منذ اليوم الاول لتنصيبه فتح دونالد ترامب الحرب على جبهات عدة في مؤتمره الصحافي الرسمي الاول. ولم يسلم أحد من الهجوم اللاذع الذي شنه الوافد الجديد للسياسية والبيت الابيض، الصين والمكسيك والمهاجرين والمسلمين وشركات السيارات وشركات الادوية ووكالات الاستخبارات الأميركية، وحتى إدارة الرئيس السابق بارك اوباما، كلها تلقت وابلا من هجمات ترامب.
اكثر ما يميز الرئيس الامريكي هو قراراته غير المتوقعة، الامر الذي يصعب من مهمة التنبؤ بما سوف تؤول اليه الامور في الولايات المتحدة والعالم حيث يقف الجميع في وضع الاستعداد بانتظار كل مثير. وقد استغل تعطش الشعب الامريكي للتغيير فصعد على النظام الانتخابي في البلاد، وتغريداته التي اشعلت نار العداء والخصومة بين الامريكيين انفسهم وقلبت موازين قوة وسائل الاعلام التقليدية وزادت من توقعات المستقبل بشان نفوذ وسائل الاعلام الاجتماعي.
يعمل ترامب لتخليد نفسه كاسم لامح في تاريخ رؤساء بلاده، ولا يمنعه عن فعل اي شيء من اجل هذا الهدف، وهو نرجسي الى ابعد الحدود ولا يحب الا نفسه كما اكد ذلك علماء النفس في امريكا، وثمن تخليد اسمه قد يكون حربا وربما عدة حروب، فقد قالت صحيفة هارتس الاسرائيلية ان ترامب يحتاج إلى حرب يوفق عبرها بين تناقضات شخصيته الشعبوية، وحملته الانتخابية المثيرة للجدل، التي تعهد فيها بإعادة بناء الجيش الأمريكي، وفي نفس الوقت خفض الإنفاق الحكومي. إنه يحتاج إلى حرب يحقق وعوده عبرها كي يحيي الصناعات الثقيلة، واستخراج "الفحم الجميل". هي حرب ستطلق يده لمنح الضوء الأخضر للشركات الاحتكارية، وتوفير ذريعة باسم الطوارئ لإلغاء الضمانات الدستورية للحريات الفردية، باستثناء حرية امتلاك سلاح. وهذه الحرب تحتاج الى سلاح فتاك وهو مستشاره ستيف بانون، ذاك المنظر، والمتعهد، وحامل شعلة الجمهوريين، الذي ما انفك منذ سنوات يتحدث عن حرب مقدسة.
وبحسب قراءة برنامج ترامب الانتخابي وتهديداته يمكن حصر اهم الحروب التي سوف يشنها في المستقبل:
اولاً: الحرب ضد المسلمين بذريعة القضاء على الارهاب الاسلامي،
اذ ما انفك الرئيس يعادي المسلمين صراحة ومن دون خجل ويطالب بالقضاء الى ما يسميه "الارهاب الاسلامي"، ودشن اول خطوة من برنامجه الانتخابي بمنع مواطني سبع دول اسلامية من دخول بلاده مستثنيا منهم المسيحيين واليهود، وقد دأب مستشاره ستيف بانون على الحديث عما يقول إنه "تاريخ طويل من صراع الغرب اليهودي المسيحي مع الإسلام"، أو كما كتب مايكل فلين - وهو مستشاره للأمن القومي - واصفا الصراع مع الإسلام بأنه "حرب عالمية ضد حركة الشعوب الشريرة". اليست هذه هي الحرب ضد المسلمين؟
ثانياً: الحرب ضد الصين،
كثيرا ما انتقد ترامب سياسات سلفه باراك اوباما تجاه الصين ووصفها بالسياسة الضعيفة، كما قال ان الصين "تتلاعب في العملة"، واتهمها بالخداع في التجارة والتكتيكات الاقتصادية، وتجاهل السياسة الأميركية الراسخة "سياسة صين واحدة"، واتصل علنا بالرئيسة التايوانية تساى إنج – وين، في خطوة أغضبت بكين كثيرا. وهذا ما اعتبره مسؤول رفيع في الجيش الصيني ان الحرب مع الولايات المتحدة قد بدأت بالفعل.
ثالثاً: الحرب ضد ايران،
ربما لا يقل مستوى العداء الترامبي ضد ايران عن عدائه للصين، ويكفي انه اختار ثلاثة من ابرز اعضاء ادارته ممن يكنون عداء صريحا تجاه طهران وهم مستشاره سيف بانون، ومستشار الامن القومي مايكل فيلين، ووزير دفاعه جون ماتيس وسارعت ادارته الى فرض عقوبات ضد ايران خارج اطار الاتفاق النووي شملت 13 شخصا و12 كيانا ايرانيا، وتصاعدت حدة التوتر بين البلدين بالتهديدات المتبادلة، وتشمل الحرب اتجاهاين، يتعلق الاول بتحجيم نفوذ طهران في الشرق الاوسط، فيما يتعلق الاخر بمحاولة الغاء الاتفاق النووي او افراغه من محتواه بشكل تدريجي، وقد اعتبرت مجلة فورين بوليسي ان الحرب ضد ايران سوف تبدأ باليمن من خلال ضرب حلفائها الحوثيين هناك. فيما العمل جار من اجل التملص من التزامات الاتفاق النووي.
رابعاً: حرب اقتصادية ضد الاتحاد الاوربي،
ربما يستغرب البعض من شن الولايات المتحدة حربا ضد الاتحاد الاوربي الحليف القوي لها على ما يبدو، لكن هناك ترامب الذي قلب الموازين، لا يؤمن بالحفاء اصلا واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تتعلق بتخفيض الضرائب بين الاتحاد الاوربي وامريكا مهددة، فضلا عن حرب العملة بين الطرفين، إذ قالت مجلة "فورين بوليسي" إن "حرب العملة" التي يشنها ترامب ضد ألمانيا يمكن أن تدمر الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أنه أعلن حربه على الاقتصاد العالمي بعد أسبوع من توليه السلطة في 20 يناير الماضي، وأن الاتحاد النقدي الأوروبي سيكون هدفًا لسياساته القادمة من أجل التخلص من الذراع الاقتصادي الطويل لألمانيا، كما قال رئيس المجلس القومي للتجارة الأميركي، بيتر نافارو، أن ألمانيا "تستخدم العملة لاستغلال جيرانها والولايات المتحدة".
خامساً: حرب ضد المهاجرين،
وهذه الجبهة كانت ساحتها الابرز الحدود المكسيكية وجدار ترامب الذي يريد بنائه على "اكتاف المكسيكيين" رغم انه يستهدفهم، واشار الى انه سوف يستغرق سنتين من اجل اكتماله وسوف تدفع المكسيك كلفة البناء بشكل او بآخر وهو ما دفع الرئيس المكسيكي الى الاعتراض بشدة والغاء زيارته للولايات المتحدة. كما يطالب ترامب بنقل مصانع السيارات من المكسيك الى داخل بلاده، وهو ما يزيد من غلة المشاكل وتصاعد حدة التوتر بين الطرفين.
سادساً: حرب ضد الصحافة،
بغض النظر عن تصريحات ترامب ضد وسائل الاعلام وعدم ثقته بها، يمكن التعرف على ذلك من خلال اعتماده على موقع تويتر بشكل كبير متجاوزا المؤسسات الاعلامية الكبرى، ومن خلال صفحته الشخصية يوجه انتقاداته اللاذعة بكل حرية ومن دون اي قيود قد تسبب اضافة او حذف على تصريحاته، واصبح تويتر ساحة صراع حقيقية لأفكاره المتطرفة. وفي كلمة ألقاها أمام العسكريين في مقر القيادة المركزية بولاية فلوريدا التي تشرف على القوات الاميركية في الشرق الاوسط، وجه ترامب اتهاماً غريباً في سياق حديثه عن انتشار الهجمات الارهابية في العالم، إذ ادعى أن الصحافة الاميركية لا تغطيها، قائلاً: "وفي حالات كثيرة لا تريد الصحافة غير الصادقة أبداً ان تغطيها". وحدد 78 حادثا ارهابيا قال ان وسائل الاعلام قامت بتجاهلها.
سابعاً: حربه ضد الشركات الامريكية،
عبر ترامب بوضوح شديد في خطابه لإداء القسم باتهامه "النخب الاقتصادية لتخليها عن الحزام الحديدي (الولايات الوسطى المتشاطئة على البحيرات العظمى) والانتقال لوول ستريت". ولكن ربما تعد هذه الحرب نتيجة طبيعة ومحصلة لحروب ترامب آنفة الذكر، فالشركات الامريكية هي من اكثر المتضررين من منع المسلمين والمهاجرين من دخول البلاد، وهي كذلك تتضرر من الحرب الاقتصادية والتصعيد السياسي والعسكري ضد الصين، كما ان توتر العلاقات مع الاتحاد الاوربي يسبب الكثير من المشكلات لدى هذه الشركات، والولايات المتحدة ليس دولة يحكمها اللوبيات السياسية والتكتلات الاقتصادية بشكل كبير ومن ثم فان تاثير الشركات الامريكية على قرار ترامب سيكون له بالغ الاثر على شرعية قراراته الحالية وقدرته على اصدار قرارات لاحقة. وفي هذا السياق قدمت 97 شركة من ضمنها ابل ومايكروسوفت وفيس بوك وتويتر واوبر مذكرة للقضاء تطالب بايقاف تنفيذ القرارات المتعلقة بالمهاجرين والمسلمين، معلنة ان قراره ضد الهجرة "ينتهك قوانين الهجرة والدستور".
ترامب قرر اعادة هيكلة "مجلس الامن القومي"، بتعيين مستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيف بانون في عضوية المجلس، اضافة الى مستشاره للامن القومي مايكل فلين، فتركيبة المجلس تطغى عليها الصبغة العسكرية، 3 جنرالات كبار: ماتيس وفلين وكيلي، اضافة لبانون المستشار النافذ. ويقول التقرير الاسبوعي لمراكز الابحاث الامريكية "ان الخبرة العسكرية البارزة هي الاوسع في هياكل المجلس منذ عقود مضت". كل هذه المؤشرات تجعل العالم امام مرحلة جديدة من الحروب والازمات لعلها تشبع تغذي نرجسية ترامب وتحقق اهدافه باستعادة القوة الامريكية الى سابق عهدها كما يدعي.
اضف تعليق