وعندما يكون الاقتصاد هشا، فسوف تكون التهديدات الإقليمية والأزمات الدولية أقوى وليس كما يحدث في النظام الاقتصادي القوي، ونلاحظ الآن حتى في علم الزلازل بأن البيت الضعيف البناء يكون معرضا للسقوط أكثر من سواه، فكلما يزداد ضعف البناء كلما كانت هناك سرعة في انهياره. لكن كلما ازدادت...
تحرير: حسين علي حسين

عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية يوم السبت الموافق 10/8/2024 حلقته النقاشية الشهرية، ضمن نشاطات ملتقى النبأ الأسبوعي، وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وحملت هذه الورقة عنوان (الاقتصاد العراقي بين التهديدات الاقليمية والازمات العالمية)، حيث حضرها وناقشها عدد من الباحثين المختصين والكتاب ورؤساء المراكز البحثية، أما مقدم الورقة البحثية فهو الباحث في مركز الفرات الأستاذ حامد عبد الحسين الجبوري حيث بدأ ورقته هذه قائلا:

"شهد العالم عدّة معطيات اقليمية ودولية، خلال المدة السابقة؛ ستلقي بظلالها، بلا شك؛ على الاقتصاد العراقي بشكل وآخر.

التهديدات الإقليمية: تعود بداية التهديدات الاقليمية الى احداث 7 اكتوبر 2023، حين فاجئت حركة حماس العالم باقتحام اسرائيل وجعلتها في موقف لا يحسد عليه أمام انظار العالم، مما دفع بإسرائيل الرد بقسوة على قطاع غزة ضاربةً عرض الحائط المبادئ الاخلاقية والانسانية.

ولأجل دعم ومساندة حركة حماس، انضم الايرانيون والحوثيون وحزب الله في هجمات متكررة على اسرائيل ومصالح حلفاؤها وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية.

 وبالمقابل لجأت اسرائيل لسياسة الاغتيالات والاهداف المحددة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وايران في محاولة منها لتحقيق الاطمئنان الداخلي الاسرائيلي بقدرتها على الرد وتثبيط عزيمة محور المقاومة.

أبرز الاغتيالات في المنطقة وقعاً هي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (اسماعيل هنية) في طهران نهاية الشهر الماضي، 31 تموز، بعد نصف يوم من عملية اغتيال، فؤاد شاكر مسؤول بارز في حزب الله اللبناني؛ تبنتها اسرائيل.

حيث لم تعرف تفاصيل عملية الاغتيال، كيف تمت ومن المسؤول عنها وهل تم تنفيذها من الداخل أم من الخارج، في وقت لم تتبنَ اسرائيل كما لم تنفِ عملية اغتيال هنية، 

مع ذلك توجهت الانظار نحو اسرائيل واصدرت ايران وحلفاؤها وعودها بالرد القاسي على اسرائيل دون الكشف عن توقيت الرد وسياسة الرد، مما دفع لزيادة الاحتقان في المنطقة.

وبموازاة ذلك حشدت الولايات المتحدة الامريكية قواتها لمواجهة أي خطر يعترض اسرائيل وهذا ما زاد من حدة التوتر في المنطقة.

وبالمقابل عملت روسيا على الوقوف لجانب ايران والعمل على تزويدها بالصواريخ المطلوبة للدفاع عن نفسها إذا ما تعرضت لأي هجوم اسرائيلي.

هذه التهديدات الاقليمية بين جبهة ايران وحلفاؤها واذرعها من جهة واسرائيل وحلفاؤها من جهة أخرى، إذا ما تحولت إلى ارض الواقع وأصبحت حرب اقليمية ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي نظراً لاعتماد الاخير على الدول الاقليمية في تلبية متطلباته التجارية كما سيتضح عند تناول واقع الاقتصاد العراقي.

الازمة العالمية

استيقظ العالم على انهيار الاسواق العالمية في امريكا واسيا وأوربا، يوم الاثنين الماضي، وتضاربت الانباء بمدى تأثير هذا الانهيار على الاقتصاد العالمي.

حيث يرى البعض انها بداية دخول الاقتصاد العالمي في ركود طويل، في حين يعتقد البعض الاخر انها أزمة عابرة، وهناك من يرى ان الاقتصاد العالمي سيدخل فيما يعرف بالركود التضخمي.

عموماً ان التنبؤ بالتأثيرات أمر ليس سهل، ويكون من المبكر عن تشخيص تلك التأثيرات بشكل دقيق لأنه لم نعرف بعد إذا ما تستمر الأزمة أم هي أزمة عابرة وحسب، ومع ذلك يمكن الاشارة لأهم السباب التي دفعت ليوم الاثنين الاسود.

ماذا حدث؟ 

صدور تقرير الوظائف الامريكي بشكل مخيب للآمال، حيث كان من المتوقع ان يزيد عدد الوظائف 175 الف وظيفة في شهر تموز لكن التقرير اوضح ان عدد الوظائف المتحقق هو 114 الف وظيفة، بمعنى ان معدل البطالة ارتفع الى (4.3%) بدلاً عن المعدل المتوقع (4.1%).

ارتفاع معدل البطالة هو مؤشر على مدى قوة الاقتصاد، بمعنى ان الاقتصاد القوي قادر على توليد المزيد من فرص العمل ومن ثم انخفاض البطالة والعكس صحيح، ونظراً لارتفاع معدل البطالة في ضوء تقرير الوظائف الامريكي اعطى رسالة للمستثمرين بان الاقتصاد دخل في مرحلة الركود، لذلك لجأ المستثمرون لبيع اسهمهم في السوق وانخفضت الاسعار بشكل حاد.

رفع سعر الفائدة الياباني (من 0.1 الى 0.25%): كان البنك المركزي يتبع الفائدة السلبية لأجل الحفاظ على النمو الاقتصادي، وخلال عام 2024 بدأ البنك المركزي الياباني بالتخلي عن الفائدة السلبية والعودة للسياسات التقليدية.

كان سعر الفائدة الياباني سلبي (- 0.1) لغاية شباط من السنة الحالية ثم ارتفعت الى 0.1% و 0.25% في اذار وتموز على التوالي من العام الجاري.

كان المستثمرون يقترضون اموالهم بالين الياباني لأن الفائدة عليه صفرية، ويقومون استثمار اموالهم في عملات أخرى وعلى راسها الدولار الامريكي والاستفادة من الفائدة عليه، بمعنى انهم يحصلون على الفرق بين الفائدتين.

ان قيام البنك المركزي برفع سعر الفائدة مقابل قيام الفدرالي بتخفيضها يعني عدم جدوى الاقتراض وسحب استثماراتهم وبيع العملات والاسهم والنتيجة انخفاض الاسعار بشكل حاد.

الحرب الروسية الأوكرانية: لاشك ان الحرب الروسية الاوكرانية له دور سواء بشكل مباشر او غير مباشر على انهيار الاسواق المالية، حيث ان زيادة التصعيد يعني سحب الاموال من الاستثمارات لأجل تمويل الحرب والنتيجة زيادة العروض وانخفاض الاسعار.

كذلك التهديدات الاقليمية، التي اشرنا اليها؛ تدفع بالمستثمرين الى سحب استثماراتهم تحسباً لأي طارئ قد يحصل وذلك لأجل الحفاظ على ثرواتهم من الانخفاض.

ضخامة الاستثمارات في الذكاء: حصل ارتفاع في حجم الاستثمارات في شركات الذكاء الاصطناعي، هذا ما دفع لارتفاع اسعار الاسهم وبالخصوص في قطاع التكنولوجيا، ونظراً لضعف المردودات على تلك الاستثمارات، انخفضت الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا وانخفاض الطلب وانخفاض الاسعار. وان أهم الشركات بهذا الخصوص شركة ابل وانتل.

واقع الاقتصاد العراقي

هناك أزمة بنيوية متمثلة في هيمنة الدولة والنفط على الاقتصاد العراقي:

هيمنة الدولة على الاقتصاد: على الرغم من اتجاه العراق بعد عام 2003 نحو اقتصاد السوق وفسح المجال امام القطاع الخاص لقيادة الاقتصاد إلا ان الدولة لازالت تهيمن على الاقتصاد وتتحكم به وذلك من خلال هيمنتها على عناصر الانتاج واهمها راس المال والارض.

هيمنة النفط على الاقتصاد: حيث ان الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بشكل كبير، أكثر من 50% من اجمالي الناتج المحلي، نظراً لامتلاك العراق موارد نفطية كبيرة، تقدر بأكثر من 145 مليار برميل، في حين لم تشكل القاعات الاخرى بمجملها اكثر من 50%.

كما تهيمن الايرادات النفطية على الايرادات العامة، حيث تمثل مساهمتها حوالي 90 % من الايرادات العامة في حين لم تتجاوز مساهمة الايرادات الاخرى أكثر من 10%.

وكذلك الصادرات السلعية، حيث تشكل الصادرات النفطية أكثر من 98% من الصادرات السلعية، في حين لم تتجاوز الصادرات السلعية الاخرى أكثر من 2% من الصادرات السلعية.

مقابل تنوع الاستيرادات السلعية، حيث يستورد العراق أغلب السلع والخدمات من العالم الخارجي، بمعنى انه يعاني من تبعية تجارية للعالم الخارجي.

مؤشرات سلبية:

1- مؤشر الفساد، يحتل العراق المرتبة 154 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد.

2- بيئة الاعمال، يحتل العراق المرتبة 172 في بيئة سهولة الاعمال من أصل 190 دولة.

3- ضعف البنية التحتية.

4- ارتفاع البطالة في العراقي.

بعد الانتهاء من قراءة الورقة البحثية، طرح الباحث الجبوري سؤالين لإغناء هذه الورقة البحثية بمشاركة الأساتذة الباحثين والأكاديميين الحاضرين:

السؤال الأول: لماذا؟ وكيف يتأثر الاقتصاد العراقي بالتهديدات الاقليمية والازمات العالمية؟

السؤال الثاني: ما السبل اللازمة لتجنب أو التخفيف من اثار التهديدات الاقليمية والازمات العالمية؟

المداخلات:

السيطرة على اقتصاد الدول النامية

- الدكتور محمد سعيد الشكرجي:

لأهمية الموضوع، أحاول المساهمة في الاجابة على السؤال الثاني، خصوصاً من خلال بناء اقتصاد مستقل قدر الإمكان، اي قائم على دعائم محلية التي يجب منحها اولوية مطلقة، كالزراعة والصناعات المرتبطة بها على سبيل المثال.. وعدم السماح بالاستثمار إلا بحدود ضيقة ومسيطر عليها مثل ربطها بقطاع عام او اهلي عراقي، لأن الاستثمار يشكل أهم وسيلة، soft كما يقال، للسيطرة الأجنبية على اقتصاد الدول النامية.

هناك فكرة طالما دافعت عنها وأود عرضها وهي ضرورة استيحاء التراث لتسهيل إطلاق واستمرار عجلة التنمية، ومن ذلك الارث العشائري الذي يغطي جزءً كبيرا من البلد، بإنشاء تعاونيات للإنتاج الزراعي ان تكون العشيرة اشبه بتعاونية..

متلازمة الريعية

- الأستاذ عباس الصباغ:

ان التحديات التي تؤثر على الاقتصاد العراقي هي داخلية وذاتية اكثر منها خارجية وموضوعية رغم خطورة الخارجية منها سواء اكانت اقليمية او عالمية لكن الداخلية اخطر بكثير من الخارجية كونها بنيوية وتتعلق بهيكلة الاقتصاد العراقي اذ مازال هذا الاقتصاد يعاني من متلازمة الاقتصاد الريعي: فلم تعدْ مفرحة تلك الانباء التي تتحدث عن وتائر تصدير النفط وعن اسعاره في السوق العالمية صعودا لتمويل موازنات الدول التي تعتمد الريع في اقتصادها كالعراق، ويبقى القلق مزمنا لمن يراقب الخط البياني لمناسيب تلك الاسعار في حالة هبوطها المستمر وعدم استقرارها، فقد تلازم الريع فلسفةً واجراء بالاقتصاد العراقي منذ اكتشاف النفط فيه وتصديره لأغراض تجارية مطلعَ خمسينيات القرن الماضي لرفد موازناته المالية منذ ذلك التاريخ وحتى الان فارتبط الاقتصاد العراقي الموجّه توجيها مركزيا والبعيد عن اقتصاد السوق بسعر البرميل الذي كان ولايزال محتكما الى عوامل عدة منها خضوعه الى مناسيب العرض والطلب والظروف المناخية والتقلبات السياسية الحادة بين الدول، ونتيجة لتلك المعطيات والتي تفيد بان حوالي 98% من الموازنات المالية يتم تسديد فواتيرها من تصدير النفط فيكون الاقتصاد العراقي بمجمله تحت رحمة سعر برميل النفط وهو ما عانى منه هذا الاقتصاد ومنذ عام 2014 وبالتزامن مع هجمة داعش وإن كانت تحدث “طفرات” مفاجئة في اسعاره صعودا الا انها سرعان ما تتهاوى نزولا لذات الاسباب المتعلقة بمناسيب العرض والطلب والازمات السياسية الدولية والتقلبات المناخية، فلا شيء ثابتا في اسعار النفط ما يعنى انه لا اقتصاد ثابتا مادام يعتمد اعتمادا شبه كلي على تصدير النفط فيكون هذا الاقتصاد عرضة للهزائز والتقلبات وبشكل مستمر الى ازمات واختناقات مالية تجعل مهندسي الموازنات العامة ومبرمجي ميزانياتها في موقف محرج، اذ يُعدّ تذبذب أسعار النفط أحد تحديات التنويع الاقتصادي في العراق لأنه مالياً واقتصادياً يعتمد على الريع النفطي بشكل كبير جداً، فأي تذبذب في أسعار النفط، لاي سبب كان سينعكس بشكل مباشر على الريع النفطي الذي يمثّل ركيزة المالية العامة إيراداً وانفاقاً، فالموارد المالية شحيحة وغير مستقرة وسط متطلبات كثيفة ومتزايدة، ناهيك عن اشتراطات صندوق النقد الدولي في حال اقراضه بعضَ الدول التي تضطر الى الاقتراض منه كما فعل العراق تخطّيا لازمته المالية التي كانت اكثر من خانقة خاصة إبان الحرب الضروس ضد داعش التي استمرت لما يقرب من ثلاث سنين، وهي حرب استنفدت اموالا طائلة ستلحقها اموال باهظة تتطلبها إعادة إعمار المناطق التي استولى عليها داعش فضلا عن إعادة توطين النازحين الذين نزحوا من تلك المناطق لذات الأسباب.

 ونستشفّ ممّا تقدّم ان خطورة متلازمة الاقتصاد الريعي تكمن في ارتهان الاجيال الحالية ضمن اقتصاد مهزوز ومعرّض الى مفاجآت تكون في اغلب الاحيان غير سارة وتكون الاجيال اللاحقة عرضة الى نضوب تلك الموارد فلكل مورد عمر افتراضي ومحدد فيتحتّم تشكيل صندوق سيادي نفطي في العراق ليحفظ حقوق الاجيال القادمة وهو ما غفلت عنه الطبقة السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، فلا يجوز الاعتماد كليا على الاقتصاد الريعي حاليا او مستقبلا كونه اقتصادا متذبذبا فلا تتمكن الحكومات من تحديد أسعاره وتثبيتها لان أسعاره تتحدد في الاسواق الدولية، ولتفادي خطورة متلازمة الاقتصاد الريعي الكامنة في عدم الاستقرار الحالي والنضوب المستقبلي؛ لذا يجب تحويل الاقتصاد الريعي العراقي الاستهلاكي إلى اقتصاد انتاجي استثماري، وذلك من خلال توفير المناخ المشجّع للمستثمرين على الاستثمار في القطاعات الانتاجية لذا لابد من تفعيل القطاع الخاص (اقتصاد السوق).

وبهذا واقع الحال يكون التهديد داخليا اكثر منه خارجيا ويجب تصحيح هيكلة الاقتصاد العراقي اولا ومواجهة التحديات الخارجية كالحروب كحرب غزة والحرب الروسية الاوكرانية وامزجة بعض الدول الاقليمية والدولية تجاه الاحداث ولتجنب التأثير السلبي لتلك التهديدات يجب اجراء اعادة هيكلة الاقتصاد العراقي بتحريره من الريعية اولا وتعظيم بقية القطاعات الاقتصادية وتنويعها وتفعيلها ثانيا، والاهم من كل ذلك الابتعاد عن الانزلاق في سياسة المحاور بجميع اشكلها الاقتصادية او السياسية.

فك الارتباط بالدولار

- الاستاذ صادق الطائي:

الاقتصاد مرآة حقيقية عاكسة للوضع السياسي لذلك البلد الازمات والصعود والنزول بالأسعار وتصريف العملة الاجنبية بالبنوك بأسعار غير طبيعية كل هذه تعني ان هناك ازمة، او غياب مواد استهلاكية ضرورية للمواطن تعني ان هناك ازمة قوية او تقلبات منتظرة، ولعل تجربة رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي مؤثرة وواضحة في الساحة العراقية. 

الكل يعرف ماذا تريد امريكا ان تقول، اي تجاوز او التفات للوضع الاقتصادي للداخل يجب ان يكون من خلال اليد والمصلحة الامريكية فقط.

عندما يرتبط اي نظام بسياسة (الدولار) والازمات التي تقودها امريكا يعني السياسة الخارجية، يكون هناك عدم استقرار وازمات داخلية عديدة، عندها نقوم و نبحث عن طرق كفيلة، نقول امريكا تريد والشعب يريد، المتضرر الاول والاخير هو الشعب العراقي.

خرجت تظاهرات ضد اتفاقية الصين الاقتصادية، تحت ادعاءات الحرية والارهاب المقنن وعدم تلبية مطالب الناس، في الوقت اكثر الاحزاب والوجودات الجماهرية رفضت مد انبوب نفط الى الاردن ومصر وبناء مدينة صناعية هناك، الكل يقول انها عملية سرقة تحت نظر رئيس الوزراء ‏محمد شياع السوداني، يبدو طعم الرئاسة والتسلط اكثر طعماً وشوقا ولذة من مطاليب الجماهير.

الطريقة الوحيدة للتخلص من الازمات والتهديدات الاقليمية والعالمية، هو فك الارتباط من التعامل بـ (الدولار) والتفكير بحس وطني اصيل، ورفض اي ألاعيب أو اتفاقيات او لقاءات مع الشيطان الاكبر.

قادة اقتصاديون 

- الأستاذ علي حسين عبيد:

ليس الاقتصاد العراقي وحده الذي يعاني من التهديدات الإقليمية والدولية، بل حتى الاقتصادات الراكزة، تتسبب لها التهديدات والمشكلات والحروب بأزمات حقيقية، تهز وجودها وتخلخل كيانها، وأنظمتها الاقتصادية.

أمر طبيعي جدا عندما تحدث مشكلة إقليمية وعالمية، أن تنعكس تأثيراتها على الاقتصاد العراقي، على مدى مسيرة الاقتصاد العراقي نلاحظ أنه حاليا بالذات توجد هناك وفرة مالية كبيرة جدا في العراق وتوفرت للاقتصادي العراقي، هذه الوفرة كما أعتقد حققت نوعا من الانفتاح ونوع من التميز للاقتصاد العراقي لكنه بصراحة تميّز شكلي أكثر مما هو حقيقي.

حتى طبيعة الاستثمارات وطبيعة الأنشطة الاقتصادية والتجارية للاقتصاد العراقي، هي غير ذات جدوى، ولا يوجد هناك بناء مرسوم ومخطط له لهذا الاقتصاد، لذلك أنا أعتقد بأن التهديدات الإقليمية سوف يكون تأثيرها مضاعفا على الاقتصاد العرقي الذي هو أساس اقتصاد ضعيف ومهزوز.

كيف يمكن أن نتجنب أو نقلل أو نخفف من تداعيات هذه التهديدات؟

هذا الهدف يحتاج أولا إلى قادة اقتصاديين يخططون للاقتصاد بشكل صحيح، ويديرون الاقتصاد بشكل صحيح، وتوجد لديهم صفة الإخلاص، إضافة إلى أهمية تميزهم بالجانب العلمي الاقتصادي المهم.

من هذا المنطلق يمكن أن نحمي الاقتصاد العراقي لكن نلاحظ أن هذه القضية غير متوفرة في القادة الاقتصاديين في العراق لأسباب كثيرة، ولذلك لكي نتجنب أو نخفف من تأثير التهديدات فإننا نحتاج إلى قادة اقتصاديين يدرسون الاقتصاد العراقي ونقاط ضعفه وقوته جيدا ويضعون الخطوات والحلول اللازمة لهذا الأمر.

الاقتصاد الهش معرض للازمات

- الأستاذ الدكتور خالد عليوي العرداوي: 

في العراق لدينا اقتصاد هش، وهذه الهشاشة لا تقتصر على الاقتصاد وحده، بل حتى في البنى التحتية. فطالما أن البنية الاقتصادية أو النظام الاقتصادي في العراق هش، وجزء من هشاشته أن بقية الدول ترى أن الاقتصاد هو القاطرة التي تقود البناء السياسي والاجتماعي والثقافي، حتى القوى العسكرية والقوى السياسية أو البعد السياسي والبعد الاقتصادي يساند الاقتصاد أو يسند القرار الاقتصادي، ولذلك دائما القرار الاقتصادي يقرّه الاقتصاديون المتخصصون، وهم الذين يحولون الاقتصاد من اقتصاد ضعيف إلى اقتصاد قوي.

ويحددون الأولويات في بناء الاقتصاد، لكن نحن في العراق للأسف، ما يزيد من هشاشة الاقتصاد العراقي هو ان السياسي غير المتخصص هو الذي يقود القرار الاقتصادي فتكون نتائجه سيئة للأسف.

وعندما يكون الاقتصاد هشا، فسوف تكون التهديدات الإقليمية والأزمات الدولية أقوى وليس كما يحدث في النظام الاقتصادي القوي، ونلاحظ الآن حتى في علم الزلازل بأن البيت الضعيف البناء يكون معرضا للسقوط أكثر من سواه، فكلما يزداد ضعف البناء كلما كانت هناك سرعة في انهياره.

لكن كلما ازدادت سلامة البناء، وأدخِلَت فيه التقنيات الحديثة التي تتناسب مع علم الزلازل، نلاحظ كلما ازدادت قوة الزلازل يبقى البيت سالما، ويحافظ على بنائه في مواجهة هذا الزلزال.

مشكلتنا في العراق ليس لأننا نمتلك نظاما اقتصاديا هشا فقط، وإنما نظامنا السياسي هش أيضا، ونظامنا الإداري هش، وهذا يؤدي إلى ضعف الحكومة وقرارها الاقتصادي والسياسي، كل هذا سوف ينعكس سلبا على بنية الدولة بشكل كامل.

اليوم نحن لاحظنا كما أعتقد أن الحكومة العراقية أطلقت ما تم تسميتها بخطة التنمية، للسنوات الخمس القادمة، وعلى أن يدخلوا في هذه الخطة اهداف التنمية المستدامة، لعام 2020- 2030. وهذه الأشياء مفرحة طبعا، وعندما تطلع على المعلن في خطة التنمية تجد تطوير القطاع الخاص، تطوير الطاقة، تطوير الزراعة، تطوير الصناعة، تطوير البنية التحتية والخدمات والطرق وغيرها وهذه كلها أشياء جيدة. 

ولكن هل سيتم تنفيذها، فسابقا أطلقنا خطتين للتنمية، في ظل الحكومات السابقة ولم يتحقق منها شيء على أرض الواقع، وهذه هي الخطة الثالثة التي أطلقتها الحكومة الحالية، ولكن هل هذه الحكومة قادرة على أن تحول خطط التنمية المعلنة إلى واقع؟، بالنتيجة لكي تواجه هذه التهديدات الإقليمية والأزمات العالمية، هذا يبقى محل شك.

السبل اللازمة لتجنب أو تخفيف التهديدات الإقليمية والأزمات العالمية، طبعا أول شيء هو بناء نظام الحكم بشكل جيد، يعني لابد أن تكون لنا حكومة (مثنية لها الوسادة)، قادرة على أن تكون لديها وحدة قيادة وسيطرة في بلادها وعلى اقليمها الجغرافي، وقادرة على تنفيذ برامجها، فمن دون وجود حكومة قوية لا يمكن التخلص من الهشاشة السياسية والاقتصادية.

كذلك ينبغي ألا تكون الحكومة طرفا في الصراعات الإقليمية والدولية، فالعراق مطالب أن لا ينظر إلى نفسه على أنه لبنان واليمن في معادلة الصراع الإقليمي، فالعراق هو خامس دولة في إنتاج النفط عالميا، أي هو دولة قوية، دولة غنية، ودولة ذات موقع جغرافي مهم.

العراق ليس دولة دخلها السنوي مليارين مثل اليمن أو مثل لبنان التي تعاني أصلا من انهيار اقتصادي، العراق دولة قوية باقتصادها، وفي نفس الوقت موقعها الاستراتيجي يجعل مصالح الدول متشابكة فيها، فهذا يحتاج إلى إبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية حتى نحافظ على بناء العراق.

وعندما نريد العراق مع الحق ولكن أدوات الوقوف مع الحق يجب أن تختلف عن الأدوات التي تتخذها مثلا لبنان أو تتخذها إيران أو يتخذها اليمن، وقوفك مع الحق لا يعني أن تعمل ميليشيا مسلحة وتذهب للقتال في دولة اخرى، ولا يعني وقوفك مع الحق ان تكون مساهما مساهمة أساسية في الفساد المالي والإداري والاقتصادي داخل بلدك.

اليوم يمكن أن تقف مع الحق عندما تبني دولة، دولة قوية باقتصادها، قوية بنظامها السياسي، قوية بمؤسساتها الدستورية، قوية بشعبها، لأننا دائما نقول البناء البشري هو الأساس في قوة الدولة، فأنت تحتاج إلى أن تتخذ خطوات وتبني دولتك بشكل صحيح حتى تُضعف التهديدات الإقليمية والدولية وهذا غير ممكن إلا إذا كان صانع القرار لدينا، يحترم أولا التخصص في اتخاذ القرار الاقتصادي، ويحترم أولويات بناء الدولة وتطويرها. ويبعدها عن الصراعات الإقليمية.

من دون ذلك سوف يبقى الاقتصاد هشّا، ونظام الحكم هشا، وسوف تبقى ارتدادات التهديدات الإقليمية والأزمات العالمية كبيرة جدا على العراق.

كيف نفهم المشكلة الاقتصادية؟

- الأستاذ خليفة التميمي:

الاقتصاد بصورة عامة يوضح المشكلة الاقتصادية التي تعني بأن الإنسان يحتاج إلى حاجات، والموارد تكون محدودة، وهناك تفاصيل في السياقات النقدية والمالية التي تخص الأجور وإلى آخره....

العراق جزء من هذا المجتمع الدولي، يؤثر ويتأثر، في حالة الحروب والأزمات، لكن نحن لدينا استثناء، أعتقد قبل كذا سنة استضاف هذا المركز الدكتور حيدر طعمة، وكان يتحدث عن جولات التراخيص وقال بأن هذه الخطوة جبارة اتخذتها الحكومة العراقية من أجل أن يتحسن الاقتصاد العراقي.

فقلنا له من وجهة النظر الإعلامية ولا دخل لنا في الاقتصاد، نحن نلاحظ أن هذه الخطوة فيها ضرر، لأن السوق في صعود ونزول من حيث الأسعار، ثم أننا غير بتحكمين بنفطنا، وكذلك اقتصادنا، بالإضافة إلى القيادة الاجتماعية أيضا غير متحكمين بها. 

لأن الهيكلة الاجتماعية تحتاج أن يكون كل مواطن عراقي في سن الخصوبة لابد أن تخصص له وظيفة وفي نفس الوقت الفعالية الفكرية، كل إنسان لديه قدر من التفكير وقدر من الثقافة يجب أن يأخذ مكانه الحقيقي في النهضة الإدارية الموجودة في البلد. 

النتيجة أنه لا هذه الهيكلية موجودة ولا الاقتصاد توجد لنا سيطرة عليه، ولا النماذج الفكرية المتقدمة المثقفة تأخذ دورها في تصحيح المسار، الأموال العراقية أظن مرتبطة بالدولار الأمريكي أو أموالنا تذهب إلى أمريكا وهي تعطينا ما يشبه (المصروف) الذي لا يكفي النفقات المتزايدة، بدليل إذا توقفت لشهر واحد لن تكون هناك وظائف، وسوف تنشأ لنا أزمة جديدة ومشكلة جديدة.

المجتمع العراقي كأنه يعيش اليوم فيما يشبه اقتصاد الحرب، وسوف يكون أشباه بتجمعات أو فصائل مسلحة، هذه الفصائل تريد ما يسمى في الاقتصاد أمورا (مخزنية)، يعني يحتاجون مخازن بشرية، ويجندون طاقات، وهذه الطاقات تأخذ المثقف وغير المثقف، لأنهم يحتاجون إلى جندي مقاتل، وهكذا تُنزف العقول والإرادات، كذلك هناك حاجة للمخازن المالية لأن هؤلاء يريدون رواتب، سواء يؤدي الواجب أو لا يؤديه لكنه في نهاية الشهر يستلم راتبه.

وهذا فيه ضغط كبير على الدولة، كذلك هنالك حاجة إلى مخزن تنظيمي، أنه نحن لماذا قمنا بتأسيس هذه المجاميع، ولماذا تُقام دولة إزاء الدولة، وإلى أين نريد أن نصل؟

بما أنه لا توجد إجابات عن هذه الأسئلة، فيبقى العراق الاقتصادي هشا والمجتمع العراقي هشا، والمستقبل لا يبشر بالخير لأنه أمرنا ليس بأيدينا.

عقم الاقتصاد العالمي

- الشيخ مرتضى معاش: 

المواضيع الاقتصادية أكثر استراتيجية من المواضيع السياسية كون المواضيع السياسية متغيرة جدا، وتغيرها ينبع من تأثرها بالمتغيرات الاقتصادية بشكل اساسي.

بالنسبة إلى قضية الأزمات العالمية المالية، هل التهديدات الجيوسياسية هي التي تؤدي إلى الأزمات المالية العالمية؟، أم أن الأزمات المالية العالمية هي التي تؤدي إلى فوضى جيوسياسية، او احتجاجات شعبية أو مشاكل اجتماعية؟ حسب الظاهر إن الأزمات المالية هي اقتصادية، وهي التي تتسبب بمختلف الأزمات، والسبب في ذلك عقم الاقتصاد العالمي بسبب فشل النظرية الغربية الرأسمالية، التي هي بالنتيجة أفضل شيء وصل إليه البشر لكنها تحمل في باطنها الكثير من المشاكل والأزمات.

وسبب فشلها أنها تعتمد على جوهر أساسي في عملها وهو الربا، بما يسمى بأسعار الفائدة، وهي جوهر وسبب كل المشكلات الموجودة في الاقتصاد العالمي، فرفع أسعار الفائدة بالنتيجة يؤدي إلى الركود التضخمي، وخفض أسعار الفائدة يؤدي إلى التضخم، الذي يتسبب بمشكلات كبيرة منها ارتفاع تكاليف المعيشة ومخرجات ذلك هو البطالة، وفقدان الوظائف يؤدي بالنتيجة إلى تهديدات جيوسياسية، منها حروب تجارية واحتجاجات شعبية وانتخابات شعبوية وصعود للتيارات المتطرفة.

والأزمة المالية العالمية المستمرة منذ سنة 2008، هي من نتاجات العولمة ولا زالت مستمرة في مخاضاتها لحد الآن، فقطار العولمة شمل العالم باقتصاد متكافل، يعتمد على سلاسل الإمداد والتوريد، فأصبح الاقتصاد العالمي متشابكا جدا. لكن الذي استفاد من هذا الاقتصاد هو الصين أولا، باعتبار وجود اليد العاملة الرخيصة جدا، فهي أكبر يد عاملة رخيصة في العالم، وأيضا استفاد اصحاب الشركات الكبرى الذين ازدادوا ثراء وغنى بسبب الأيدي العاملة الرخيصة، فالعمالة الرخيصة أدت إلى ركود الاقتصاد الياباني.

فاستفادت الشركات الامريكية من العمالة الرخيصة في الصين، لكن هذا الأمر أدى إلى أزمة في أمريكا، حيث أصبحت لديها بطالة مقنعة، مثل البطالة المقنعة في العراق. والفرق بينهما، هو أنهم في امريكا يعتمدون على الريع الدولاري وفي العراق يعتمدون على الريع النفطي.

بالنتيجة الآن المشكلة التي وقع فيها الأمريكيون فاضطروا إلى رفع أسعار الفائدة بعد انتهاء جائحة كورونا، لكي يوقفوا عملية التضخم، ومن أسباب رفع أسعار الفائدة ميزان العجز التجاري، فأمريكا قبل ظهور الصين كانت أكبر مصدر في العالم، وبعد أن ظهرت الصين أصبحت أمريكا مستوردة، حيث تعتمد أمريكا على البضاعة الصينية الرخيصة جدا والتي يستفيد منها الشعب الأمريكي حاليا، ولكن هذا الأمر غير جيد بالنسبة لاقتصاد أمريكا بعيد المدى، لذلك رفعوا أسعار الفائدة، والان يريدون وضع ضرائب على البضائع الصينية، ليس لحماية الاقتصاد الأمريكي، فهذه الفكرة خاطئة، وإنما لخفض الاستهلاك، فالاستهلاك الأمريكي العالي جدا بسبب رخص البضاعة الصينية يؤدي إلى التضخم وانخفاض الإنتاجية المحلية وازدياد البطالة.

فالهدف هو خفض الاستهلاك الأمريكي للبضاعة الصينية الرخيصة بالقياس إلى أسعار السلع الأمريكية، وهذا يوجه ضربة إلى الصناعة الأمريكية.

وبخصوص الانتخابات الامريكية فان الصراع اقتصادي، فإن الحزب الديمقراطي يريد رفع أسعار الفائدة بينما الحزب الجمهوري بقيادة ترامب يريد أن يخفض الفائدة، لأن القضية شعبوية، فخفض الفائدة يستفيد منها الشعب الأمريكي، والأسعار المرتفعة للفائدة تستفيد منها النخب.

بالنسبة إلى يوم الاثنين الأسود فهو أدى إلى أن الشركات التكنولوجية التي تسمى بالشركات السبع العِظام، وسببها الرئيس فقاعة الذكاء الاصطناعي، حيث أدت إلى خسارة 3 ترليون دولار من قيمتها، قيمة الأسهم، وأباطرة الشركات خسروا 93 مليار دولار من أصولهم، الفقاعة موجودة وهي مثل القمار، في يوم ما تنفجر الفقاعة، فتقرير الوظائف الأمريكي فجر الفقاعة لكنهم تداركوها فرجعت الأسواق إلى وضعها لكن الأزمة لا تزال موجودة.

نعم الأزمة موجودة وقد يحدث في يوم ما انهيار مفاجئ، والذي يحمي الأمريكان من هذه المشكلة، أن الدولار يبقى هو الحاكم، وهم يمسكون بزمام الاقتصاد العالمي أو بالحركة المالية العالمية.

الاقتصاد العراقي مرتبط بالحماية الأمريكية، فما دامت الحماية الأمريكية موجودة، يبقى الاقتصاد العراقي بخير، لأن كل شيء يأتي عن طريق القناة الدولارية، وفي أي دولة في العالم لا يوجد عندها حماية اقتصادية يكون فيها ازمة مالية، فالصين عندها أزمة اقتصادية سببها انخفاض الطلب الأمريكي، أدى إلى انكشاف الأزمة المالية وانفجار الفقاعة العقارية وافلاس الشركات وأدى ذلك اللجوء إلى ملاذ الذهب.

فالاقتصاد العراقي محمي بحماية أمريكية، فما دام العراق مرتبط بالحماية الأمريكية لا توجد مشكلة، لكن بمجرد أن تنفضّ الشراكة أو تنفضّ الحماية سوف يسقط الاقتصاد العراقي، وليس الأمر له علاقة فقط بأسعار النفط، بل لأن مشكلة العراق هو الفساد المستحكم، وما دام الفساد مستحكما لا يوجد في العراق اقتصاد، الاقتصاد لا ينشأ في بيئة فيها فساد، لذلك نلاحظ أن دولا معينة انهارت عملاتها، لكن فقط الدول التي هي تحت الحماية الأمريكية بقيت عملاتها ثابتة مثل دول الخليج والعراق.

أما الدول الأخرى، التي ليست تحت الحماية الأمريكية فقد انهارت فيها العملات.

بالنسبة إلى المشكلة في العراق الآن، تتمثل بشيئين: 

أولا: البنى التحتية، التي التهمها الفساد فلا يمكن إقامة بنى تحتية، في ظل مقاولات فاسدة.

ثانيا: الحماية للملكية، فالملكية اليوم ليس فيها ضمان، فهناك استيلاء كبير على الممتلكات وخصوصا ممتلكات الدولة، من قبل قوى المحاصصة والإقطاعيات المسيطرة على العراق.

أما الحل فهو أولا يجب أن يصبح لدينا وعي اقتصادي، نحن لحد الآن معتمدين على الاقتصاد الريعي، وهذا معناه شراء الذمم، أن هؤلاء الناس يشتغلون عند الحكومة، والحكومة التي تمتلك النفط تكون متنعمة وتصرف للناس، والناس راضون على ذلك ما دام رواتبهم تُصرَف ولا توجد مشكلة في ذلك، فنحن نقبل بهذه الحكومة، هذه هي المشكلة الأساسية لذا نحتاج إلى وعي اقتصادي بعيد المدى.

ماذا ستفعل الأجيال القادمة، كيف ستعيش وتحصل على رواتب، توجد لدينا سياحة عظيمة في العراق، توجد آفاق اقتصادية كبيرة جدا في العراق، وليس النفط وحده، هذه الأمور كلها تحتاج إلى تفكير ووعي اقتصادي، أما التفكير المهيمن اليوم فهو استهلاكي، وليس هناك وعي في البناء والتأسيس، وبناء اقتصاد انتاجي للأجيال المقبلة.

أسباب حدوث انهيار في البنوك

- الأستاذ أحمد جويد: 

 الورقة في بدايتها ذهبت إلى مواضيع عسكرية ومواضيع سياسية، بمعنى أننا لم نعرف أن هذه التهديدات الإقليمية والأزمات العالمية هي أزمات عسكرية أم أزمات اقتصادية، في هذه النقطة حدث نوع من الخلط في هذا الموضوع، الورقة لم توضح هذا الجانب.

ذهبت أو إلى قضايا عسكرية، ثم دخلت في صلب الموضوع، لو أننا نلاحظ الأزمات المالية أو الاقتصادية، ربما عايشنا تجربة 2008 وارتباطها بالاقتصاد العراقي، فالعراق من الدول التي استفادت من هذه الأزمة، ولم تتأثر بتداعيات هذه الأزمة لأن اقتصادها كان ريعيا، ويعتمد على بيع النفط، وأسواق النفط لم تتأثر بالأزمة.

أما بقية الدول التي تعتمد اقتصاداتها على الضرائب والربا، بمجرد أن توقف تسديد الضرائب وحدث عجز عند المواطن، فحدث انهيار في البنوك، لكن الاقتصاد العراقي لم يتأثر، بينما أمريكا ودول عظمى تأثرت بذلك.

في الأزمات العسكرية أيضا نلاحظ أن كل أزمة عسكرية تحدث ترتفع أسعار النفط، وفي هذه الحالة الاقتصاد العراقي أيضا ربحان، حتى منافذ بيع أو تسويق النفط العراقي عبر الخليج، فتوجد عنده بدائل وخيارات أخرى عبر الشمال وعبر تركيا.

في كل الأحوال الاقتصاد العراقي يستفيد من الأزمات الدولية، إلا إذا كانت أزمة مرتبطة بالركود العام، مثل كورونا التي تسبب في ركود عام، لدرجة أن الجميع لا يستخدم النفط، لكن إذا اصبحت هناك تهديدات ومناطق نفط أصبح فيها توتر مثل حرب روسيا وأوكرانيا، لذا أعتقد أن الاقتصاد العراقي بخير.

وإذا تخلص الاقتصاد العراقي من الفساد وبدأ بتطوير الصناعة في الداخل هذا أفضل، لأن الدولار عندما يدخل للعراق نتمنى أن يبقى داخل العراق ولا يخرج خارج العراق، لأن الدولار الذي نحصل عليه عبر النفط نعيده للخارج كي نلبس به (جوارب)، فإذا كان القطاع الزراعي والصناعي مبني جيدا يمكن أن يبقى الدولار النفطي داخل العراق ويتم توطين الدولار.

فيصبح الاقتصاد أقوى، أما إذا كنا نعتمد العمالة بشكل شرعي وليس العمالة غير الشرعية، واستفدنا من هذه اليد العاملة الرخيصة في الصناعة، من الممكن أن يقوى الاقتصاد العراقي، وهناك دول تحدث فيها أزمات فيحدث فيها ركود، كما حدث في سوريا، السوريون (الأيدي العاملة) توجهوا للعراق ومنهم أيدي عاملة ماهرة.

هناك قضايا كثيرة يمكن للعراق أن يستفيد منها، لكن إذا دخل العراق كطرف في هذه الأزمات ففي هذه الحالة يتعرض الاقتصاد العراقي إلى الخطر.

العراق ممر لكل الأزمات

- الدكتور خالد الأسدي:

 من خلال المداخلات ومن خلال الورقة التي قرأها الأستاذ الباحث حامد الجبوري، العراق كما تعرفون هو ممر لكل الأزمات ولكل الحروب، فكل حرب أما تبدأ في العراق، أو تمر فيه، ولذلك فإن العراق معرض لكل الأزمات حقيقة، وكما رأيتم بأن كورونا في أول ظهورها لمسنا وجودها بالعراق في البداية.

لذلك هو متأثر بكل التهديدات الاقتصادية الإقليمية والمحلية والعالمية، ويتأثر بها تأثرا مباشرا، وهذا يتبين من خلال السوق، حيث يرتفع السوق بشكل مباشر، وحتى السلع والمواد تقل في العراق، هذا من باب التأثيرات على العراق.

أما من باب السبل التي تجعلنا نتجنب هذه الأزمات، فيجب تحرير الاقتصاد العراقي أولا من المحاصصة، لأنه كما تعلمون أن كل شيء في العراق خاضع للمحاصصة، حتى الاقتصاد العراقي اليوم هو في أيدي الأحزاب، نقولها بملء الفم، هم الذين يتحكمون بالقضايا الاقتصادية، بدءا من العملة الصعبة (الدولار) والمصارف، فالاقتصاد كله بأيديهم. 

إذا تحرر من سيطرتهم، في ذلك الوقت نستطيع أن نقول بأننا سنبني (وليس بنينا) سنبني اقتصادا ليكن ريعيا قبل أن يكون قويا، فالحقيقة إذا استطعنا تحرير الاقتصاد من سيطرة المحاصصة، سيكون الاقتصاد العراقي بخير. 

سياسة ريعية في مواجهة الأزمات

- الأستاذ محمد علاء الصافي:

ليس هناك إجراءات قد تحد من التأثيرات الإقليمية والعالمية التي من الممكن أن يتأثر بها الاقتصاد العراقي، لأن الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها، تقريبا سياستهم واضحة وهي سياسة واحدة، ولم تتغير وهي سياسة ريعية في مواجهة الأزمات.

السياسة الريعية إذا استمرت وحدث انخفاض في سعر النفط عن الحد المقرر الموضوع في الموازنة العامة، التي يكون أكثر من 80% منها مخصص للموازنة التشغيلية، فبالنتيجة حتما سيأثر، بل ليس يتأثر فقط، وإنما قد ينهار.

الاقتصاد العراقي اليوم يعتمد تماما على الإجراءات الريعية، فلا الحكومة الحالية، ولا الحكومات التي سبقتها ولا أهل الاقتصاد وخبراء الاقتصاد لهم أصوات مسموعة عند الحكومة العراقية، فالحكومة العراقية تأتي لتتوج عمل اقتصاديات أحزاب مرتبطة بكراسي ومقاعد في مجلس النواب، للحصول على أصوات انتخابية في الشارع.

بالنتيجة فإن مواجهة الشارع أو الشعب العراقي بحقيقة واقع الاقتصاد الضعيف، وبحقيقية كيفية بناء اقتصاد صحيح غير مثقل بالوظائف الحكومية، مثل على المدى القريب، أما على البعيد فإن هذه السياسة سوف تفقدهم أصوات كثيرة انتخابية، وبالنتيجة هذا الأمر يؤثر على وجودهم وعلى استمرارهم في السلطة.

فأعتقد أن السبل اللازمة غير متوفرة لمواجهة التحديات التي تحيط بالاقتصاد العراقي كما ذكر المتداخلون، حيث يقال أنهم مجرد محميين بالغطاء الأمريكي، وفي حال يُرفع هذا الغطاء الأمريكي عنهم وعن حكومات أخرى في المنطقة سوف نشهد انهيارهم السريع.

كيف يتأثر الاقتصاد العراقي؟، بالنتيجة كما ذكرنا يتعرض لنفس المعادلة، أنا شخصيا لا أعتقد يوجد اقتصاد في العراق، وإنما هناك اقتصادات حزبية مسيطرة على السوق في العراق، سواء على مشاريع اقتصادية، أو مولات، أو عقود حكومية ومقاولات، بمعنى تنفيذ مباشر لبعض المشاريع، هذا هو نوع الاقتصاد الموجود، أما بقية ما نشاهده في العراق فهو ذا طبيعة استهلاكية قياسا لدول قريبة منا أو شبيه لنا جيد لأننا نحن سوق استهلاكي لهذه الدول، لذلك ربما هم يحرصون أكثر منا على أن يكون العراق دولة مستقرة ودولة آمنة بحيث يكون وسيلة لتصريف منتجاتهم. 

الاقتصاد العراقي بلا هوية

- الأستاذ باسم حسين الزيدي:

نحن نذهب إلى المشكلة الحقيقية، ودائما نطرح هذا السؤال ولكن لا نجد له إجابة، والذي هو سبب أزمة الاقتصاد العراقي، كما أشار الأستاذ أحمد جويد، فلو أن العراق أعلن اليوم نفسه كدولة سويسرا، وأنه لا يدخل تحالف مع أي دولة، فيمكن في كل أزمة سياسية أو اقتصادية سوف تنعكس إيجابا علينا.

فيكون العراق ملاذا آمنا للتهريب ولأموال الغسيل، لذا فنحن مهما بقينا نحوم حول المشكلة سوف نرجع إلى السبب الرئيس وهو أن الاقتصاد العراقي بدون هوية. 

الاقتصاد العراقي متجذر في عملية التشويه، يعني أنا سألت الكثير من الاقتصاديين، حول هوية الاقتصاد العراقي، هل هو مثلا ريعي، أم مركزي، أم أبوي، أم حر، هل هو رأسمالي، أم اشتراكي؟، لأم هو خليط من كل هذه الهويات.

إذن نحن أزمتنا الحقيقية هي أزمة اقتصاد مشوه، هذا الاقتصاد يعاني معاناة صعبة جدا، فقد تكون الحكومة الأمريكية، أو الدولار، أو النفط هو الذي يمنع السقوط المدوي لاقتصادنا، أو النهائي والحتمي، هذا هو ما يؤخر السقوط، وهذا هو السبب نفسه الذي منع الاقتصاد العراقي من أن يكون جزءا من الاقتصاد العالمي.

 بمعني استمرارية عملية التشويه هذه، وعدم محاولة حلها، هو الذي يمنع استقرار الاقتصاد العالمي، ويكون اقتصادنا جزء من الاقتصاد العالمي لأنه كما يعرف المختصون هو اقتصاد خبير له سنوات من الخبرة المتراكمة، والعمل الفني القائم على أسس فنية صحيحة، فعندما يريد أن يكون العراق جزء من هذا الاقتصاد فيحتاج إلى سلسلة متواصلة من العمليات لها بداية وليس لها نهاية.

مثلا يحتاج إلى عمليات لتغيير القوانين والأنظمة، والبنى التحتية حتى يندمج مع الاقتصاد العالمي، لكن المشكلة أننا حتى هذه اللحظة، لا الاقتصاديون ولا الحكومات المتعاقبة ولا الخبراء يعترفون بهذه المشكلة، مثلا يقول إن أزمتي ليست خارجية، وهي ليست تهديد خارجي وإنما أزمتي هي داخلية أي تنبع من الداخل.

أبسط مثال على هذا الأمر نلاحظ قرارات مجلس الوزراء التي تصدر مرة بالأسبوع أو مرتين، ترفع أسعار الجمارك أو قلل أسعار الجمارك، ضع الضرائب، إلغ الضرائب، امنح التعيين وأوقف التعيين، احمِ المنتج الفلاني وارفع الحماية عن المنتج الفلاني، يعني أنظمة عشوائية أينما ذهبت، فخبراء الاقتصاد يشخصون العلل بطريقة أفضل.

فنحن متى استطعنا الإجابة عن هذا السؤال، ومتى استطعنا أن نحدد هويتنا وبنيناها وفق ضوابط صحيحة وعلمية، واستطعنا أن نشتبك مع الاقتصادات العالمية، فاقتصادنا سوف يكون أفضل اقتصاديات المنطقة، ولا نحتاج إلى حماية أمريكا ولا إلى النفط ولا غيره.

الاقتصاد العراقي والأزمات الإقليمية

- الأستاذ حسين علي حسين:

بما أن الموضوع مرتبط بالاقتصاد العراقي والأزمات الإقليمية والعالية، فإن أقرب أزمة هي التي حدثت في البنك المركزي الياباني حيث أول خطوة قام بهاذ هذا البنك هي رفع نسبة الفائدة من 0.1 إلى 0.25، وهذا كان مصحوبا بارتفاع التضخم ونمو الين مقابل هبوط الدولار، فارتفاع الفائدة في اليابان أدى بالمقابل إلى ارتفاع الين وهبوط الدولار، وهذا أول أثر ممكن يؤثر على العراق باعتبار أن العراق دولة لها علاقة بالدولار وليس بالين.

الجانب الثاني يتعلق بالأوراق المالية حيث انعكس على ارتفاع نسبة الفائدة على هبوط مؤشر الذي أشار إلى انخفاض الأسهم اليابانية.

المحور الثالث هو محور البطالة، حيث أشار تقرير ضعف الوظائف إلى ارتفاع معدل البطالة في أمريكا، وارتفع إلى 4.3، بعد أن كان 4.1، هذا الارتفاع أدى إلى تحرك في البورصة الأمريكية والبورصة العالمية، بينما في العراق نلاحظ لا يوجد فيه حل بالنسبة للبطالة مع العلم أن النسب فيه أعلى.

المحور الرابع، هو سوق العملة، حيث انخفضت مؤشرات الأسهم العالمية وهبط كل من الدولار واليورو بنسبة 2% مقابل الين الياباني,

المحور الخامس المالية السلوكية، بحيث تؤثر تداعيات السوق في إحداث مخاوف حول نسبة ركود الاقتصاد الأمريكي بعد البيانات الصادرة من سوق العمل الأخيرة.

وأخيرا هو الوضع الاقتصادي العربي بصورة عامة وتأثيراته على الاقتصاد العراقي.

الدولة قادرة على مواجهة الأزمات

وفي الختام اشار الباحث حامد الجبوري الى ان الأزمات تخدم الاقتصاد العراقي، وحول ما ذكره الدكتور خالد العرداوي حول أن الدولة سوف تكون قادرة على مواجهة الأزمات، لكن أنا أعتقد أن القوة هي في المرونة وليس في الصلابة، لأن الصلابة تؤدي للكسر بينما المرونة قادرة على استيعاب الصدمة والتعامل معها، القوة في المرونة وليس في الصلابة، مثلا هو مرن في الاستجابة للأزمة والتعامل معها سوف يكون الخروج من هذه الأزمة بشكل أسرع.

حول الحماية الأمريكية للاقتصاد العراقي وذكر أن شركات التكنولوجيا هي التي أدت إلى انتهاء الأزمة، هناك توضيح لهذه النقطة فهذه الشركات اشتغلت على عامل التوقّع، فالذكاء الاصطناعي هو الذي سيقود اقتصاد المستقبل ولذلك هذه الشركات أخذت أغلب استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي. 

لكن بالمقابل لا يوجد مردود سريع ولذلك أحد أصحاب الشركات باع شركته بقيمة أكثر من 200 مليون دولار وهذا يدل على أن هذا النوع من الاستثمارات لا يوجد فيها جدوى، ولذلك سحبت استثماراتها مع زيادة في الأسهم وانخفاض الأسعار ولذلك حصلت هذه الأزمة. 

بالنسبة للحماية الأمريكية للاقتصاد العراقي، أتوقع أن أغلب المتداخلين ذهبوا باتجاه العملة، الحقيقة إن العملة تعطي أو تمثل إشارة معينة على قوة الاقتصاد أو ضعفه، لكن الحقيقة أن الاقتصاد هو الذي يعبر عن قوة العملة حتى لو كانت ضعيفة، على سبيل المثال الاقتصاد الصيني قوي لكن عملته اليوان منخفضة فهل يدل انخفاض اليوان على ضعف الاقتصاد الصيني، بالتأكيد لا، إذن هذا ليس قياسا ثابتا بأن انخفاض العملة هو دلالة على انخفاض قوة الاقتصاد، الموضوع هو حماية العملة فقط.

عندما تحدث أزمة ترتفع أسعار النفط ومن المؤكد سوف يستفاد الاقتصاد العراقي من ذلك، لكن في المقابل هذه الأزمة دائما يعقبها انخفاض حاد، وهذا يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط وانخفاض الإيرادات النفطية وانخفاض الانفاق، نعم الاقتصاد العراقي يستفاد من الأزمات لكنه في المقابل يتأثر أيضا فيحدث هنا نوع من التكافؤ.

أما حول موضوع هوية الاقتصاد العراقي فهناك قسم من الاقتصاديين يقولون إن هوية الاقتصاد العراقي هي هوية نفطية، لكن المأمول دائما من الاقتصاد أنه يبحث عن نوعية جيدة من السلع، وبالمقابل تكون الأسعار منخفضة أو أسعار معقولة، هذا هو ما يبحث عنه أي نظام اقتصادي، لكي يستفاد المجتمع ويكون الاستثمار أيضا أنسب للموارد واقتصاد السوق هو الذي يحقق هذه المعادلة.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2024

www.fcdrs.com

اضف تعليق