في خضم الاحداث المتسارعة في شمال العراق على وقع الحرب ضد داعش لطرده من اخر معاقله في مدينة الموصل، انبرى رئيس اقليم كردستان العراق المنتهية ولايته مسعود البرزاني لدعوة الاحزاب السياسية في الاقليم الى الاجتماع فيما بينها والاتفاق على تفعيل برلمان الاقليم وانتخاب رئاسة جديدة للبرلمان، مشيرا الى انه ليس صحيحا ان يبقى أشخاص في اماكنهم وهم من تسببوا في خلق الأزمة السياسية في الاقليم!.
دعوة البرزاني هذه تخفي خلفها الكثير من النوايا والخطط المبطنة فضلا عن الكثير من المخاوف تجاه المستقبل الذي بات مظلما بالنسبة للاقليم في الوقت التي تتسع فيه دائرة نفوذ خصومه خاصة الحشد الشعبي الذي وصل الى تلعفر وسيطر على مناطق واسعة من مدينة الموصل، بالإضافة الى الاختراق الذي احدثه خصم برزاني اللدود "نوري المالكي" من خلال توثيق علاقته بالاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير.
كل هذه العوامل اسهمت في محاولة الرئيس المنتهية ولايته والمتشبث بالمنصب رغم انف المعارضين، الى محاولة تدارك الموقف قبل فوات الاوان، فقوة خصومه تزداد واقتصاده يعيش على خطط الطوارئ وهو ما دفع المواطنين للتظاهر في اكثر من مناسبة بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية في الاقليم واتهام مسعود البرزاني صراحة بالتسبب بتلك الازمة الاقتصادية نتيجة تشبثه بالمنصب من دون اي مسوغ قانوني.
اكثر ما يهم السيد مسعود البرزاني هو تحقيق حلمه بالاستقلال عن العراق وكل جهوده تنصب في هذا الاتجاه، وما يؤخر هذا الحلم هو ازمة احتلال داعش للموصل وتوحيد صفوف الكرد من اجل الذهاب في فريق واحد للتباحث مع بغداد حول سبل تحقيق الاستقلال، لا سيما وان كل الوقائع تؤكد ان لا استقلال من دون كسب ود حكومة بغداد، فالاعتراف الدولي الذي يمثل حجر الاساس في الدولة الكردية المستقبلية يأتي عن طريق بغداد وليس بخطوات احادية اجانب، كما اتباع هذا الطريق رغم صعوبة اقناع بغداد تخلص الاقليم من التوترات التي قد لا يستطيع مواجهتها في حال اقدامه على اعلان الاستقلال من دون الرجوع الى المركز.
وفي هذا السياق أكد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان البرزاني في مقابلة نشرت في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مجلة "بيلد" الألمانية أنه يريد مناقشة "استقلال" الإقليم، حال تحرير مدينة الموصل من تنظيم "داعش". وذكر البرزاني في حينها أن "الأمور ناضجة منذ فترة طويلة، لكن حاليا نركز على المعركة" ضد تنظيم داعش. وقال "فور تحرير الموصل سنجتمع مع شركائنا في بغداد لنتباحث في استقلالنا. انتظرنا طويلا، وكنا نعتقد انه بعد 2003 (غزو الولايات المتحدة للعراق) ستكون هناك انطلاقة جديدة لعراق جديد ديمقراطي. لكن هذا العراق فشل".
في المقابل هناك من يرى بان الاقليم اصبح بيئة خصبة للازمات والتقسيم وهو غير مهيئ لإعلان الاستقلال بل عليه التفكير في تقسيم مناطق النفوذ بين اطرافه المتصارعة، إذ رجح النائب مسعود حيدر عن كتلة التغيير المعارضة لتوجهات عائلة البرزاني، تقسيم اقليم كردستان الى منطقتي نفوذ مشيرا الى ان اوضاع الاقليم السياسية تزداد سوءا لجملة اسباب ابرزها احتدام الصراع ما بين الكتل واصرار مسعود بارزاني للبقاء في السلطة رغم انتهاء المدة الدستورية وتأييد حزبه الديمقراطي هذه الافعال ورفض الكتل الاخرى.
وطرح النائب حلا قد يكون قاسيا بالنسبة للكرد يتمثل بتقسيم الاقليم اذ قال: "الحل لهذه الاشكاليات يكمن في تقسيم مناطق النفوذ لاسيما بعد توحد حزب الاتحاد الكردستاني وكتلة التغيير وتأييد كتل اخرى لسياستهما"، مرجحا "العمل بتقسيم المحافظات الكردية الثلاث الى مناطق تحكمها قيادتين كرديتين الاولى بإدارة حزب البارزاني والاخرى بإدارة الاحزاب الاخرى".
الكرد الذين يتبعون سياسة رسم الحدود "بالدماء" على حد وصف قيادتهم لا يتوانون من انتهاز اللحظة المناسبة للحصول على المزيد من المكاسب على حساب شركاء الوطن لكن حلم العائلة البرزانية يبدو هذه المرة ابعد من اي وقت مضى وهذه الدعوة التي جاءت من الرئيس المنتهية ولايته ليست كسابقتها كونها لم تأتي من موقف تفاوضي قوي بل جاءت من موقف ضعف واشارة واضحة الى تعقيد العلاقة بين الاطراف الكردستانية، فبدل البحث عن استقلال الاقليم اصبح البحث اليوم يدور عن محاولة لتوحيد الاقليم المنقسم على نفسه، ومرحلة ما بعد داعش سوف تكون اشد صعوبة على الاجواء السياسية المتوترة اصلا.
اضف تعليق