خرجت علينا (قبل ايام) ازمة سياسية جديدة، كنا قد حذرنا من خطر العودة اليها من لدن الكتل السياسية وقادتها ومن ينتمي اليها، خوفا من انتهاء ما بات يعرف "بشهر العسل" او الاستقرار السياسي النسبي الذي تحقق في ظل حكومة السيد رئيس الوزراء الحالي "حيدر العبادي"، بعد حادثة اغتيال الشيخ " قاسم سويدان الجنابي"، (وهو زعيم عشائري سني بارز وعم النائب زيد الجنابي، وتم خطف الشيخ قاسم ونجلة مع ابن شقيقه "النائب"، اضافة الى عدد من افراد حمايته، وتم قتل الجميع باستثناء النائب الذي اطلق سراحه بعد تعرضه للضرب)، والتي سرعان ما بدأت تداعياتها السياسية (بعد ان عقدت قيادات تحالف القوى الوطنية والقائمة الوطنية، اجتماعا طارئا في منزل رئيس مجلس النواب واتفقوا على تعليق عمل الكتلة وتخويل القيادات السياسية للتحالف اتخاذ القرار النهائي بهذا الصدد) والطائفية (بعد اتهامات وجهت الى ما اسمتهم "ميليشيات مدعومة من جهات حكومية"، ويقصدون بذلك المقاتلين الشيعة "الحشد الشعبي" الذين يقاتلون تنظيم داعش)، تلوح في الافق، بعد ان حشدت جميع الاطراف اتهاماتها لتسقيط الاخر او الشريك في العملية السياسية، فيما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع الفيديو والصور والتعليقات المعدة بعناية للدفع باتجاه استغلال الحدث للمزيد من التصعيد.
ينبغي ان نعلم جميعا (سياسيون، كتل، احزاب، حكومة) ان تصعيد المواقف السياسية والطائفية ليست في مصلحة احد، وان الخسارة تقسم على الجميع، وهو بالتأكيد لا يخدم هذا البلد الذي يتقاسم الجميع حق العيش فيه والتنعم بخيراته، وان الحليم من يستفيد "كثيرا" من تجاربه السابقة، خصوصا "اخطائه السابقة"، فالنجاح الذي تحقق اليوم، كانت احد ركائزه القوية، هي رفض الطريقة السابقة التي اديرت بها العملية السياسية في السنوات السابقة، والتوافق بين الجميع على ضرورة "التغيير" الذي تحقق في ظل اصعب الظروف حراجة وخطورة في تاريخ العراق، بعد ان تمكن تنظيم "داعش" من احتلال محافظة "الموصل" بالكامل، اضافة الى مساحات واسعة من (5) محافظات في شمال وغرب ووسط العراق، فضلا عن تهديده باقتحام العاصمة بغداد، بعد ان سيطر على معظم مناطق الحزام الامني المحيط بها في بداية شهر حزيران من العام الماضي.
ورحب المجتمع الدولي بنتائج التوافق السياسي الذي مكن العراقيين من انتاج حكومة اتحادية متماسكة حظيت بقبول جميع الاطراف، واختيار وزيري الدفاع والداخلية، وعقد اتفاق مبدئي مع اقليم كردستان حول الخلاف النفطي، وتمرير الموازنة الاتحادية، وغيرها من الايجابيات المحسوبة لصالح الكتل السياسية المتوافقة، والذي مهد بدوره، الطريق لتعاون دولي اوسع مع العراق في مجال مكافحة الارهاب والتدريب والتسليح والدعم اللوجستي، اضافة الى الدعم السياسي والدبلوماسي، الذي شهد هو الاخر انفتاح العراق على محيطه العربي والاقليمي، لتصفير الخلافات وبناء علاقات جيده قد تعزز الثقة بتوجهات الحكومة الحالية.
لكن (وبالرغم من جميع هذه المؤشرات الايجابية) ما زال البناء السياسي هشا في العراق؟ والسبب عدة عوامل تتمكن القوى السياسية (حتى اللحظة) من تحقيق التوافق والتعاون على استئصالها من جسد هذا البناء السياسي، والتي غالبا ما يكون لها الدور المؤثر في وضع المعرقلات وصنع الازمات المعطلة لعمل الحكومة والسلطتين "التشريعية والقضائية"، وربما يمكن اجمالها(العوامل) بالاتي:
1. القوى السياسية الفاشلة (التي تحاول عرقلة تقدم الحكومة الحالية)
2. التدخلات الخارجية (فالعراق ساحة مفتوحة على الجميع)
3. مافيات الفساد (واصبحت متجذرة في كل مؤسسات الدولة العراقية)
وتم تشخيص هذه الآفات (في كتابات سابقة وبالتفصيل) والتحذير منها باعتبارها من الاخطار التي تحيط بالعملية السياسية ومدى نجاحها المستقبلي، كما ان هذه الحادثة لم تكن الاولى بعد تسلم الحكومة (فقد تم اغتيال 3 من رجال الدين السنة في البصرة، كما تم الحديث عن مجزرة وقعت في ديالى في وقت سابق)، وربما لن تكون الاخيرة في مسلسل تهديم البناء الديمقراطي في العراق، وما يهمنا في هذا السياق، ان يكون السياسيون على مستوى التحديات الراهنة، وان يغلبوا مصالح البلد العليا على المصالح الضيقة، او على الاقل ان لا ينجرفوا وراء التهويل او العاطفة، فما اسهل اثارة الطائفية (مثلما حدث من حرب اهلية بعد تفجيرات المراقد المقدسة في سامراء عام 2006) والنعرات المذهبية، لكن من الصعوبة بمكان تضميد هذه الجراحات التي قد تحتاج لعشرات السنين حتى تتماثل للشفاء، ويمكن ببساطة معرفة الاجواء الصحية من الملوثة داخل العملية السياسية بعقد مقارنة بسيطة بين الامس القريب وبين ما يتمتع به الاداء الحكومي من انسيابيه وتواقف في الوقت الحاضر.
اضف تعليق