عند نهاية كل عام تتزاحم الاحلام والامنيات على ألسِنٓة الناس، لتعبر عن رغبات لم تتحق في السابق او حاجات مستجدة تبحث اشباعها عن طريق وسائل الاشباع المتاحة او تلك التي يتوقع ان تتاح في المستقبل.
ربما تكون بعض الامنيات مجاملات كنوع التفاعل الاجتماعي مع الاخرين، فبعض الاشخاض لا يختلف لديهم تغيير ارقام الساعات والايام والاسابيع والسنوات، فالحياة حسب قاموسهم غير قابلة للتخطيط والتنظيم وكل ما عليهم فعله هو محاولة مجارات الامور بالحزن والالم اذا لم تجري كما يشتهون او بالفرح والسرور اذا حققت لهم ما يجعلهم قادرون على الاحساس بذواتهم واهميتهم في المجتمع.
لا نود الحديث عن هذا النوع من الاشخاص رغم كثرتهم لكن الكلام يتعلق باؤلائك الايجابيون الذين يتوقفون في محطات الحياة لتقييم ادوارهم الاجتماعية ومستوى تحقيق ما يطمحون اليه في المجتمع الانساني الواسع، ومن ثم فان اي محاولة للتقييم غالبا ما ترتبط بمناسبة مميزة او نجاح او مشكلة ما. ويمثل رأس السنة السوق الابرز لعرض الطموحات والاهداف الشخصية لا سيما وانها ترتبط بالمشروعات الجديدة للحكومات والمؤسسات غير الحكومية كالشركات وغيرها.
في نهاية العام الحالي ٢٠١٦ لا بد من طرح الكثير من التساؤلات من اجل تقييم ادائنا خلال سنة كاملة، وربما يكون السؤال الابرز هو: اين نحن الان؟ فهل حقنا ما كنا نطمح اليه عند بداية هذا العام الذي انقضى عمره وسيخلد جثمانه في ثنايا التاريخ والذاكرة الانسانية فقط. فالانسان لديه من الطاقة ما يجعله قادرا على فعل العجائب، وفي هذا المضمار لا فرق بين شخص واخر الا العمل والجهد والمثابرة والاستمرار رغم كل المعوقات، علينا ان نتساءل عن الامور الايجابية التي قمنا بها وكم مرة ساعد بعضنا بعضا وكم عدد الاموال التي صرفناها للمنظمات الخيرية، وكم مرة تصدقنا فيها على جارنا الفقير.
في الجانب السلبي لا بد من السؤال عن عدد الكتب التي قررنا قرائتها ولم نفتح اول صفحة منها، وهل لا زلنا ندخل في ظلمات الجدل السياسي العقيم من دون الخروج بنتيجة، بل قد نكون فقدنا اصدقائنا بسبب موضوع لا علاقة لنا به من قريب ولا من بعيد، هل نعرف كم الوقت الذي قضيناه امام شاشات الهاتف ننتظر تعليق الاصدقاء على صورة ننشرها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، محاولين من خلالها الظهور بلباس الناجحين من اجل التستر على عيوبنا واخفاقنا في اللحاق بركب الحياة الذي لا ينتظر احدا.
الوطن جريح والمسؤولية تفرض علينا ان نضمد جراحه بدل ان نضع عليه اطنانا من الملح بالحجج التقليدية والقاء اللوم على الظروف القاسية باعتبارها اكبر معوق للنجاح، اليست الحياة صراع مع المشكلات، ومن دونها لا معنى للراحة والسعادة اصلا وكما يقال: "لو لا وجود عكس المعنى فلا معنى للمعنى". فلو لا وجود الليل لا معنى للنهار ومن دون تحديات لا معنى للنجاحات، وفق هذا المنطق فان بلادنا هي افضل مكان لإثبات الذات المكللة بالنجاحات.
البناء يعني ان تكون الاهداف عقلانية وممكنة التحقق، وواقعية حتى لا نسقط في فخ الفشل والتعاسة الى الدرجة التي نستطيع من خلالها قياس ما هو منجز وما سوف ينجز، ومبدعة لدرجة اننا نستطيع القفز فوق ركام الازمات نهلهل خارج اسوار اليأس والتعاسة.
في عام ٢٠١٧ سوف لن نقف مكتوفي الايدي امام شاشات الهاتف التي تخدعنا بذكائها، ولن تستطيع رياح الجدل والنقاش العقيم ان تبعدنا عن اهدافنا السامية، وسوف يكون الحب والتسامح مع الذات اولا ومع الاخرين ثانيا هو سبيلنا لنجعل من هذا العام مناسبة للنجاح والتفوق على المشكلات، هكذا يتحدث الناجحون مع بداية عامهم الجديد، يقيمون اوضاعهم ويقفون عند نقاط الفشل، يفتحون ابواب التميز وينشرون الامل على قمم الابداع لينتجوا جيلا يخدم الوطن ويحرك عجلته التي تحاول الازمات ايقافها.
في عام ٢٠١٧ علينا ان نعيد بناء ذواتنا من جديد ليكون عامنا جديدا فعلا، وكيف لا يكون كذلك ونحن مقبلون على اروع انتصار سوف نحققه ضد عصابات القتل والتوحش على ايدي ابطالنا الغيارى، وكل ما يقدمه الانسان من جهد لبناء ذاته يسهم بتقديم مواطن صالح قادر على تحمل المسؤولية ازاء نفسه ومجتمعه، وهذه اكبر هدية نقدمها لبلد متعطش للفرح والسعادة.
اضف تعليق