بعد مخاض متعثّر للدورة الـ50 لمعرض القاهرة الدوليّ للكتاب لعام 2019 بسبب نقل مكان انعقادها من مدينة نصر إلى القاهرة الجديدة، ما زالت الآراء متباينة حول مدى نجاح المعرض هذا العام، وحول مدى تحوّله من حدث ثقافيّ للمصريّين كافّة إلى حدث للأغنياء فقط. في عام...
بقلم احمد فؤاد
بعد مخاض متعثّر للدورة الـ50 لمعرض القاهرة الدوليّ للكتاب لعام 2019 بسبب نقل مكان انعقادها من مدينة نصر إلى القاهرة الجديدة، ما زالت الآراء متباينة حول مدى نجاح المعرض هذا العام، وحول مدى تحوّله من حدث ثقافيّ للمصريّين كافّة إلى حدث للأغنياء فقط.
في عام 2019، أتمّ معرض القاهرة الدوليّ للكتاب، المنعقد من 22 كانون الثاني/يناير وحتّى 5 شباط/فبراير، عامه الـ50، ورغم إنه قد بدا في ثوبه الأكثر أناقة بانتقاله من حي متوسط في القاهرة إلى حيها الأرقى، إلا إن البعض بدا لهم وكأنه خاليا من روحه أو ديناميكيته الشعبية المألوفة، وتشهد دورة المعرض الـ50 تراجعاً ملحوظاً في أعداد الزوّار، مقارنة بالأعوام الماضية وخصوصاً الدورة الـ49 لعام 2018، وفي الآن ذاته تشهد ارتفاعا ملحوظا في معدلات البيع والتوزيع.
ووفقاً لتصريحات صحفية لهيثم الحاج علي، رئيس الهيئة العامة للكتاب، يوم 28 يناير 2019، بلغ عدد زوّار معرض الكتاب خلال الأيّام الخمسة الأولى من دورته الـ50 حوالى مليون زائر، بينما بلغ عدد زوّار المعرض خلال الأيّام الخمسة الأولى من انعقاد الدورة الـ49 لمعرض القاهرة الدوليّ للكتاب في عام 2018 حوالى مليون و750 ألف زائر، ممّا يعني أنّ عدد زوّار المعرض تراجع في الأيّام الأولى له بنسبة 43% تقريباً.
وشهدت التحضيرات للدورة الـ50 للمعرض العديد من التوتّرات بين وزارة الثقافة ممثّلة بالهيئة العامّة للكتاب وبين العديد من دور النشر والمكتبات بسبب قرار الهيئة، في 13 أيلول/سبتمبر 2018، نقل فاعليّات المعرض من أرض المعارض في حيّ مدينة نصر في شرق وسط القاهرة إلى أرض المعارض الجديدة في حيّ التجمّع الخامس على أطراف شرق القاهرة.
وارتبط قرار نقل فاعليّات المعرض إلى التجمّع الخامس بعدد من القرارات التنظيميّة الأخرى التي أغضبت الناشرين والمكتبات، وتتعلّق بتنظيم دخول الكتب إلى المعرض خلال 5 ساعات فقط يوميّاً، بعدما كان دخولها مستمرّاً طوال اليوم وفي أيّ وقت خلاله، مع تخزين صناديق الكتب بواقع 3 صناديق في كلّ متر مربّع بحدّ أقصى داخل كلّ جناح، كما ارتفعت تكاليف إيجار المكتبات ودور النشر للأجنحة داخل أرض المعارض الجديدة، حيث تتّسم فيها مساحة الأجنحة بالاتّساع، مقارنة بأرض المعارض القديمة.
واستطاعت الهيئة العامّة للكتاب احتواء الأزمة خلال الأشهر الماضية من خلال التفاوض مع دور النشر الكبرى والأبرز في مصر، ليرتفع عدد دور النشر المشاركة في الدورة الـ50 للمعرض إلى 579، منها 62 داراً تشارك في المعرض للمرّة الأولى و517 دار نشر شاركت في دورات سابقة، إلّا أنّه غابت عن الدورة الـ50 للمعرض مجموعة هامّة وبارزة من المكتبات الشعبيّة، التي كانت تبيع الكتب المستعملة والأدوات المكتبيّة بأسعار رخيصة، وهي مكتبات سور الأزبكيّة والفجالة من القاهرة ومكتبات النبي دانيال من الإسكندريّة.
وأعلنت رابطة تجّار سور الأزبكيّة، في بيان لها في 26 أيلول/ديسمبر 2018، تأسيس معرض موازٍ لمعرض القاهرة الدوليّ للكتاب في منطقة الأزبكيّة في وسط القاهرة، ونشرت العديد من الصحف المصريّة والعربيّة العديد من التقارير عن إقبال الجماهير على معرض الأزبكيّة.
فهل تراجعت أعداد زوّار معرض الكتاب بسبب نقل مكانه إلى نقطة أبعد أم بسبب غياب تجّار سور الأزبكيّة وغيرهم من التجّار الشعبيّين عنه للمرّة الأولى في تاريخه؟
قال عضو اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب شوكت المصري لـ"المونيتور" إنّ الإقبال على المعرض كثيف ولا يشهد أيّ تدهور ملحوظ عن السنوات السابقة، وأضاف أنّه لا يمكن الحديث عن نجاح المعرض أو إخفاقه من خلال أعداد الزوار فقط لأن العديد من الزوار اعتادوا قصد المعرض في السنوات السابقة - عندما كان من الأسهل الوصول إليه - للتنزه فقط وليس لشراء الكتب، وأن المعيار الحقيقي لنجاح المعرض هو أرقام توزيع الكتب.
وتشهد تلك الأرقام نموا ملحوظا، حيث زادت مبيعات الهيئة العامة للكتاب خلال الأيام الخمس الأولى من الدورة الـ50 بنسبة 25% مقارنة بالأيام الخمس الأولى من الدورة الـ49، بينما زادت مبيعات دار المعارف، إحدى أكبر دور النشر في مصر، بمعدل 6 أضعاف مقارنة بالأيام الخمس الأولى من الدورة السابقة.
وأشار المصري إلى أنّ "أعداد الزائرين في زيادة يوماً بعد آخر بعد تداول الأنباء عن التنظيم المتميّز للمعرض وسهولة الوصول إليه عن طريق أتوبيسات الهيئة العامّة للكتاب المخصّصة للمعرض، بعكس ما كان يتوقّع البعض في البداية، كما أن التخفيضات الضخمة المقدمة من دور النشر عوضت غياب مكتبات سور الأزبكية الذي كانت العديد من مكتباته تسيء لصورة معرض الكتاب بسبب ما تحدثه من فوضى وبسبب بيع كتب مزورة تضر بمصلحة الناشرين الأصليين".
واتّفق معه في الرأي مدير دار مصر العربيّة للنشر والتوزيع وائل الملّا، حيث قال لـ"المونيتور" إنّ المعرض هذا العام جيّد للغاية وفاق كلّ التوقّعات المتخوّفة من نقله، مشيراً إلى أنّ هناك بعض الملاحظات التنظيميّة على المعرض، في ما يخصّ أسعار إيجارات الصالات ومساحتها شديدة الاتساع مقارنة بحجم الكتب المعروضة، إلّا أنّها تبقى في حدود المقبول ويمكن تداركها في الأعوام المقبلة، وأضاف أنّ توفير الهيئة العامة للكتاب بالتنسيق مع القوات المسلحة خطوط نقل للمعرض الجديد خطوة متميّزة جعلت المعرض الأفضل على مستوى العالم العربيّ.
كما أشاد بغياب تجار سور الأزبكية قائلا: "كافة المعارض العربية والعالمية لا يتواجد بها إلا الناشرين الأصليين أو أصحاب حقوق الملكية الفكرية ولا يتواجد بها تجار للكتب المستعملة أو المزورة مما كان يضر بالعديد من الناشرين في المعرض وخارجه".
إلّا أنّ مصدراً، فضّل عدم ذكر اسمه، في دار الرشاد المغربيّة للنشر، قال لـ"المونيتور" إنّ توزيعات دور النشر المشاركة في الدورة الـ50 لمعرض القاهرة الدوليّ للكتاب لا تكشف عن نجاح المعرض لهذا العام. وأضاف: "فعلى الرغم من فخامة القاعات والأجنحة الجديدة وتوفير الدولة مواصلات رخيصة إليها، إلّا أنّ ارتفاع تكاليف إيجار القاعات جعلت من المعرض معرضاً للمقتدرين فقط، لأنّ دور النشر اضطرّت إلى تقليل الخصومات على الكتب لتعويض ارتفاع تكاليف الإيجارات، ودور النشر القادرة على طرح خصومات قويّة هي وحدها المملوكة من الدولة".
وقال أحد تجّار الأزبكيّة سيّد درويش لـ"المونيتور" إنّ الهيئة العامّة للكتاب عندما وجدت الناشرين كافّة رافضين لمكان المعرض الجديد بسبب ارتفاع تكاليفه مع توقّعاتهم عدم إقبال الزوّار عليه، قرّرت إرضاء الناشرين الكبار بعدم منح تجّار الأزبكيّة أيّ تسهيلات في إيجارات القاعات أو العدد المتاح منها. وأضاف: "ممّا حرمنا من المشاركة في المعرض بينما بضائعنا هي البديل الوحيد الرخيص لكتب دور النشر الكبرى، وبالتالي تصبّ أرباح المعرض كلّها لدى الناشرين الكبار ويكون غيابنا بمثابة تعويض لهم عن تكاليف المعرض الجديد مع تراجع الإقبال عليه".
أمّا عزّة عبد الحميد، إحدى زائرات المعرض في يومه الرابع، فقالت لـ"المونيتور" إنّ معرض الكتاب شهد نقلة نوعيّة تنظيميّة بنقله إلى التجمّع الخامس، لافتة إلى أنّه من الطبيعيّ أن تتسبّب النقلة في ارتفاع بعض التكاليف وفي رفض بعض الزوّار "الذين سيعتادون على المكان الجديد شيئاً فشيئاً".
ودعت تجّار سور الأزبكيّة إلى الدخول في شراكات مع بعضهم البعض من أجل التواجد في المعرض المقبل، في ظلّ ارتفاع الإيجارات وقلّة عدد القاعات المتاحة، كما دعت الهيئة العامّة للكتاب إلى تقديم التسهيلات لتجّار الأزبكيّة لأنّهم البديل الاقتصاديّ الوحيد، في ظلّ غلاء الكتب، إلّا أنّها أشارت إلى أنّ غلاء الكتب لا يعبّر عن سعي الهيئة العامّة للكتاب إلى احتكار دور النشر الكبرى لمعرض الكتاب، كما يرى تجّار الأزبكيّة، وإنّما يعبّر عن حالة الغلاء السائدة في مصر منذ عام 2016.
اضف تعليق