مقدمة
طرح زعيم التحالف الوطني العراقي، السيد عمار الحكيم، مبادرة (التسوية الوطنية)، وذلك في إطار السعي للملمة الوضع العراقي، وتحقيق المصالحة التاريخية التي يفترض أن تكون حاضرة في عراق ما بعد تنظيم داعش، وكان المجلس الاعلى الاسلامي قد طرح قبل احتلال الموصل من قبل تنظيم داعش مبادرة مشابهه بعنوان (المبادرة الوطنية للسلم الاهلي وبناء الدولة) تضمنت تسعة أبواب ( الدستور العراقي، الوحدة الوطنية، النظام السياسي، الامن ومكافحة الارهاب، بناء مؤسسات الدولة وتشريع القوانين، صلاحيات المحافظات غير المنتظمة بإقليم، السياسة الخارجية، الاماكن المقدسة، الخطاب الاعلامي) وكانت تلك المبادرة قد تضمنت فقرات تفصيلية وآليات قضائية.
وتشير بعض المصادر الى أن خلفيّة الوثيقة تعود إلى بداية تشكيل حكومة السيد حيدر العبادي في آب 2014، التي جاءت وفق اتّفاق بين القوى السياسيّة الشيعيّة والسنيّة والكرديّة، التزم من خلالها السيد العبادي بالمضي في مشروع المصالحة الوطنيّة ضمن حكومة توافقيّة تنتهج مبدأ الفيدراليّة وتوزيع الصلاحيّات والثروات في شكل عادل بين كلّ مكوّنات البلد.
ووثيقة التسوية الوطنية لازالت مسودة أُعدت من قبل لجنة من المختصين شكلتها رئاسة التحالف الوطني لوضع بنودها، وهي تعكس رؤية وإرادة قوى التحالف الوطني لتسوية وطنية تنتج مصالحة تاريخية عراقية، وستؤدي بعثة (يونامي) دور الطرف الضامن لتنفيذ بنود هذه التسوية، عبر تجميع مقترحات كل الاطراف العراقية لصياغة ورقة نهائية تقوم على حمايتها وتنفيذها، فقد تعهدت البعثة الأُممية بالتعامل مع اي طرف يهدد او يعرقل تنفيذها، كما تعهدت بالتحشيد الدولي لصالح المبادرة، فضلاً عن تعهدها بتقديم جهة سياسية سُنية موحدة للتوقيع على الوثيقة، والحصول على موافقة دول إقليمية سُنية بشأنها.
والمرحلة الاخيرة لهذه التسوية هو ان تقوم بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق بمشورة الحكومة العراقية وممثلي التحالف الوطني وباقي الاطراف العراقية بتقديم استراتيجية تفصيلية للتسوية الوطنية التاريخية في ضوء المبادرات التي تقدّمت بها الأطراف العراقية، بما فيها إعداد خطة تفاوضية ذات سقوف زمنية محددة للدخول بمشغل تفاوضي تفصيلي لجميع المبادرات بإشراف الأمم المتحدة، ويتم التوصل الى الصيغة النهائية للتسوية وتطرحها البعثة الاممية وتكون ملزمة لجميع الأطراف العراقية ويتم إقرارها في مجلس النواب والحكومة بعد مباركة المرجعيات الدينية ودعم وضمان المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
أولاً. ردود الفعل المحلية
1. اتحاد القوى: رفض اتحاد القوى استلام مسودة التسوية التاريخية بعد اقرار مشروع قانون الحشد الشعبي، وحتى قبل ذلك ادعت قيادات فيه ان التسوية فيها شروط والتزامات يحاول التحالف الوطني فرضها على الشركاء في العملية السياسية واوضحوا لاحقا ان اقرار مشروع قانون الحشد الشعبي نسف العملية السياسية وزاد التخوف بين الشركاء، فيما عكفت الكتل السياسية المنضوية في إتحاد القوى بتاريخ 11/12/2016 في منزل رئيس الكتلة النيابية أحمد المساري بالعاصمة بغداد، لمناقشة فقرات التسوية السياسية المقدمة من قبلِ الهيئة القيادية للتحالف الوطني ورئيسه السيد عمار الحكيم، وصرح أحد اعضاء اتحاد القوى أن (المجتمعين سيطلعّون على مضمون تلك الفقرات وسيضيفون موادٍ أخرى تتلائم مع التوازن السياسي المتبع في النظام الحالي وفق الدستور العراقي).
2. دولة القانون: يتمثل موقف دولة القانون بموقفين:
- الأول، هو موقف رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي والذي يؤكد ان التسوية السياسية المبنية على خرق العدالة الاجتماعية ليست تسوية انما هي قنبلة موقوتة يمكن أن تعود للانفجار باي وقت ويمكن ان تعاود التدمير من جديد، وأن هناك مقدمات يجب ان تنفذ قبل التسوية السياسية أولها محاكمة الارهابيين مهما كانت صفتهم، وأن يقوم إقليم كردستان بتسليم جميع المتهمين بالإرهاب الى الحكومة المركزية، حينها يمكن التفكير بعقد تسوية سياسية وتصفير المشكلات.
- الثاني، هو موقف رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي الذي جاء مخالفاً للرؤى التي طرحتها مسودة التسوية، إذ تتجه رؤيته الى ان تكون أكثر محدودية وضيق وهي الحاجة الى ما أسماها (تسوية مجتمعية في المناطق المحررة) بين العوائل التي طالها الضرر من سلوكيات داعش الاجرامية من جهة وبين العوائل التي انضم ابنائها الى هذا التنظيم.
3. التيار الصدري: رأي التيار الصدري ان مسودة التسوية فارغة المضمون وهي حبر على ورق ولا يمكن ان تحفز اتباعها للقيام بما توجبه هذه التسوية لأنها قد تؤدي الى مشاركة شخصيات متهمة بدعمها للتنظيمات الارهابية في مرحلة مابعد داعش.
4. السيد اياد علاوي: حذر من ان عدم تحقيق مصالحة حقيقية في البلد عقب الانتهاء من تحرير الموصل قد يوفر الاجواء لإعادة ظهور تنظيم القاعدة في العراق، لوجود البيئة الحاضنة التي تشكو من حالة الاقصاء والتهميش، واكد أن هناك فرصة تاريخية للعراق في مرحلة ما بعد تحرير الموصل من تنظيم داعش، وان العراق على مفترق طرق، فأما أن يخرج من هذه القوقعة ويبني مصالحة حقيقية بين المكونات تنقذ الاوضاع من الانهيار الشامل، واما ينتهي.
ثانياً. ردود الفعل الدولية
1. الجمهورية الاسلامية: اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن وثيقة التسوية السياسية التي قدمها التحالف الوطني العراقي “أمر مهم” لمستقبل العراقي السياسي، داعيا دول المنطقة إلى عدم نقل مشاكلها الى العراق.
2. المملكة العربية السعودية: هناك معلومات اشارت الى ان وزير شؤون الخليج وسفير السعودية السابق في العراق ثامر السبهان سوف يصل الى بغداد كمبعوث من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لمناقشة التسوية السياسية مع رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم، وسيقوم بطرح شروط بلاده والتي تتضمن إعادة حزب البعث وإطلاق سراح سجناء سعوديين والحد من التدخل الإيراني في العراق مقابل تقريب رؤية دول الخليج العربي ومجلس التعاون للموافقة على التسوية، على أن توفر السعودية الدعم المالي لهذه المبادرة.
ثالثاً. السلبيات:
1. بما أن المبادرة تم طرحها من قبل التحالف الوطني وهي الجهة التي تدير البلد، هذا البلد الذي يحقق انتصارات ظاهرة للعيان على تنظيم داعش الارهابي وفي طريقة لطرد هذا التنظيم من محافظات العراق الغربية، فيبدو أن الطرف المنتصر هو الذي قدّم المبادرة، ولكن ماهي الضمانات التي سيحصل عليها التحالف مقابل هذه المبادرة، فلم تتضمن المبادرة على أية ضمانات توضح ما الذي سيتحقق لهذا البلد بعد اقراها، فإذا ما ظل حال البلد في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والامني وتدخل دول الجوار واستمرار التفجيرات ونشاط الفكر المتطرف، فلماذا إذن هذه التنازلات؟ فعلى الرغم من ورود فقرة (وتضع جميع الأطراف العراقية أمام التزامات متبادلة وضمانات ضمن سقوف زمنية محددة تلتزم بها الأطراف) في المادة الثانية ولكنها لاتعني ضمانات لاستقرار البلد السياسي والامني، وأنما ضمانات للاستمرار بالتسوية.
2. لم يرد في نص المبادرة أية اشارة الى القضاء، وكأن المبادرة هي عبارة عن عفو عام غير مشروط لا دخل للقضاء بها، فالقاتل والمحرض على القتل وعضو المجاميع الارهابية هم في خانة المعفى عنهم بلا عقوبة أو جزاء أو شروط أو ضمانات تمنع عودتهم الى ممارسة النشاطات الارهابية.
3. وردت أغلب فقرات المبادرة فضفاضة، وتحمل في طياتها عبارات عامة تؤكد على السلم الاهلي والتعايش السلمي وقبول الاخر، ولكن بدون آليات دقيقة لتنفيذ كل هذه الفقرات.
4. ورد في المادة الرابعة من مسودة التسوية نص (التفاهم مع كل القوى الفاعلة في المجتمع العراقي على تنوعه سواء كانوا داخل أطر الدولة او العملية السياسية أو خارجها بما فيها الوجودات السياسية والدينية والمجتمعية والمعارضة والجماعات المسلحة ضمن سقف الدستور استثناء حزب البعث وداعش وكل كيان إرهابي وتكفيري وعنصري) فهل هناك وجود لجماعات مسلحة تعمل في العراق لاتحمل فكر تكفيري؟ فيبدو أن هناك تناقض في هذه الفقرة أو تم وضعها لجعل بعض فقرات المبادرة فضفاضة وتقبل اكثر من تفسير واحد.
5. ان فقرة (الإدانة الصريحة والواضحة لسياسات النظام البعثي الصدامي كجرائم الإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والإعدامات والاغتيالات بحق مراجع وعلماء ورجال الدين والنخب الوطنية.. الخ) هي فقرة مذكورة اصلاً في الفقرة (أولاً) من المادة (7) من الدستور العراقي.
6. في الفقرة (2) من سابعاً تذكر المسودة نص (تساعد بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق على تحديد وحسم التمثيل الرسمي لممثلي جميع المكونات والاطراف العراقية بما يرضي كافة الاطراف، وتتعامل الامم المتحدة مع الجهات المعرقلة لهذه التسوية على وفق السياقات المعمول بها أمميا) هل من الممكن ضمان حيادية الامم المتحدة، والكل يعلم أن مصداقية وحيادية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أصبحت على المحك في إطار تأثير المال السياسي ومصالح الدول الكبرى؟.
7. في الفقرة (5) من سابعاً نص (تطرح بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق الصيغة النهائية للتسوية الوطنية وتكون ملزمة لجميع الأطراف العراقية ويتم إقرارها في مجلس النواب والحكومة بعد مباركة المرجعيات الدينية ودعم وضمان المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وستعمل بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق على تحشيد الدعم اللازم من الدول الاقليمية المجاورة لإنجاح خطة التسوية الوطنية المتفق عليها) ماذا عن الاجندات الاقليمية المتصارعة في العراق؟ وهل يمكن ضمان اجندات بعض الدول الاقليمية كدول داعمة لوحدة واستقرار العراق، أو حتى مواقف جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي؟
8. بما ان التسوية نصت على السعي لتعديل الدستور، فلماذا لايتم تحديد المواد التي يراد تعديلها في الدستور؟
ثانياً. الايجابيات: من أهم ايجابيات وثيقة التسوية هي الفقرات الاتية:
1. الإيمان والالتزام قولاً وفعلاً بوحدة العراق أرضاً وشعباً والحفاظ على سيادته واستقلال قراره وهويته ونظامه الديمقراطي البرلماني الفيدرالي ورفض تقسيمه تحت أي ظرف.
2. لا عودة ولا حوار ولا تسويات مع حزب البعث أو داعش أو أي كيان إرهابي او تكفيري او عنصري وتمثيل المكونات والاطراف العراقية يجب أن يخضع للقبول بالثوابت الواردة بهذه المبادرة.
3. إقرار قانون خدمة العلم الذي يعد من اهم الشعارات التي تطالب بها القوى الوطنية العراقية من أجل تقوية الوحدة الوطنية.
التحليل
• نعتقد إن الساحة السياسية العراقية اليوم مهيأة لطرح مثل هكذا تسوية أو مبادرة، لأن الجميع يبحث في مرحلة ما بعد داعش، وهي مرحلة خطرة نتيجة تصارع العديد من الاجندات الاقليمية والدولية المختلفة والمتناقضة للحصول على موطئ قدم لها في العراق ومن ثم المشاركة في رسم القرار العراقي لخدمة مصالحها.
• ان التحالف الوطني أرسل مسودة التسوية الى البعثة الاممية قبل ان يوافق عليها جميع اطرافه مما يدلل اختلاف اراء الاحزاب والكتل السياسية داخله حول مضمون المسودة.
• نعتقد أن التسوية اذا تم احكام بنودها فهي بمثابة تحقيق نصر سياسي عراقي يمثل خارطة طريق لجميع مكونات البلد، وستطرح تلك التسوية بعد انتهاء معركة تحرير الموصل واستعادتها بالكامل.
اضف تعليق