الوطن هو البيت الكبير، ومثلما يحتاج البيت الصغير إلى الإدامة والترتيب والتنظيف والإنارة والتدفئة والتبريد، يحتاج الوطن هو الآخر إلى كل هذه الأمور وأكثر. وقد انتبهت حكومات العالم إلى أهمية استمرار مثل هذه الأعمال وتطوير أساليبها وابتداع وسائل وطرائق جديدة يستعاض بها عن بعضها القديم الذي لا يرضي الطموح، ليس البلدان الغنية والمتطورة فحسب، بل وحتى البلدان الأكثر فقرا.

ومن مساوئ حظنا نحن العراقيين أننا بتنا على قناعة تامة بأنه لم يعد هناك أي وجه لمقارنة العراق بالبلدان المتقدمة والمتطورة والحديثة، وعليه صرنا نبحث عن بلدان بمستوى أقل من مستوانا ـ مع الاعتذار من هذه التسمية ـ لنقارن نفسنا بها، عسى أن نجد ما يميزنا عنهم، فنفخر به، ولكن خاب رجاؤنا يوم وجدنا تلك البلدان بالرغم من حاجتها إلينا، تبذل جهدا جبارا لكي تخرج من قوقعة فقرها إلى رحب فضاء حريات شعبها وربطه بعجلة التقدم العالمي، لنتحول بعد هذه الخيبات إلى أنموذج فريد غير قابل للمقارنة مع غيره لأنه لا يوجد له شبيه.

وما سأذكره في أدناه لا يأتي لأغراض المقارنة أبدا، وإنما لتأكيد صحة ما ذكرته في أعلاه، فالفاصل بيننا وبين الأردن الشقيق الذي ما كان ليستمر في الحياة لولا تزويده ببترولنا المجاني لا يعطينا حق مقارنة أنفسنا به ولاسيما وأنه يسعى وراء التجديد والإبداع.... ومن هنا سيكون حديثي على شكل نقاط متسلسلة:

الأولى: أصدر مجلس الوزراء الأردني قرارا بإغلاق كافة محلات الاراجيل والنوادي الليلية في المملكة اعتباراً من ٣٠/٢/٢٠١٧، واستبدال هذه المحلات والنوادي بمكتبات عامة مفتوحة ٢٤ ساعة، تستقبل كافة المواطنين ولاسيما شريحة الشباب من الجنسين، وتتميز بتقديم المشروبات كالقهوة والشاي والعصائر الطازجة من البرتقال والليمون والفواكه مجاناً لروادها، وهذا يذكرني بإعلان لإحدى المكتبات يقول: تصفح كتابا من مكتبتنا لمدة عشرين دقيقة وخذه مجانا!.

خطوة كبيرة ومباركة، ولكنها لو حدثت عندنا، لوجدت دعاة (المدنية) وغيرهم يشهرون أقلامهم للطعن بالقرار واعتباره مصادرة للحريات، ولوجدتنا بين مؤيد ومعارض إلى أن يفشل المشروع!!!

الثانية: بادر وزير التربية والتعليم الأردني بإصدار قرار لتزويد كل عائلة في المملكة بمكتبة تحتوي على كتب قيمة ليفيد منها أفراد العائلة، وسيتم البدء بتوزيعها بتاريخ ٣٠/٢/٢٠١٧.

ونحن في العراق العظيم لا زال طلابنا بدون كتب منهجية إلى الآن حيث تلجأ العائلات إلى شرائها من الأسواق المحلية بمبالغ طائلة!!!

الثالثة: يعتزم وزير الثقافة الأردني القيام بجولات على كافة المكتبات المقترحة اعتبارا من ٣٠/٢/٢٠١٧ للاطمئنان على سير العمل فيها ومدى تلبيتها لمتطلبات روادها وللتأكد من وجود كافة الكتب والمجلات والأفلام الثقافية، ولتزويد هذه المكتبات بكل ما تحتاجه من مراجع ومصادر تهم أبناء المجتمع الأردني. كما أن الوزير سيقوم بجولة على البيوتات الأردنية أيضاً بهدف التأكد من المكتبات المنزلية المقترحة ومدى تلبيتها احتياجات الآهل وأبنائهم.

وعندنا في العراق تشكو المكتبات العامة والمركزية وحتى الجامعية من الإهمال المتعمد بعد أن قطع عنها التمويل، وأصبحت مأوى لمن يريدون إبعاده من الموظفين المغضوب عليهم!!!

الرابعة: مجلس الوزراء الأردني يصدر قرارا يحضر بموجبه على كافة وسائط النقل استعمال جهاز التنبيه (الهورن) والتشحيط واستعمال مكبرات الصوت من قبل بائعي اسطوانات الغاز وسيارات الخضار وسيارات شراء الأثاث المستعمل تحت طائلة المسؤولية واتخاذ عقوبات صارمة بحق المخالفين.

وعندنا لا زالت مجالس المحافظات منذ ثلاثة عشر عاما تبحث عن حل لهورنات بائعي الغاز وجل ما تفتق عنه ذهنها إجبارهم على استخدام معزوفات موسيقية لا تقل تلويثا للبيئة عن الهون، أما الباعة المتجولون فحدث ولا حرج عن طرق ترويج بضاعتهم!!!

الغريب والعجيب أن هذه الخطوات ولاسيما الخطوة الأخيرة لم تجد من يعترض عليها على خلاف ما يحدث عندنا، باستثناء التخوف من اعتراض مجلس النواب الأردني عليها باعتبار أنها تتعارض مع نظامه الداخلي الذي يسمح بالتدخين واستعمال الاراجيل أثناء انعقاد الجلسات مجلس النواب. وفي هذه النقطة بالذات نلتقي مع إخوتنا الأردنيين ولكن على مستوى مجالس النواب فقط، مما يثبت أن مجالس نوابنا تغرد بعيدا عن سرب الإصلاحات، ولو خليت قلبت!!!

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق