q

ظاهرة الدعارة التي انتشرت في السنوات الاخيرة، بشكل كبير في العديد من دول العالم في العالم، ولاسباب عديدة منها اتساع رقعة الصراعات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتفشي الفساد وضعف الإجراءات القانونية التي ساعدت في انتشار عصابات التهريب والمتاجرة بالبشر، هذا بالإضافة الى سوء استخدام التقنيات العلمية الحديثة، التي أصبحت في متناول الجميع وهو ما ساهم في ازدهار تجارة الجنس او ما بات يعرف بسياح الجنس والدعارة في الكثير من البلدان العالمية، وهو ما دفع بعض الدول والحكومات الى تشريع قوانين وقرارات جديدة ومختلفة من اجل الحد من استفحال هذه الظاهرة، او العمل على ادخالها في اطر قانونية كما فعلت بعض الحكومات.

وقد أصدر مجموعة من المراقبين والمهتمين بانتشار الدعارة، في وقت سابق كما نقلت بعض المصادر تقريرا حول المدن العالمية العشرة الأكثر دعارة عالميا. ورغم أن البعض يربط اسم بعض المدن المغربية بظاهرة الدعارة، خاصة مراكش وأكادير والدار البيضاء وطنجة، إلا أن المفاجأة أن اللائحة التي تداولتها مجموعة من المنابر الاعلامية، لم تدرج أي مدينة مغربية ضمن لائحة المدن العالمية العشرة الأكثر دعارة في العالم، في حين تضمنت القائمة وجود مدينة عربية وحيدة، تتمثل في العاصمة البحرينية المنامة التي احتلت المرتبة الثامنة. وهذه المدن هي :باتايا...تايلاند، تيجوانا...المكسيك، امستردام...هولندا، لاس فيغاس ...أميركا، ريودي جانيرو...البرازيل، موسكو...روسيا، نيواورلاينز لويزيانا...أميركا، المنامة...البحرين، مكاو...الصين،برلين...ألمانيا.

من جانب اخر نشرت صحيفة "دي فيلت" الألمانية واسعة الانتشار تقريراً أشارت فيه إلى ازدهار التجارة بالنساء في ماليزيا خلال السنوات الماضية، لتتجاوز بذلك تايلندا والفيلبين وتصبح الوجهة العالمية الأولى لسياحة الجنس الرخيص. وأوردت الصحيفة أن بالإمكان زيارة صالونات التدليك (المساج) المصحوب بالجنس في بوكيت بينتانج، أحد أكبر شوارع العاصمة كوالالمبور. وتعتبر ماليزيا واحدة من البلدان الإسلامية المعتدلة، إلا أنه بالرغم ذلك يمنع على النساء تعرية أجزاء من أجسادهن كالكتف أو الساقين مثلاً. كما أن تبادل القبلات في الأماكن العامة مخالف للقانون، ويعاقب بالسجن لعشرين سنة كل من يمارس الجنس في الأماكن العامة.

وخلافاً لألمانيا، تعتبر الدعارة في ماليزيا نشاطاً غير شرعي. لكن ذلك لم يمنع من ازدهار تجارة الجنس في السنوات الماضية، لتبلغ قيمة عائدتها حوالي 854 مليون يورو حسب موقع "هوفاسكوب غلوبال بلاك ماركت أنفورميشن" المتخصص في بحوث الأسواق السوداء حول العالم. وتشير صحيفة "دي فيلت" إلى أن بيوت الدعارة الصغيرة والنزل المؤقتة وصالونات التدليك المصحوبة بالجنس باتت منتشرة في البلاد بصفة ملحوظة. وتشير الإحصاءات، بحسب الصحيفة، إلى وجود 52 بائعة هوى لكل عشرة آلاف نسمة في ماليزيا، بينما تبلغ النسبة في تايلندا 45 فقط لكل عشرة آلاف نسمة، وفي ألمانيا 49 بائعة هوى لكل عشرة آلاف نسمة.

تايلاند

وفي هذا الشأن بدأت السلطات التايلاندية جهودا لتحسين صورة مدينة اشتهرت بسياحة الجنس من خلال ما أطلقت عليه "المنطقة السعيدة" فوضعت تمائم على شكل أسماك مبتسمة وعزفت فرقة من الشرطة موسيقى الروك في أنحاء مدينة باتايا. وبدأ المجلس العسكري الحاكم في تايلاند جهودا جديدة لتحسين صورة مدينة باتايا وهي منتجع مطل على البحر وصمها الأجانب بأنها "مدينة الخطيئة" و"عاصمة الجنس في العالم".

لكن التناقضات في باتايا تلقي الضوء على التحديات التي تواجهها تايلاند في التعامل مع جانب من قطاع السياحة مازال حيويا من الناحية الاقتصادية لكنه ينتقد بشدة رسميا. وقال الحاكم الإقليمي باكاراتورن تيانتشاي للصحفيين في شارع ووكنج سيء السمعة في باتايا الواقعة جنوب شرقي بانكوك "أريد أن يرى الناس أننا لسنا مثلما يقولون. نحن لا نسمح بالدعارة في هذه المناطق الترفيهية."

وعلى مسافة عشرة أمتار فقط وقفت بائعات الهوى يغرين الزبائن المحتملين ويقايضن على ممارسة الجنس مقابل ألفي بات (60 دولارا). ووقفت أخريات في صفوف يحملن أرقاما ليسهل على الزبائن الاختيار من بينهن. وعرضت مدلكات ترتدين التنورات القصيرة جدا "نهاية سعيدة" لجلسة التدليك فيما يتعارض تماما مع مفهوم "المنطقة السعيدة" الذي تروج له السلطات.

وقالت امرأة (35 عاما) جاءت من قرية في وسط تايلاند تحمل رقم "136" ورفضت الإدلاء باسمها "الكل يأتي إلى هنا لكسب العيش." وأضافت "كنت أفضل العمل كنادلة لكن ما كنت لأقدر على إرسال أطفالي للمدرسة، أريد أن يكون لهم مستقبل أفضل من هذا." وفي الواقع فإن سياحة الجنس لا تنمو بنفس المعدلات السريعة التي تنمو بها مجالات سياحية أخرى في تايلاند حيث يعتبر قطاع السياحة نقطة الضوء الوحيدة في اقتصاد هو الأقل نموا بين دول جنوب شرق آسيا منذ انقلاب عام 2014.

ولا توجد بيانات رسمية عن حجم قطاع سياحة الجنس. لكن هناك مؤشرا على ذلك هو المقارنة بين زيارات الرجال والنساء للمدينة. في عام 2012 كان يزور المدينة ستة رجال مقابل كل أربع نساء. وفي عام 2015 تعادل الرقم تقريبا وفقا لبيانات قدمتها وزارة السياحة. وبدأت سياحة الجنس في باتايا عندما أصبحت مزارا للجنود الأمريكيين في وقت راحتهم أثناء حرب فيتنام غير أن الدعارة منتشرة بنفس القدر تقريبا في أجزاء من بانكوك ومنتجعات أخرى. ويقدر عدد العاملات بالدعارة في تايلاند بأكثر من 120 ألفا في تقرير للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 2014. وتشير تقديرات أخرى إلى مثلي هذا الرقم.

ويبلغ الحد الأدنى للأجر اليومي 305 بات (8.80 دولار) ومع احتمال الحصول على أضعاف هذا المبلغ يمثل هذا إغراء قويا يجذب النساء للعمل بالدعارة. وبدأت أحدث حملة على الدعارة في باتايا بعد نشر صحف أجنبية تقارير أثارت غضب برايوث تشان-أوتشا زعيم المجلس العسكري. وأغارت الشرطة على عدد من الحانات وغرمت السلطات أصحابها والنساء العاملات بالجنس. ولزم السائحون غرف فنادقهم خوفا من الخروج للبحث عن المتعة. فتراجعت الأموال التي تتدفق من تجارة المتعة إلى كل قطاعات المدينة حتى جهات إنفاذ القانون. بحسب رويترز.

ويعتبر أسلوب "المنطقة السعيدة" طريقة أكثر لينا من ذلك لتبدو المنطقة أكثر أمانا فدوريات الشرطة تجوب المدينة ويوجد تطبيق على الهاتف يمكن السياح من استدعاء الشرطة إذا ما شعروا بالخطر. وقال أبيتشاي كروبيتش قائد شرطة باتايا "هذا مشروع رائد لتنظيم وجهة سياحية والارتقاء بجودة السياحة في تايلاند... سنقضي على الدعارة في المنطقة."

بريطانيا

الى جانب ذلك قالت الحكومة البريطانية إنه سيتم إجراء بحث حول "نطاق وطبيعة تغير البغاء" في البلاد قبل الدعوة لتعديل قوانين بهذا الشأن. وكانت لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم (البرلمان) البريطاني قد قالت في وقت سابق إنه لا يجب أن يظل طلب الجنس جريمة في انجلترا وويلز. واقترح النواب أيضا ضرورة مشاركة العاملات في مجال الجنس الأماكن، بدلا من المخاطرة بالعمل وحدهن.

وأكدت وزيرة الداخلية أمبر رود أن هناك حاجة الى "قاعدة أدلة قوية" قبل إجراء تغييرات في السياسات بهذا الملف. ودعا التقرير المؤقت للنواب أيضا إلى إلغاء الإدانات السابقة والإنذارات التي وجهت للبغايا من سجلاتهن ، قائلا إنه خلق حاجزا منيعا للراغبات في الانتقال إلى العمل "النظامي". وأضاف أن القوانين يجب أن تتغير فورا، لكنه شدد على بقاء تلك التي تقاضي الأشخاص الذين يديرون مواخير للسيطرة على العاملات في مجال الجنس واستغلالهن.

وفي رد وزارة الداخلية على التقرير، قالت رود إن حماية الفئات الضعيفة والحد من الأضرار التي يمكن أن ترتبط بالبغاء يمثل أولوية. وأضافت قائلة إن أولئك اللائي يرغبن في ترك المهنة يجب منحهن كل الفرص لايجاد طرق للخروج. ولكنها أضافت أن أي رد من قبل الحكومة يجب أن يتضمن "ضمان أمن البغاء والعاملين في مجال الجنس، والاستهداف الفعال للمهربين ولأولئك الذين يستغلون الضعفاء، وضمان إمكانية التعامل مع مخاوف المجتمع تجاه البغاء والعمل في مجال الجنس".

وحول قبول الالتماسات بإلغاء الإدانات السابقة، قالت رود إن نطاق البغاء :"سيتعين تحديده قبل الأخذ في الاعتبار مزايا وعيوب أي تغييرات في السياسات وآثارها المحتملة". ويذكر أن تجارة الجنس في انجلترا وويلز واسكتلندا ليست ضد القانون، ولكن العديد من الأنشطة المرتبطة بها مثل حيازة ماخور، وطلب الجنس في مكان عام أمور غير قانونية. وفي عام 2014، أصبحت أيرلندا الشمالية أول إقليم بريطاني يمرر تشريعا يجعل شراء الخدمات الجنسية غير قانوني.

كولومبيا وامريكا

على صعيد متصل حررت قوات الأمن الكولومبية عشرات الفتيات القاصرات اللواتي كن ضحايا للاستغلال الجنسي، في موقع قريب من القصر الرئاسي في العاصمة بوغوتا، وذلك في عملية أمنية واسعة النطاق، بحسب ما أعلنت السلطات المحلية. وقال رئيس بلدية العاصمة إنريك بينالوسا "لن نتهاون مع استغلال الأطفال في أي مكان من بوغوتا". وأضاف في مؤتمر عقد في منطقة تنشط فيها تجارة المخدرات والأسلحة وشبكات الدعارة، أن العملية الأمنية التي نفذتها الشرطة "هدفها استعادة حقوق الأطفال الذين يتعرضون للاستغلال". وعثرت الشرطة على عدد كبير من الفتيات القاصرات، من بين 200 فتاة وشابة يعملن في الدعارة. وجرى في هذه العملية أيضا تحرير شخص كان مقيدا بالأغلال، بحسب مصدر قضائي لم يدل بمزيد من التوضيحات.

من جهة اخرى فبوسع مستخدمي التليفونات الذكية في الولايات المتحدة أن يجربوا المساعدة في ضبط تجار الجنس من خلال تطبيق تم استحداثه يهدف إلى تحديد غرف الفنادق التي تُحتجز فيها الضحايا. ويطلب التطبيق الذي يعرف باسم (ترافيك كام) من المستخدمين تحميل صور غرف الفنادق التي ربما ينزلون فيها ومقارنة هذه الصور بصور جهات إنفاذ القانون التي توضح عمليات الاتجار بالجنس المشتبه بها.

وقال المركز القومي لموارد الاتجار بالبشر في الولايات المتحدة إنه تلقى بلاغات عن أكثر من أربعة آلاف قضية اتجار بالجنس العام الماضي. وتقول وزارة العدل الأمريكية إنه لا توجد تقديرات موثوق بها عن تجارة الجنس بقاصرات في الولايات المتحدة. ويستخدم تطبيق ترافيك كام مجموعة قواعد تضاهي غرف الفنادق ببعضها من خلال مقارنة ملامح مثل السجاد والأثاث والكماليات. بحسب رويترز.

وقالت آبي ستيليانو وهي أحد مصممي هذا التطبيق وتعمل باحثة في مجال البرمجة في جامعة واشنطن في سان لويس إنه تم اختباره بشكل مبدئي بين أشخاص يسافرون كثيرا مثل المضيفات الجويات لتجميع الصور. وقالت إن مطوري التطبيق جمعوا نحو 1.5 مليون صورة لغرف فنادق. وحتى الآن لم يستخدمها سوى إدارة شرطة منطقة سان لويس فقط. وقال السارجنت آدم كافانا من شرطة مقاطعة سان لويس إن "جهات إنفاذ القانون تبحث دائما عن سبل مبتكرة لإنقاذ الضحايا وتحديد مكان المشتبه بهم والتحقيق في النشاط الجنائي."

باكستان

الى جانب ذلك شكل حي "هيرا ماندي" في مدينة لاهور الباكستانية معقلا للراقصات الاباحيات والموسيقيين والمومسات، لكن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي اضعف سوق الدعارة التقليدي وجعل هذا الحي في نزعه الاخير. فالشرفات المزينة حيث كانت النساء يستعرضن مفاتنهن باتت خاوية، والصدأ يأكل اقفال صالات العرض المنتشرة في الشارع. ولم يبق من هذا "الحي الساخن" سوى بضعة متاجر تبيع الالات الموسيقية، تعود الى العصر الذهبي للحي حين كان الموسيقيون يرافقون عروض الغانيات الراقصات.

فالدعارة التقليدية باتت تلفظ انفاسها الاخيرة مع انتشار المواقع الالكترونية التي تسهل لقاء الزبائن بالمومسات، من دون الحاجة للتجوال في شوارع الدعارة وطرق ابواب الحانات. ولذا لم يعد لهذا الحي موجب للبقاء، فالدعارة اصبحت ممكنة في كل مكان، وحتى المومسات التقليديات مثل ريمة كانوال لم تعد تحتاج الى الحي لتجد زبائنها. ويقع الحي الذي يعني اسمه "سوق الجواهر" على مقربة من مسجد "بادشاهي"، التحفة المعمارية العائدة لسلطنة مغول الهند.

وفي عهود السلاطين المغول الذي حكموا شبه الجزيرة الهندية اعتبارا من القرن السادس عشر، كان الحي معقلا لعروض الرقص والموسيقى التقليدية التي يحضرها علية القوم. وكان النافذون والاثرياء يعهدون الى مربين في الحي ان يعلموا ابناءهم لياقات حسن التصرف. ورغم ان الحي بات اليوم يلفظ انفاسه، ما زالت ريمة تتذكر "ايام المجد، وهي ابنة مومس وجدتها مومس ايضا، وكلهن عملن في هذا الحي في الرقص وفي اطفاء رغبات الرجال.

وتقول "في ما مضى كان الناس يحترمن مومسات حي هيرا ماندي، كان الناس ينظرون الينا على اننا فنانات، لكن كل شيء تغير في السنوات العشر الماضية، لم يعد لدينا اي اعتبار". والسبب برأيها بعود الى دخول فتيات غير مدربات على "العناية" بالزبائن الى سوق الدعارة. وهؤلاء الفتيات لا يحتجن سوى الى هاتف محمول يضعن رقمه على مواقع التواصل الاجتماعي ثم يتلقين طلبات الزبائن". والبعض منهم يقدمن خدماتهن عبر سكايب مقابل 300 روبي فقط اي اقل من ثلاثة دولارات.

وتزدهر في باكستان الدعارة رغم انها محظورة في القانون، ورغم ان المجتمع المسلم المحافظ في هذا البلد يرفض العلاقات الجنسية خارج الزواج. واذا كانت الدعارة التقليدية تتراجع الا ان المواقع الالكترونية المتخصصة تلقى انتشارا واسعا، ويصل متابعو احدها الى خمسين الفا. وكان عمل المومس في السابق يتطلب سنوات من التدريب، وتقديم العروض مع موسيقيين، اما اليوم فيكفي وضع بعض المقاطع المثيرة على الانترنت لجذب الزبائن. ويقول علي، وهو موسيقي كان يعمل مع ريمة "اصبحت الحياة صعبة جدا، كل الذين كانوا يعملون في هذا القطاع يعيشون اياما صعبة". لم يعد الحي مقصدا للعاملين في سوق الدعارة ولا للزبائن الباحثين عن المومسات.

وفي احد منازل لاهور، تنظم ميهاك، وهي طبيبة تجميل ترفض الكشف عن اسمها الحقيقي، سهرات حمراء في منزلها يقصدها الاثرياء، وهو توظف الفتيات المناسبات لهذه المهنة وتضعهم في تصرف زبائنها. وهي تقول "الانترنت غيرت سوق الدعارة، فالفتيات لم يعدن في حاجة الى من يسوقهن للزبائن مع وجود فيسبوك و تويتر". وتضيف "لم يعد حي هيرا ماندي كما كان، حتى المومسات اللواتي عملن فيه لا يقلن ذلك، لان الزبائن يتجنبونهن خوفا من الامراض المنقولة جنسيا". بحسب فرانس برس.

وبحسب ميهاك فإن الزبائن لم يعودوا ينجذبون الى المومسات الراقصات، بل الى مومسات يدرسن الطب ويحملن اجازات في ادارة الاعمال، وقد تصل اجرة الليلة الواحدة في هذه الحالة الى 100 الف روبي، اي نحو 950 دولارا. وتعتزم ميهاك ان توسع عملها ليشمل تأمين ذكور لنساء، وتقول "هناك نساء من نخبة المجتمع يطلبن مني شبابا، وهن مستعدات لدفع المال شرط ان يكون الشاب قويا".

الدعارة القسرية

من جانب اخر تجد نساء كثيرات من كوريا الشمالية انفسهن امام خيارين صعبين، البقاء في ظل القمع والبؤس في بلدهن، او الهروب الى الصين في رحلة محفوفة بخطر الوقوع في براثن الدعارة والزواج القسري. وتروي الناشطة الكورية الشمالية هيونسيو لي التي فرت من بلدها قبل نحو عشرين عاما رحلتها القاسية للهروب من اكثر بلدان العالم انغلاقا وانتهاكا لحقوق الانسان، بداعي الفضول لمعرفة ما يجري في العالم الخارجي.

فهذه الشابة ابنة عائلة مرفهة نسبيا، وهي بالتالي مختلفة عن النساء الفقيرات اللواتي يخاطرن بحياتهن بحثا عن مستقبل افضل خارج البلد. وقصت لي تفاصيل رحلتها في كتاب "الفتاة ذات الاسماء السبعة" الذي حقق مبيعات عالية، وهي اليوم ناشطة في حماية الاشخاص الذين يفرون من كوريا الشمالية، ولاسيما النساء اللواتي غالبا ما يقعن في الصين ضحايا لشبكات الدعارة او للزواج القسري.

وتقول لي "ما عدا اقلية صغيرة محظوظة، تعيش معظم النساء الهاربات من كوريا الشمالية حياة بائسة". وتضيف "يتعرضن للاغتصاب مرات عدة في اليوم الواحد، من عدد لا يحصى من الزبائن". سمعت لي عددا من الشهادات من النساء الهاربات، واصابتها بالذعر، فقررت تأسيس منظمة "نورث ستار ان كي" غير الحكومية، والتي تسعى الى مساعدة الكوريات الشماليات اللاجئات في الصين وجنوب شرق اسيا.

وتقول "يتعرضن لكثير من الاذلال بحيث يصعب عليهن الكلام عن ظروفهن، لذا قررت ان افعل شيئا مختلفا لهن". ورغم الاجراءات المشددة التي تتخذها السلطات الكورية الشمالية، الا ان عبور الحدود الى الصين ليس بالامر الشديد الصعوبة، فالنهران الحدوديان "يالو" و"تومان" غالبا ما يكونان متجمدين في الشتاء. لكن الصعوبة الحقيقة هي في الصين التي لا تعترف بحق اللجوء، ولذا تعيش الشابات تحت خطر التسليم الى سلطات بلدهن في اي لحظة.

ولذا يقبلن بأي شيء يملى عليهن، ويخضعن تماما لرغبات المهربين، الامر الذي يجعل من الدعارة الجبرية او الزواج القسري مسارا لا بد منه للغالبية الساحقة من اللاجئات، على طريق العثور على بلد ثالث يعشن فيه اياما افضل، بحسب فيل روبرتسون المدير المساعد لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" في اسيا.

وافلتت لي من هذا المصير القاتم في الصين، اذ هربت من عملها في صالون تصفيف شعر بعدما اكتشفت انه في حقيقة الامر بيت للدعارة. وكثيرا ما تباع النساء الكوريات الشماليات في الارياف الصينية، اذ ان سياسة الطفل الوحيد دفعت الكثيرين الى تفضيل الذكور والتخلص من الاناث، الى حد اصبح هناك نقص في النساء في سن الزواج في الصين. وتبدي بعض العائلات الصينية استعدادا لدفع مئات الدولارات لشراء زوجة للابن بحيث لا يبقى عازبا. وتقول لي "تعرفت على شابة كان زوجها الصيني يضربها بعنف، ثم قيدت بالسلاسل كي لا تهرب". ازاء هذا الواقع القاسي، لا تجد بعض الكوريات الشماليات بدا من الانتحار، فيما تعيش الباقيات على امل ان يهربن يوما ما من هذا الكابوس، بحسب لي.

هربت لي من بلدها مدفوعة برغبة بالتعرف على الصين وما فيها، اذ كانت تجذبها الاضواء الآتية من هذا البلد عبر الحدود، من الضفة الاخرى من نهر يالو المحرم اجتيازه على الكوريين الشماليين. وتقول "كان بلدنا يغرق في الظلام، في الوقت الذي كان يقال لنا اننا متفوقون" عن كل العالم، بحسب الدعاية الداخلية للنظام الحاكم في بيونغ يانغ. وتضيف "الامر المحزن ان معظم الكوريين الشماليين يظنون ان غياب الحرية هو امر عادي".

لكن قرب بيت عائلتها من الحدود مع الصين اتاح لها مشاهدة القنوات التلفزيونية الصينية خلسة، وهو ما فتح عينيها على ما يجري خارج السجن الكبير الذي يعيش فيه شعبها. وساهم ايضا في اثارة الشكوك في داخلها المجاعة التي ضربت كوريا الشمالية في التسعينات. وتقول "في مدينة هييسان حيث كنت اعيش، كانت جثث الناس ملقاة في الشوارع، كانت رائحة الجثث المتحللة تثير الغثيان". بحسب فرانس برس.

حين قررت لي عبور الحدود، كانت في السابعة عشرة من العمر، وكانت تريد فقط ان تزور الصين لبعض الوقت، لكن امثالها ممن يغادرون البلد يعاملون على انهم خونة، فاستمرت رحلتها عشر سنوات اضطرت خلالها الى تغيير هويتها مرات عدة. وتضيف "كنت ابكي كثيرا في الصين، كنت على قناعة باني لن ارى عائلتي مجددا". في العام 2008، حصلت لي اخيرا على لجوء في كوريا الجنوبية، ونجحت ايضا في اخراج عائلتها من الشمال.

بكارة في مزاد

الى جانب ذلك قايضت الشابة الرومانية ألكسندرا كيفرين عذريتها بمبلغ 2,3 مليون يورو في صفقة أشرفت عليها شركة ألمانية لـ"الفتيات المرافقات". وقررت العارضة الرومانية التي تبلغ بالكاد 18 سنة، أن تفقد عذريتها مقابل المال فتعطيها لمن يشتريها غاليا. لم تكشف شركة "سندريلا" عن جنسية ولا هوية رجل الأعمال الذي قدم المبلغ الباهظ (ما يعادل 2,4 مليون دولار) ليقضي مع كيفرين "ليلتها الأولى"، لكنها قالت إنه رجل أعمال من هونغ كونغ.

وتقيم العارضة الشابة في العاصمة الرومانية بوخارست، وكانت تفكر في هذه "الصفقة" منذ أن بلغت خمس عشرة سنة. وأعلنت في بداية المزايدة عن رغبتها في جني مبلغ مليون يورو مقابل إهداء بكارتها إلى من يدفع أكثر، فتزاحمت عليها العروض لتتجاوز في نهاية المطاف مليوني يورو، ستحصل منها الشركة الألمانية على نسبة عشرين بالمئة. وتشترط الشركة التي تقدم خدمات "الفتيات المرافقات" (escort girls) أن يلتقي الزبون بالشابة في ألمانيا، على أن يختار هو النزل الذي يلائمه. ويرجع اختيار ألمانيا إلى أن الشركة تنشط في هذه البلاد التي تبيح قوانينها إقامة علاقات جنسية مدفوعة الأجر.

وإن كانت الشابة قد صرحت في لقاءات صحفية بأنها تود إنفاق المال الذي ستجنيه من الصفقة في دفع مصاريف الدراسة بجامعة "هارفارد" وشراء بيت لوالديها، فإن هذين الأخيرين مستاءان للغاية من قرارها حسب ما صرح أقاربها. فقال خالها لجريدة بريطانية إن والديها مغتاظان جدا من سلوكها، وحاولا إقناعها بالتخلي عن قرارها بلا جدوى. وأوضح الخال أنهما في وضع مالي جيد ولا يحتاجان لأي مساعدة من ابنتهما، فوالدها شرطي وأمها صيدلانية. وتقول الشابة إنها لا تملك خبرة في مجال الجنس، لكنها تأمل أن يكون الشخص الذي دفع مبلغا طائلا متفهما وأن يتعامل معها "بطيبة".

وفي حوار مع قناة بريطانية تقول الشابة إنها اكتشفت الفكرة بعد مشاهدتها لفيلم "اقتراح وقح" (1993) الشهير والذي تقبل فيه البطلة المتزوجة بممارسة الجنس مع رجل آخر مقابل مبلغ مليون دولار. وأضافت أن الفكرة راودتها طيلة ثلاث سنوات، وبحثت عنها في الإنترنت لتجد أن هناك حالات سابقة أقدمت فيها فتيات على بيع "بكارتهن" لمن يدفع غاليا. فقررت الاتصال بوكالة "سندريلا" الألمانية التي تقوم بدور الوسيط بين بائعات الهوى أو "مرافقات" وبين زبائن.

وتبيح السلطات الألمانية لعاملات الجنس العمل بشكل شرعي في المدن الألمانية منذ العام 2002، وتضمن لهن العديد من الحقوق وتفرض عليهن واجبات كما في كل المهن. من ضمن الحقوق الممنوحة لهن التمتع بالخدمات الاجتماعية. خلف شركة "سندريلا" يقف شاب يبلغ من العمر 26 سنة، يعمل كوسيط بين الزبائن وعدد من المرافقات ضمنهم ممثلات "أفلام إباحية". وإن كان يدير الشركة الصغيرة من بيت والديه فإن صفقة العمر جلبت له الأضواء، فالتحقت بـ"عذراواته" سبع فتيات أخريات، يردن الحصول على مبالغ طائلة. وهو ما يفتح أمامه سوقا مغرية تعده بجني ثروة ضخمة.

ولا تتردد الشابة ألكسندرا كيفرين في الدفاع عن نفسها وسلوكها، فصرحت لوسائل إعلام بأنها ترفض أن تهب عذريتها لصديق يتركها لاحقا كما يحدث مع كثيرات. وقالت إن جسدها ملكها، بينما انتقدها كثيرون ورأوا أن اختيارها "لا أخلاقي". "لقد انتقدت في الصحافة. يحسبون أنه من المحرم أن أفعل بجسدي ما أشاء. لكنني فضلت بيع عذريتي في "سندريلا إسكورت"، على أن أهبها لصديق كان سيتركني على أي حال. أظن أن الكثير من الفتيات سيقدمن على نفس الأمر."

وهناك من يتهم مالك الشركة بـ"القوادة" وبأنه يستغل أجساد الشابات اللواتي بلغن سن الرشد لتوهن، ويتاجر بهن. لكنه رفض هذه الاتهامات، وقال لمجلة "فوربس" الأمريكية إن "القوادة تفترض أن نستغل نساء. أنا رجل أعمال ولكل الرأي الذي يشاء. لكنني أفضل أن تبيع (بكارتها) عبر وكالة رسمية وقانونية وشهيرة تضمن حماية الفتيات على أن تترك وحيدة وتعلم في آخر المطاف بأن مجرمين أجبروها أو باعوها في السوق السوداء". بحسب فرانس برس.

ويضاف هذا التوجه الجديد في مجال الجنس إلى المواضيع المثيرة للجدل في ألمانيا. ففي حين يرى جزء من المجتمع أن سن قانون للجنس يحمي العاملات في المجال، يرى فيها آخرون تشجيعا لشركات تمارس الاستغلال الجنسي للنساء بدعوى الحرية.

اضف تعليق