لكل شيء مادي أو فكري.. شيء مضاد له.. قد يكون مساوٍ له في القوة ومعاكس له في المسار.. فيقع في هذه الحالة تحت سطوة القانون الفيزيائي الشهير.. لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه.. فهل أن الإصلاح يقع تحت هذا البند.. وهل له مضاد؟.. إذا جاء الجواب بالإيجاب.. ما هي الأشياء والعوامل التي تقف بالضد من الإصلاح.. وقبل أن نبحث عن الإجابة المناسِبة.. ماذا تعني مفردة أو مفهوم الإصلاح؟.
إننا نقْصر كلامنا هنا على الإصلاح السياسي.. مع فهمنا أن الإصلاح له أقسام وفروع مرادفة.. فهنالك إصلاح اقتصادي وآخر اجتماعي وثالث تربوي أو تعليمي وهلمَّ جرا..... أما المقصود بالإصلاح السياسي بحسب المختصين.. فهو تحسين وضع أو تعديل ما هو خاطئ.. أو فاسد.. أو غير مرْضي وما إلى ذلك.. تم استخدام المصطلح بالسياق السياسي في أواخر 1700 من قبل حركة كريستوفر ويفل التي سعت للإصلاح البرلماني.. و يتميز الإصلاح عن الثورة كون هذه الأخيرة تسعى للتغيير الشامل و الجذري.. في حين أن الإصلاح يهدف لمعالجة بعض المشاكل و الأخطاء الجادة دون المساس بأساسيات النظام.. وبهذا فإن الإصلاح يسعى لتحسين النظام القائم دون الإطاحة به بالمجمل.. ويعد الإصلاح ضرورة في البلدان النامية لتحسين مستوى المعيشة.. ويتم غالباً بدعم من المؤسسات المالية الدولية ووكالات المعونة.. ويمكن أن يتضمن إصلاح السياسات الاقتصادية.. والخدمات المدنية.. والإدارة المالية العامة.
بالنسبة للعراق كبلد يكافح من اجل بلورة نظام سياسي جيد.. هل نجح أهل الشأن السياسي في تكوين نظام سليم يقود الدولة بما ينتهي بها الى الاستقرار والسموّ؟.. أم أن هناك حالات خلل تصيب هيكلية هذا النظام وأدائه؟.. من يستطيع الإجابة بدقة عن هذا الاستفسار؟.. هل القول بارتباك النظام السياسي في العراق صحيح أم فيه مغالاة ومجافاة للواقع.. تلوح في الأفق انعكاسات واضحة المعالم.. تؤكد وجهة النظر التي تقول بوجود عيوب سياسية إدارية ومالية.. تستلزم جملة من الإصلاحات الفورية.
بعض المطلعين أكدوا القول أعلاه.. فعلى الرغم من مرور العراق عبر تاريخه بحالات عديدة من عدم الاستقرار.. تمثلت بالثورات والانقلابات العسكرية في فتراتٍ مختلفةٍ.. كما أكد ذلك أحد الكتاب إلا أن الحالة التي آلت إليها الدولة العراقية في الوقت الحالي.. تعد الأخطر في تاريخ البلد الحديث والمعاصر.. حيث بات البلد مهدداً ببقائه ككيان ودولة موحدة.. نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية والإدارية المتكررة.. وعدم جدوى الدعوات الإصلاحية التي تطلق من حين لآخر.. وعدم أهلية البرلمان العراقي في أداء واجباته.. وتحوله إلى حلبة تصفية حسابات.. ومهاترات حزبية ضيقة.. ما يعني غياب الحكمة والتوازن عن الوضع السياسي بشكل عام.. فضلا عن فقدان المبادرات الإصلاحية لهذا الاشتراط الهام.
فإذا غابت الحكمة حضر التسرّع والعشوائية.. وإذا غاب التوازن حلّ محله الارتجال والتطرف في المواقف.. لهذا لا يمكن تنفيذ عمليات إصلاحية عميقة.. ما لم تكن الحكمة حاضرة بقوة في العلاقات المتبادلة بين أعضاء الفرق السياسية العاملة في قيادة البلاد.. كما أن المشاريع الإصلاحية يستلزم أن تضم في المنطوق النظري لها.. إجراءات قائمة على الحكمة والتوازن أيضا.. أما التطرّق الى دور السلطة التشريعية.. فهذا يقودنا الى البرلمان العراقي.. وما يؤديه ضمن حركة النشاط السياسي العام.
فالمعروف أن البرلمان مصدر التشريع.. وعدم التوازن في التشريعات وغياب الحكمة.. يزجّ البلد في أزمات معقدة.. إن دور البرلمان يستلزم أداء دور قائم على الحكمة والتوازن أيضا.. لأن أي معضلة في ذلك.. تنتهي الى اختلال مؤذي لا يخدم العملية الإصلاحية.. من هنا كان دور البرلمان غير قائم على دعامتي التوازن والحكمة.. وذلك خلافاً للدور المعهود للبرلمانات في الدول الديمقراطية.. والتي من المفترض أن يكون البرلمان فيها بمثابة المرشد للشعب عن الأخطاء في القرارات الحكومية.. حيث يمارس البرلمان سلطاته بالرقابة على الحكومة خلال تقديم مشاريع القوانين.. ولكن في العراق.. نلاحظ أن البرلمان أصبح بمثابة حلقة فساد وتقنين الفساد.. بدلاً من حماية حقوق الشعب ومكافحة الفساد.. فالنواب الأعضاء ينتمون الى الأحزاب والكتل السياسية في غالبيتهم.. ويأتمرون بأوامر رؤساء هذه الأحزاب والكتل.. فتأتي الحزمات التشريعية عرجاء مكبلة بمصالح حزبية وليس بمصالح الدولة والشعب.
إذاً هنالك سلطات ثلاث وأطرف أخرى.. كلها تدخل في دائرة العمل السياسي بالعراق.. وهي معنية بصورة أو أخرى في معالجة الهنّات والثغرات ونقاط الضعف في النظام السياسي.. هذا يقودنا الى مهمة الشروع في برنامج إصلاحي مدروس بعناية.. ومن المهم بالدرجة الأولى أن يقوم على الحكمة والتوازن.. من جميع الأطراف المشاركة في إدارة البلاد.. فمن غير الممكن ولا الصحيح.. أن يبقى أسلوب الحكم الارتجالي هو الأكثر سطوعا وسيطرة في قيادة الدولة.. خصوصا أن عمر التجربة الجديدة شارف على عقد ونصف من الأعوام.
لكن من الأهمية بمكان أن يكون التوازن عاملا جامعا للمختلفين في الرؤية السياسية أو الأهداف.. كذا بالنسبة للحكمة.. من المهم أن تكون هي العنصر الأهم الذي يستند له السجال السياسي بين الفرقاء.. فالنتيجة أو المحصلة هي حاصل تفاعل وتقابل عناصر الفعل السياسي.. ومن يشط عن قواعد اللعبة الموضوعة باتفاق مسبق.. أو يُفترَض أن تكون موضوعة ضمن اتفاق أولي بين اللاعبين.. فإن ضرب هذه القواعد يشكل خروجا على العمل النظامي الصحيح.. كما أنه دليل على فقدان الحكمة والتوازن في شقيّ التنظير والتطبيق.
على أننا نؤمن بنجاح التلاقي المدروس بيت الأحزاب والكتل.. وخلق البيئة الصافية من الهنّات والشوائب.. وسوف ينعكس هذا النوع من الانسجام على عمل السلطة التنفيذية.. ودعمها في المضي بخطوات الإصلاح الفعال.. فكلما حدث تقارب وتساوق وتناغم وتعاون بين أهل السياسة ومرتاديها.. كان ذلك عاملا دافعا للنجاح.. ولكن كل هذا قد يكون عصّيا على التحقق.. ما لم تكون هناك حكمة مدعومة بالتوازن في دفع عمليات الإصلاح صوب الأمام.
وهذا يذهب بنا الى البحث عن أسباب وضع الحواجز (من بعضهم).. حتى لا تكون جهة الإصلاح قادرة على تنفيذ مشروعها.. خصوصا وعودها بالقضاء على خلايا الفساد المنتشرة في جسد البلاد.. وقد لا نحتاج الى بصيرة ثاقبة حتى نكتشف الجهات المعرقلة للإصلاح.. إنهم الفاسدون وأعوانهم المتغلغلون في ثنايا (صناعة القرار) التشريعي وحتى التطبيقي.. فهؤلاء يمنعون تقدم الإصلاح.. ويخشونه.. فيشنون عليه أنواع الحروب.. وهم من النوع الذي لا يطالهم اليأس.. ومن أسلحتهم.. تدمير التوازن.. وإبعاد الحكمة.. فبهذا يكون هنالك ضمان لفشل الإصلاح.. وهذا قد يكون حافزا على أهمية التمسك بهذين العنصرين أو الدعامتين (الحكمة والتوازن) حتى تنجح مساعي الإصلاح برمتها.
اضف تعليق