تؤدي وسائل الإعلام الأمريكية وظائف متعددة في عملية تخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية عبر وسائل مختلفة، وتأتي في مقدمة هذه الوسائل الصحافة، فهي من ناحية كونها قناة غير شخصية يستخدمها صانعو القرار السياسي لتفسير مواقفهم وسياساتهم وجمع التأييد لمواقفهم الحكومية، وفي إيصال آراء قادة الرأي وجماعات المصالح والجمهور بصفة عامة الى القادة الحكوميين وصانعي السياسة، ومن ناحية اخرى يمكن من خلالها ممارسة الضغط على صانعي السياسة عِبر جماعات الضغط والمصالح المؤثرة فيها، ومن خلال دورها في تشكيل الرأي العام ورأي صانعي السياسة في القضايا الخارجية.
كما ان وسائل الإعلام الأمريكية تتدخل في عملية صياغة السياسة الخارجية، ولكنها تبقى مجرد جزء في آلة صنع القرار وليست المصدر الذي تُشتق منه السياسات، فضلاً عن إعتماد الدبلوماسية الأمريكية على وسائل الإعلام لدرجة إن عدداً كبيراً من التقارير الدبلوماسية تتكون من التحليلات التي يكتبها الصحفيون في هذا المجال، بل يمكن القول "ان وسائل الإعلام هي عيون وآذان الدبلوماسية".
وفي هذا الصدد يشير وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الى "إن تنفيذ السياسة الخارجية يجب أن ترتبط على نحو لم يسبق له مثيل بأجهزة الإعلام الجماهيرية، فهي الى حدٍ كبير سياسة خارجية إعلامية جماهيرية أو شعبية".
وهكذا نجد أن تأثير وسائل الإعلام على السياسة الخارجية للولايات المتحدة يتضح من خلال ناحيتين رئيستين، فمن ناحية تؤثر وسائل الإعلام على الرأي العام الذي يؤثر بدوره على صانعي القرار. فالصحافة الأمريكية مثل الواشنطن بوست ونيويورك تايمز التي تُعد أكثر وسائل الإعلام قوة وإنتشاراً في العالم، وهي كذلك في مقدمة وسائل الإعلام الجماهيري في أمريكا، تلعب دوراً رئيساً كونها أدوات تملك من القوة بما يمكنها من تشكيل موقف الرأي العام في أمريكا حول السياسة الخارجية.
كما ان وسائل الإعلام تمارس تأثيراً مباشراً على صانعي القرار من خلال توفير المعلومات والأفكار والصور المختلفة التي تشكل رؤية هؤلاء للعالم الخارجي، فضلاً عن دور وسائل الإعلام في تقديم صورة أمريكا الخارجية كدولة لا تنشد سوى السلوك السلمي التعاوني، وإظهار التقاليد الداخلية الأمريكية بأنها الإنموذج الأمثل في التقدم والديمقراطية، فضلاً عن محاولة خلق وإسباغ هيبة دولية على الولايات المتحدة، وعلى الرئيس بشكل خاص بأنه يمثل أكبر دولة في العالم وقائدة للنظام الدولي.
فالاعلام الأمريكي يؤثر في السياسة الخارجية من خلال إتاحته حدوداً للتصرف وامكانية للحركة السياسية الخارجية، ومهمته تصبح أقرب الى "خط الهجوم الأول وخط الدفاع الأخير" عن السياسة الخارجية للدولة، كما ان تأثير الإعلام الأمريكي في السياسة الخارجية يتمثل من خلال الدور الرقابي من خلال قدرته على التلاعب بالبيئة السياسية الداخلية والخارجية، إذ لا يمكن بدونها الإطلاع والإحاطة الدقيقة بالبيئة والأحداث السياسية.
فضلاً عن ذلك، فإن العلاقة بين وسائل الإعلام والحكومة الأمريكية تتحدد من خلال ناحيتين: أولهما إن الحكومة لكي تحظى بتأييد الرأي العام لسياستها الخارجية والداخلية تسعى للتحكم في المعلومات التي يتلقاها الجمهور، وهي تعمل على تحديد المواقف وتقديم الرؤى المختلفة ولكن بإسلوبها الخاص الذي ينسجم مع أهدافها السياسية والإجتماعية والإقتصادية، ومن ناحية اخرى يدرك رجال الإعلام الدور الهام الذي يضطلعون به في عملية صنع السياسة، فالسياسيون ورجال الأعمال يعتمدون عليهم للدعاية لسياستهم وبرامجهم.
وهكذا فالإعلام الأمريكي إذا كان في غالب الأمر هو إعلام يسير وفق نظرية الإعلام الحر، إلا إنه من جانب آخر هو إعلام سلطوي يلبي رغبة السياسة الخارجية وتتحكم به الحكومة الأمريكية دائماً، وهو بذلك يكرر إسلوب الإعلام الرسمي الموجه الذي إعتمدته الدول الشمولية والإتحاد السوفيتي السابق تحديداً.
من جانب آخر فإن تأثير وسائل الإعلام في السياسة الخارجية الأمريكية يأتي أيضاً من مدى قوة وسيطرة اللوبي الصهيوني على الإعلام الأمريكي، والتداخل والتفاعل معه بحيث يمثل الإعلام في الغالب إرادة ذلك اللوبي. ولا شك فأن مدى قوة اللوبي الصهيوني وتأثيره على الإعلام الأمريكي تعود الى عدة مصادر هي:
1- التغلغل الإعلامي: من خلال وصول أعداد كبيرة من الموالين لهذا اللوبي الى مراكز إعلامية هامة وسيطرتهم على عدد كبير من غرف التحرير في الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية.
2- القوة الإعلانية: فالقدرة المالية التي تملكها الشركات المرتبطة بهذا اللوبي لها القدرة على إستخدام الوسائل الإعلانية كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف فكرية وسياسية، ونظراً لأن أغلب وسائل الإعلام الأمريكية مؤسسات ربحية بالدرجة الاولى، فان الإعلام يُعد اهم مصدر من مصادر التمويل والربح لهذه الوسائل الإعلانية.
3- ملكية وسائل الإعلام: من خلال سيطرة التيارات الصهيونية على العديد من الصحف ووسائل الإعلام الاخرى، وإخضاعها بصورة أو اخرى لأهداف التيارات بشكل غير مباشر.
4- جهل الرأي العام: فالمجتمع الأمريكي بطبيعته لا يهتم بقضايا العالم الخارجي، ولا يُعنى بصراعات اخرى لا تؤثر على حياته اليومية، ولذلك نجح اللوبي الصهيوني في إستغلال هذا الجهل العام لإعادة توجيه الرأي العام الأمريكي تجاه أولوياته وأهدافه الرئيسة.
ورغم العلاقة الوثيقة بين وسائل الإعلام الأمريكي والسياسة الخارجية فيما يتعلق بتنفيذ أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، لابد من الإشارة الى ان الإعلام الأمريكي وإن كان يُعد أحد المحددات الداخلية المهمة للسياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه ليس لديه القدرة على فرض سلوك معين أو قرار بعينه على صانعي السياسة الأمريكية، وإنما يساهم في خلق بعض الإتجاهات العامة التي قد تكون مؤيدة أو معارضة لدى أجهزة صنع السياسة الخارجية والرأي العام بصفة عامة.
وخلاصة الأمر، فإن وسائل الإعلام الأمريكية من خلال تعاملها مع بعض القضايا هي وسائل منحازة من خلال نظرتها الى هذه القضايا من منظار المصلحة الأمريكية، فهي تعتمد نوعاً من الإنتقائية من خلال الفرز الآلي للأخبار والأحداث، فما يتفق منها مع السياسة العامة للدولة يصبح خبراً ويُعد حقيقة يؤخذ بها، وما يخالف التوجهات السياسية الخارجية يصبح دليلاً على ان الخصم يمثل تهديداً للمصلحة القومية العليا، مما يتطلب مواجهته والحد من خطورته.
ولعل أكبر تأكيد على ذلك إسلوب الإعلام الأمريكي في تسويف الحقائق وبث الأخبار الملفقة عن العراق تمهيداً لإحتلاله في عام 2003، لاسيما عندما أثبتت الحقائق زيف تلك الإدعاءات كقضية إمتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، والتي بينت مدى ممارسة الإعلام الأمريكي وظيفة سياسية مصلحية غير أخلاقية.
اضف تعليق