تحت هذا العنوان كتب الدكتور فيليب جيرالدي المتخصص في شئون مكافحة الارهاب والموظف السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية ويشغل حاليا المدير التنفيذي لمجلس المصالح الوطنية الأمريكية في الشرق الأوسط. هو صحفي وكاتب عمود في:
The Huffington Post, and Antiwar.com
اضافة لكونه معلقا تلفزيونيا في عدد من القنوات التلفزيونية الأمريكية والأوربية والعربية بما فيها فوكس نيوز وسي أن أن والعربية والجزيرة. حائز على شهادتي الماجيستير والدكتوراه من جامعتي شيكاغو ولندن. شخصية بهذه الخبرة العملية والنضوج الفكري السياسي والتأهيل العلمي المتميز لابد أن يكون لآرائه صدى في المجتمع الأمريكي وفي دوائر القرار الأمريكية. وبالنسبة لنا قراءه نحسده على صراحته وتحديه لسياسيين طالما أساءوا وحجموا قادة سياسيين أمريكيين وغيبوهم في دهاليز النسيان كان آخرهم وليس أخيرهم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر فقط لأنه شبه الاساليب الاسرائيلية ضد سكان الضفة الغربية بأساليب نظام الفصل العنصري السابق في بريتوريا.
مقاله الذي نترجمه أدناه خصصه لنقد زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنجامين نتنياهو للولايات المتحدة التي تأتي قبيل الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية المقرر لها أن تجري في 17 مارسآذار القادم بناء على دعوة رئيس مجلس الكونغرس John Boehner. ومن المقرر ان يلقي نتنياهو خطابا في الجلسة المشتركة للمجلسين في الثالث من مارس آذار القادم يتحدث فيه عن التهديد الذي تشكله ايران والارهاب الاسلامي.
يردد نتنياهو منذ عام 1996 تحذيره من حصول ايران على السلاح النووي الذي يعتبره وشيكا بالرغم عن عدم وجود أدلة على اتهاماته تلك. وسيعيد تكرار آراءه بشأن ملكية ايران لسلاح الدمار الشامل الذي يعتبره خطرا على كل من اسرائيل والولايات المتحدة. وليس من الواضح فيما اذا سيعرض أمام الحضور كاريكاتيرا لقنبلة نووية وشيكة الانفجار كما فعل في الاجتماع العام للأمم المتحدة عام 2012. وسيلعب نتنياهو بكارت شارلي أبدو مصرا بأن من واجب الدول الغربية التوحد مع اسرائيل لمواجهة الارهاب الاسلامي البربري. وبذلك يحاول تحاشي الحديث عما قدمه من حل للمشكلة الفلسطينية. وبصرف النظر عما سيقوله فانه سيقابل بالترحاب عندما يتحدث الى الكونغرس.
وخلال زيارته لواشنطن سيلقي خطابا في المؤتمر العام لمجلس ايباك (AIPAC) الذي سيعقد في واشنطن ويحضره 1500 من اليهود وغير اليهود الأمريكيين وسيدعى اليه كذلك أعضاء من الكونغرس ووسائل الاعلام وربما أعضاء المحكمة العليا ومن المتوقع أن يعامل نتنياهو كضيف شرف ملكي رغم أن رسالته هي الكراهية. ( الايباك هي منظمة اللوبي الاسرائيلي في أمريكا وكان أسمها السابق American Zionist for Public Affairs حيث جرى تغيير الاسم بعد أن ساءت علاقة اسرائيل بالرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور عام 1953 – توضيح المترجم). وبحسب علمي فانه ستعقد اجتماعات عامة احتجاجا على ايباك وزيارة نتنياهو وأرجو أن تكون تلك التجمعات غاضبة وصاخبة وساخنة لتوجيه رسالة لبعض المدعوين الى مؤتمر ايباك من أجل أن يعيدوا التفكير بجدوى تأييد الجهة التي دعتهم للحضور. وأدعو أيضا المتظاهرين للتركيز حول رسالة نتنياهو الحالية التي جاء من أجلها الى واشنطن بأنه لا صحة لكل شيء جاء فيها.
لنبدأ من ايران، اعتبار ايران كتهديد نووي لا أساس له وغير صحيح، وأنه قد تم اختلاقه في اسرائيل وأمريكا واعتمد على أدلة تم فبركتها. أنا لا أدعي للحظة أن ايران صديق للشعب الامريكي وموقفها العدائي من الولايات المتحدة قد بولغ به من قبل اللوبي الاسرائيلي وأصدقائهم. ايران لا تهدد أمريكا بأي شكل ولا تهدد أمن اسرائيل أو السعودية وكلاهما يجب أن يقلقا بسبب سياساتهما وتصرفاتهما لا أن يبالغا بالخطر الايراني. الحقيقة أن الولايات المتحدة قد أكدت في مناسبتين في الماضي، الأولى في عام 2007 والثانية في عام 2011 بأن ليس لايران برنامجا نوويا. حتى الموساد الاسرائيلي والحكومتان اعترفتا بان ايران لم تتخذ قرارها السياسي بالتعامل مع مثل هذا البرنامج. ايران ليست فقط لم تطور أو تجري تجربة على سلاح نووي، بل لم تجري تخصيبا لليورانيوم يقربها من انتاج مثل هذا السلاح علما بأن كافة منشآتها النووية الآن تحت اشراف اللجنة الدولية لمراقبة السلاح النووي (IAEA ).
الموضوع الثاني في اهتمامات نتنياهو هو التهديد الارهابي الاسلامي الذي سيطالب بشأنه الدول الديمقراطية في العالم للوقوف مع اسرائيل، لكن الوقوف مع اسرائيل والقبول بخطتها في التعامل مع الارهاب هو بالضبط المشكلة. المناطق التي يمكن للإرهاب أن يتسلم السلطة فيها هي تلك البلدان التي تبنت الولايات المتحدة ضدها نموذج اسرائيل وتدخلت عسكريا فيها وهو ما خلق الفوضى الحالية في بلدان مثل العراق وليبيا والصومال وافغانستان وسوريا. العمليات الارهابية التي جرت في الولايات المتحدة وأوربا قد تسببت في مقتل عدد قليل من الناس وهو الذي قاد الى الهلع، لكنه لم يهدد لا الأمن القومي ولا الاستقرار في البلاد. وفي الولايات المتحدة ومنذ 119 كان هناك 69 حادثة موت، أما بسبب الارهاب او الاعمال الاجرامية فمعدله خمسة حوادث في العام. بنفس الفترة من الوقت قتل حوالي 200 ألف من الأمريكيين لأسباب لا علاقة لها بالارهاب وأن خمسة حوادث قتل في العام هو رقم احصائي لا غير. السياسات التي اتبعتها أمريكا ما وراء البحار خلال نفس الفترة قد أودت بحياة نصف مليون مسلم وتسببت في تهجير ثلاثة ملايين هم الآن لاجئون خارج بلدانهم وهذا ما سبب في تصاعد الارهاب.
الموضوع الثالث الذي لن يثيره نتنياهو لكونه المستفيد منه هو القوة الهائلة للوبي الاسرائيلي في أمريكا. وكما ذكر جون ميرشايمر وستيفن والت في كتابهما بأن اللوبي في حقيقة الأمر يتكون من فريق واسع من الخلايا تعمل معا للترويج لكل ما من شأنه خدمة مصالح اسرائيل. ويضم مجموعات كثيرة ونافذة من مثل PACS (وهو مجلس من أرباب الأعمال الملتزمين بتمويل المرشحين الموالين لاسرائيل أو لإفشال فوزهم في أي انتخابات أمريكية – توضيح المترجم). ويضم أيضا مجموعة الصحفيين وممثلي وسائل الاعلام الأخرى اضافة الى ممثلي المسيحيين الايفانجليك وشخصيات جامعية بارزة وآخرين من الأثرياء ذوي الجيوب الثقيلة الذين يسعون بنشاط لجعل كل شيء يعمل لصالح اسرائيل. لقد وصف Pat Buchanan مرة مجلس الكونغرس الأمريكي بأنه " منطقة اسرائيلية محتلة ". وما سيثير الفضول هو كم مرة سيقف أعضاء مجلسي الكونغرس تقديرا لنتنياهو عندما يلقي كلمته فيهم، وهل ستزيد هذه المرة عن 29 وقفة وتصفيق كما في المرة الأخيرة..؟؟
في العادة يوجد قلة من أعضاء الكونغرس ممن يعارض هذا السلوك لكن في الوقت الحاضر لا وجود لهؤلاء بعد تقاعد عضو الكونغرس رون بول. ولهذا هناك ثلاثة أسباب لنقول " لا " لنتنياهو ومن الأفضل أن يقال له اذهب بعيدا والبقاء بعيدا.
1- فهو سيحاول باستماته توريط الولايات المتحدة في حرب مع ايران حيث لا توجد لأمريكا أي مصلحة وطنية فيها اضافة الى ما ستكلفه من خسائر في الأرواح وفي الموارد.
2- انه سيسمم العلاقات بين واشنطن والعالم الاسلامي من خلال نجاحه في ايصال رسالته بأن كل معتنقي الاسلام هم أساسا ارهابيون.
3- انه والمتعاونين معه من اللوبي الاسرائيلي سرطان في نظامنا السياسي، يستعملون المال وحتى التهديد من أجل اصطناع " علاقات خاصة " وهي لا تمت بصلة الى أي علاقات من أي نوع، لكنها بدلا عن ذلك عبارة عن ميكانيكية لتوجيه الولايات المتحدة لخدمة المصالح الاسرائيلية.
انه من العار أن يكون نتنياهو في واشنطن بأي حال في مهمة ليقول للكونغرس الأمريكي ماذا عليه أن يفعل، لكن على الامريكيين أن يعوا بأن نتنياهو وBoehner رئيس مجلس الكونغرس قد ذهبا بعيدا جدا. وهل ستكون هذه مناسبة ليعي المجتمع الأمريكي في النهاية بأنه قد اقتيد من أنفه من قبل بلد أجنبي يساعده في ذلك متعاونون فاسدون من أبنائه.
علينا أن نأمل دائما بأن نتنياهو في النهاية سيدفع ثمن غروره مع ناخبيه في الشهر القادم بتنحيته من مكتبه. وسيكون جميلا أن نرى نهاية بنجامين نتنياهو.
اضف تعليق