسبة كانت للذين أجابوا بـ (لا أدري) بأنَّ الأجهزة الحكومية تؤدي إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات لدى الشباب وبلغت نسبتهم (6.3%) بواقع(25) مبحوث ومبحوثة.
3. أعلى نسبة في مجتمع كانت للذين أجابوا بـ (تشديد رقابة الاجهزة الامنية على الموانئ والمطارات والحدود البرية) إذ بلغت نسبتهم (24.3%) بواقع (97) مبحوث ومبحوثة، في حين أصغر نسبة في مجتمع الدراسة كانت للذين أجابوا بـ (تكثيف حملات التوعوية) إذ بلغت نسبتهم (10.0%) بواقع(40) مبحوث ومبحوثة.
4. أعلى نسبة في مجتمع الدراسة أجابوا بـ(نعم) أن لضعف الدين إثر كبير في تعاطي المخدرات لدى الشباب وبلغتْ نسبتهم (43.0%) بواقع(172) مبحوث ومبحوثة، في حين أصغر نسبة كانت للذين أشار(73) مبحوث ومبحوثة وبنسبة بلغت (18.3%) هم من الذين أجابوا بـ(كلا) بأنَّ ضعف الدين لا يؤدي لتعاطي المخدرات لدى الشباب.
وخلصتْ هذه الدراسةُ إلى مجموعةِ من التوصيات أبرزها:
1. تكثيف الرقابة وتشديدها على تهريب المخدرات وبيعها في الأسواق، ومراقبة الحدائق والساحات العامة والمقاهي والأحياء التي يتعاطى فيها الأحداث المخدرات بأنواعها، وفرض العقوبات المشددة على من يُمهد الطريق أمامهم في التعاطي.
2. ضرورة ضبط الحدود مع الدول المجاورة للعراق، ووضع الضوابط المناسبة لتدفق زوار العتبات المقدسة، ومراقبة وتفتيش الأشخاص والسيارات الداخلة والخارجة من العراق.
3. توعية أولياء الأمور عن طريق وسائل الأعلام بضرورة متابعة أبنائهم وتنشئتهم تنشئة سليمة وصحيحة ومتابعة الأبناء، ومراقبة أصدقائهم بالاشتراك مع المدرسة بكافة الجوانب التربوية والعلمية.
4. تفعيل دور المؤسسات الدينية في مكافحة المخدرات من خلال الخطب والوعظ والإرشاد.
5. ضرورة إنشاء مستشفيات ومراكز مُختصة لعلاج التعاطي والإدمان على المخدرات في جميع محافظات العراق، وتوفير المستلزمات الضرورية لها من كوادر متخصصة وأجهزة طبية متطورة.
6. تفعيل القوانين الصارمة بحقّ تُجار ومروجي المخدرات، والأخذ بمبدأ علانية تنفيذ العقوبات عليهم في الأماكن التي جرى ضبطهم فيها مع تشديدها؛ ذلك خطورة المخدرات على الشباب.
ومن هنا فأنّ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية يضع هذا الموضوع أمام صانعي القرار في العراق والأكاديميين والباحثين ويسعى من خلاله إلى خلق وعي ثقافي واجتماعي عام بحجم المشكلة لاتخاذ القرارات المناسبة لحماية المجتمع العراقي.
اضف تعليق