ولن يؤدي انتشار صحافة المواطن أو الهواة إلى اختفاء مهنة الصحافة، فبالرغم من سرعة نقل الأخبار من خلال استخدام الهواتف الذكية، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن كثيرًا من هذه الأخبار غير دقيقة، وبعضها مزيف، ما جعل الكثير من الصحف تلجأ إلى إضافة مهنة جديدة، تُسمى بالمدقق...
يقال “إن لكل عصر وسائل إعلامه وتواصله”، فطبيعة شبكة الأنترنت التي تتميز بالآنية والسرعة في نقل المعلومات، جعلتها الوسيلة الأمثل للتواصل، بالإضافة إلى ما توفره من سهولة الاستخدام دون أن يكون للمستخدم خبرات تقنية عالية. كذلك يعتمد الإعلام الإلكتروني على وسيلة جديدة من وسائل الإعلام الجديد، تتمثل في الدمج بين كل وسائل الإعلام التقليدي، بهدف إيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة ومؤثرة، وتتيح شبكة الأنترنت للإعلاميين فرصة كبيرة لتقديم موادهم المختلفة بطرق مبتكرة.
يؤكد الدكتور خالد محمد غازي في كتابه الجديد “صناعة الكذب.. كيف نفهم الإعلام البديل؟” (وكالة الصحافة العربية – ناشرون) أن الناس أصبحوا يتعاملون مع المصادر الإخبارية على الأنترنت مباشرة، ويشاركون في تدفق المعلومات سواء كانت كاذبة أو صادقة. فنحن في عصر صار فيه كل مَن يحمل هاتفًا جوالًا أو لوحة مفاتيح محللًا ومخبرًا صحافيًا.
ولا يقتصر الأمر على هذه الفئة ممن نحب نحن -أهل المهنة «التقليدية»- أن نسميهم «هواة الإعلام» لقد بلغ الأمر حدًا بالقادة والرؤساء أن أصبحت لهم منابر على «تويتر» و«فيسبوك» و«انستجرام » تغنيهم عن مغازلة الصحفيين والتقرب منهم، لكسب ودّهم وإيصال ما يريدون أن يسوّقوا له من أخبار ومعلومات.
ولن يؤدي انتشار صحافة المواطن أو الهواة إلى اختفاء مهنة الصحافة، فبالرغم من سرعة نقل الأخبار من خلال استخدام الهواتف الذكية، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن كثيرًا من هذه الأخبار غير دقيقة، وبعضها مزيف، ما جعل الكثير من الصحف تلجأ إلى إضافة مهنة جديدة، تُسمى بالمدقق مهمته تقييم دقة المعلومات وصحتها.
وقد ذهب المحلّل الألماني الأمريكي”ياشكا مونك” منذ سنوات إلى أن صعود الإنترنت والإعلام الاجتماعي سيؤثر إيجابًا على الثقافة والنظام السياسيين. واستشهد بلاري دايموند، الكاتب الأمريكي، الذي كتب عن «تكنولوجيا التحرير»، في تلاعُب ضمني على تعبير «لاهوت التحرير»، بأنّ الأدوات الرقميّة الجديدة ستمكّن المواطنين من نقل الأخبار، وكشف الأفعال الخاطئة، والتعبير عن آرائهم، وتعبئة الاحتجاج، ومراقبة الانتخابات، والتدقيق في أعمال الحكومة، وتعميق المشاركة، وتوسيع آفاق الحريّة.
بعده كتب “نيكولاس كريستوف” في «نيويورك تايمز» عن «عصابات الحكومات التي تطلق الرصاص» مقابل «مقاومة الشبّان الذين يطلقون التغريدات».
نحن إذن حيال «قوّة التنظيم دون تنظيمات»، والحقيقة أن سطوة وتأثير الإعلام دائمين، ففي العالم العربي سبق أن رأينا كيف تتوازى مراحل تاريخيّة كبرى مع تطوّرات إعلاميّة كبرى: الراديو واكبَ الاستقلالات، والترانزيستور رافقَ المرحلة الناصريّة، والتلفزيون كان توءم الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى، ثمّ حرب تحرير الكويت، وأطباق الدش لازمت فقدان الدول وإعلامها كلّ مصداقيّة.
لكنّ اجتياح الإعلام الاجتماعي يبدو جزءً من اجتياح «الجديد» الغامض والمتناقض الذي تنتجه التقنيّة والاجتماع معًا، على الأصعدة جميعًا، وبسرعة لا سابق لها في التاريخ كلّه.
ومن المعروف أن الإعلام الآن، يعيش في عصر ما يُسمى اصطلاحًا بالتقارب أو “Convergence”، وهو مصطلح يعني “استخدام نقاط القوة لوسائل الإعلام المختلفة، للوصول إلى جمهور أوسع، وعرض الأخبار بطرق جديدة”، فهو تنسيق بين وسائل الإعلام المختلفة من مطبوعات، وإعلام مرئي، ومسموع، وإلكتروني، بشكل تكاملي، يحفز على التجديد، ولا يعنى إلغاء وسيلة إعلامية للأخرى، فالإعلام الجديد لن ينهي الإعلام التقليدي، ولابد من التكامل والتفاعل، فانتشار الصحافة الرقمية لن يؤدي إلى اختفاء الصحافة الورقية.
عقلية الجماهير
ويرى الأكاديمي الألماني “أوتوجروت” أن الإعلام هو “التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه”، وهذا تعريف لما ينبغي أن يكون عليه الإعلام، ولكن واقع الإعلام قد يقوم على تزويد الناس بأكبر قدر من المعلومات الصحيحة، والأخبار والمعلومات الصادقة التي تنساب إلى عقول الناس، وترفع من مستواهم ويخاطب العقول لا الغرائز أو هكذا يجب أن يكون.
ويرصد الدكتور خالد غازي في كتابه بعض جوانب التداخل والتكامل بين الاعلام التقليدي والاعلام الجديد :
الجانب الأول، التكاملية الوظيفية: والمقصود بها أن كلا من الإعلامين اشتغل على وظيفة معينة تكمل الوظيفة التي يقوم بها الإعلام الآخر. فالإعلام الجديد؛ نظرًا لاعتماده على الهواتف المحملة بالكاميرات الشخصية، يستطيع أن يسجل الأحداث على الأرض مباشرةً (zoom-in) ثم يبثها “أونلاين” سواء للآخرين أو لمواقع إلكترونية، وحتى لقنوات تلفزيونية. كما شهدنا خلال الانتفاضات العربية، حيث كانت قنوات إخبارية كبرى، مثل: الجزيرة تقوم بعرض ما يصلها على الشاشة الكبيرة وتنقلها لمئات الملايين من المشاهدين في العالم (zoom-out). ففي حالات كثيرة لم تستطع التلفزيونات الكبرى الوصول إلى أماكن الأحداث، إمّا بسبب التضييق الأمني أو بسبب سرعة إيقاع الحدث، عندها كان الإعلام الاجتماعي هو الذي يقوم بالمهمة.
والجانب الثاني، يتعلق بالحراك والتعبئة ويعكس مرونة الحركة والقدرة الفائقة على النشر والاستدعاء وهنا يتحرك الإعلام الجديد من مكان إلى مكان بسهولة وسرعة.
أما الجانب الثالث، فهو الشمولية والمقصود أن الإعلام الجديد بسبب توفره في أيدي الجميع. قد تمكن من القيام بتغطية إعلامية شاملة للأحداث التي تقع ضمن الانتفاضة الشعبية وفي كل المدن والقرى.
والجانب الرابع، يتمثل في القدرات المادية وهنا تمتاز أدوات الإعلام الجديد برخصها النسبي وإمكانية امتلاكها من قبل معظم شرائح المجتمع. إضافةً إلى ذلك فإن غالبية الشرائح الشبابية متواصلة بواسطة الإنترنت وتمتلك حسابات على الفيسبوك أو تويتر، وهذا كله لا يحتاج إلى موارد مالية غير عادية.
والجانب الخامس، هو القدرة على تجاوز الرقابة، فالواقع الافتراضي تصعب السيطرة الأمنية عليه بخلاف الإعلام التقليدي.
كل هذه الجوانب وغيرها، يعرض لها الكتاب عبر فصوله في هذا الموضوع الحيوي المتشعب في جوانبه، ولم يغفل الحديث عن المدونات باعتبارها أحد أهم تجليات الإعلام الجديد، كذلك توقف الكتاب عند أخلاقيات الإعلام الجديد ومسئولياته، وأثار نقطة فارقة غالبًا مما تمثل أحد أشهر الاتهامات التي يتم إشهارها في وجه الإعلام الجديد، وتلك هي المتمثلة في استفادة الجماعات الإرهابية منه، ويرى الكتاب بأن دور وسائل الإعلام في مكافحة الإرهاب يتحدد من خلال التعامل بمهنية مع الظاهرة الإرهابية وليس الحدث الإرهابي، وفى إطار الدور الحر والمسؤول للإعلام، والالتزام بأخلاقيات المهنة الإعلامية.
اضف تعليق