يبلغ عدد المسلمين في العالم 1.6 مليار نسمة بحسب الإحصائيات الدقيقة.. وتصل نسبة المسلمين بين سكان الأرض الى 23%.. الدعاة المسلمون طالبوا بتوحيد هذا العدد الكبير للمسلمين.. وهو عدد آخذ بالتصاعد نعرف هذا عندما نرقب الخط البياني السنوي.. وهناك كتابات كثيرة ومؤلفات ناصعة تعود لسماحة الإمام السيد محمد الشيرازي.. يدعو فيها كل من ينتسب الى الإسلام أن يتوحد مع أخيه المسلم.. فيما سمّاه بـ الوحدة الإسلامية.
ولكن ما نوع تلك الوحدة.. ما طبيعتها.. أي الاشتراطات تحكمها.. أهي وحدة عددية لا غير.. أم أنها وحدة حضور ومصير؟.. هل هي وحدة قائمة على إلغاء الخصوصية الفرعية.. أم هي داعمة للتنوع العقائدي تبعا للمبدأ القائل: إذا اختلفت الآراء صحَّتْ؟.
المرجع الديني السيد صادق الشيرازي يقول بالحرف الواحد: التوحيد الديني لا معنى له أبداً.
ثم يردف سماحته هذا الرأي بآخر يرى فيه: أن لكل واحد له اعتقاداته التي يدعو لها.
ثم يؤكد المرجع الشيرازي فيما يُشبه الحثّ والتشجيع: فليدعوا كل واحد الى ما يعتقد به.. فللكل الحرية.
الى هذا الحد من المعنى المطروح في أعلاه.. ما الضير في اختلاف العقائد.. ولماذا لا نسمح بهذا الاختلاف الديني.. ثم أليس في تنوع العقائد والآراء نوع من الثراء الداعم للفكر.. وهو في الآخر يفتح نوافذ عديدة لمسالك عتيدة تمنح المسلم طريقة عيش فضلى.. إذاً لماذا نغلق أبواب التنوّع والثراء.. هل من الصحيح أن نعتقل جميع الآراء والعقائد الدينية ونلقي بها في بوتقة واحدة (زنزانة) ونصهرها كي تذوب في بعضها.. فيتم الإلغاء الديني كليّاً؟.
في مثل هذا القسر والإجبار أو الإكراه خسارة على مستوى تعدد طرائق العيش.. فيما الأجدى والأنصع أن يُسمَح بحرية العقيدة.. فلا أرقى ولا أجمل من تعدد ألوان الفكر والحياة.. حتى على مستوى التناسل البشري.. يُنصَح الرجال والنساء بالتزاوج من أنسال متنوعة.. لدرجة قيل أن الاقتران بقريبة أو قريب يقصر مزايا الجسد والروح في سلالة واحدة.. أما التزاوج بين غرباء أو من سلالات مختلفة فسوف يمنح النسل خصال وصفات روحية جسمانية تكمّل بعضها.. لتنتهي الى كيان بشري فائق الحضور والفعل.
هذا على مستوى الاختلاف الديني.. وثمة عندنا الاختلاف السياسي.. فهل يصح الاختلاف الأخير بين المسلمين.. إذا صح الاختلاف والتنوع العقائدي والفكري والديني.. هل ثمة فسحة للتعارض السياسي؟.. الجواب.. ما هو مسموح في الاختلاف الديني لا يجري على الاختلاف السياسي لسبب سنأتي على تبيانه.
إذا قلنا أن التنوع والاختلاف الديني يمنح المسلمين حرية أوسع.. وتعدد أرقى في التعاطي مع سبل حديثة مختلفة مغايرة لترميم أطر العيش بعقائد وأفكار محدثة.. فإن هذا - الداعم التنويعي- لا ينطبق على الاختلاف السياسي.. ذلك أن هذا الاختلاف سوف يكون مدعاة لإثارة الاحتراب وتأجيج الفتن واختلاق المآرب المتصادمة.. هكذا تستعرّ حالات الاصطدام فتنتهي الى التقاتل الإسلامي الإسلامي.. وهذا هو عيب الاختلاف في السياسة.
على العكس تماما.. فالمبتغى هو وضع المضادات المناسبة لتقويض التشتت والتضارب في الرأي السياسي بين المسلمين.. لأنه سيودي بهم الى ناصية الحروب والفتن والصراعات وهم في غنى عنها.. فما يختلقه أعداء المسلمين من الموت والدمار والضغائن يكفيهم.. إنهم يخسرون الكثير من الدماء وتُزهَق الكثير من الأرواح.. وتضيع الكثير من الثروات والموارد الإسلامية سدى بسبب الاختلافات السياسية بين المسلمين.
وحين البحث عن جذورها.. أو من يقف وراءها.. ومن يشعل فتيلها.. سوف نعثر على أدلة تذهب بنا الى جهات لن نفاجأ بها لأننا نتوقعها.. إنها تلك الجهات والمسميات التي لا تريد ولا تتمنى الخير لأمة الإسلام.. وهم على الأغلب الأعم مؤججو براكين العنف والاحتراب بين المسلمين مع بعضهم الآخر.. دولاً أو طوائف ومذاهب.
من كلمة صريحة للسيد صادق الشيرازي يضع فيها إصبعه على الجرح.. ويضع سماحته النقاط فوق حروفها كما يُقال نقتطع النص التالي.. ونورده هنا تدعيما لبعض الحقائق التي قد تغيب عن بصائر وأبصار البعض.. في هذا الكلام يقول سماحته:
(بلا شكّ، هذه التفرقة – بين المسلمين- هي من صنع الأعداء. وأقول: التفرقة السياسية خطأ، وأما التفرقة الدينية، أو بالأحرى الاختلاف الديني، فهذا أمر طبيعي. فمثلاً: جمال لبنان أنه بلد طائفي، أي فيه العديد من الطوائف وأنواع الطوائف. بلى لكل طائفة أن تعتزّ بطائفتها، وأفكارها وشعاراتها، ولكن المهمّ هو أن لا تتحارب هذه الطوائف فيما بينها).
فالمسلمون مطالبون بعدم الاختلاف السياسي للأسباب المرفقة.. لكنهم غير مطالبين بالتشابه الديني الجبري أو الإجباري.. كما قدمنا وبيَّنا ذلك في عرضنا.. فالدين واحة واسعة تقبل تعدد الآراء.. وتمنحنا خيارات لا محدودة تمضي بنا نحو تجديد منابع الحياة.. فتغدو أكثر سلاما وانسجاما.. في ظل حرية الاعتقاد.. وتكبيل الصراع والنزاع بالحوار البنّاء.
يحثُّ على ذلك المرجع الشيرازي في رأي بالغ الصراحة يجيء فيه:
(يجب أن يكون بين الطوائف توحيد سياسي، لا توحيد ديني. فالتوحيد الديني لا معنى له أبداً. لأن كل واحد له اعتقاداته ويدعو لاعتقاداته، فليدعو لها، فللكل الحريّة. ولكن المهم هو أن تترك الطوائف الصراع والنزاع، وأن لا تحمل السلاح بوجه الأخرى).
هذا يعني أن أمة الإسلام متاح لها أن تسعى في تعدد العقائد.. على أن تفضي بهم لما هو أحسن.. فالقواعد الفقهية ومنابعها الأصيلة تزخر بكل ما يدعم التنوع الفكري.. وهذا بدوره يذهب بالمسلمين الى ناصية التراضي والتوازن والتوادّ.. ويفتح لهم بوابات الرشد الواسعة الغنية بالرشاد.. فيما ينأى بهم عن الاختلاف السياسي.. ويغلق الثغرات التي يتسلل منها الصيادون المتمرسون في المياه العكرة.. لمنع الوحدة السياسية للمسلمين.. وهو الحال الذي يخشاه أعداؤهم.
اضف تعليق