كانت مصر ولا زالت دولة اقليمية لها وزنها ودورها الفاعل في مختلف قضايا الشرق الاوسط، ورغم كل الازمات التي تعرضت لها، لا سيما بعد "الربيع العربي"، حافظت على مكانتها السياسية والعسكرية ولعبت اداور مهمة اثارت الكثير من الجدل والنقاش حولها.
أغدقت السعودية مساعدات مالية كبيرة على مصر، في السنوات الأخيرة. فبعد إسقاط أول رئيس مصري منتخب وأحد قادة "الإخوان المسلمين" محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، سارعت الرياض إلى منح القاهرة 5 مليارات دولار، ثم تعهّدت بتقديم 4 مليارات دولار إضافية في آذار/مارس 2015 وبعد ذلك تم توقيع 36 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة تتجاوز 22.65 مليار دولار، مما اعتبر في حينها مؤشرا على أهمية الشراكة الاستراتيجية المستدامة بين البلدين. وكانت الموافقة المصرية على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية من النقاط البارزة التي اثارت جدلا واسعا لدى الاوساط المصرية، الا ان الاهم اقتصاديا في كل ذلك كان تعهد السعودية بإمداد مصر بالنفط لمدة خمس سنوات قادمة. وغاية السعودية في ذلك وضع اوزان اكبر في ميزن قوتها لمواجهة ايران في حروبهما المستعرة في الشرق الاوسط.
بعد هذه الامتيازات التي حصلت عليها مصر من السعودية توقع كثيرون ان تكون القاهرة تابعة للرياض في كل قراراتها، بدلالة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، لكن كل امال السعودية تحطمت بعد اشهر قلائل. فمصر ليست البحرين او اي دولة اخرى، وكان تصويتها في شهر تشرين الاول لصالح القرار الروسي في مجلس الامن حول حلب كافيا ليعرف السعوديون ان حساباتهم كانت خاطئة وان نظرتهم كانت قصيرة جدا.
اللغة السعودية وكعادتها اعتمدت على رد الفعل فانتفضت من خلال شركة ارامكو لتقطع امداداتها النفطية عن مصر، لكن المصريون لم ينتظروا كثيرا مع توفر البدائل الكثيرة، فشهدت الدبلوماسية المصرية حراكا سريعا نحو روسيا والعراق والامارات، واخيرا جاء دونالد ترامب كهدية قدمها الشعب الامريكي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
مصر تعرف ان السعودية تعتبرها حليفا فرضته الحاجة لمواجهة ايران وحتى بعض خصوم الرياض من العرب والخليجيين، وحتى العلاقات بين الطرفين لم تقوم على حوارات جادة بقدر اعتمادها على تكتيم على مشاكل تستعر تحت الرماد بفعل الخلافات حول قضايا عدة بدءا من الازمة السورية واليمنية وليس انتهاء بالعلاقات مع تركيا بالنسبة للسعودية او روسيا بالنسبة لمصر، وبالتالي ليس مستغربا ان تعاقدت مصر مع اثنتين من شركات البترول في الإمارات خلال زيارة وزير البترول بداية الشهر الحالي لأبوظبي؛ وهما: شركة بترول الإمارات الوطنية، وشركة "أبيك"، حسب وكالة سبوتنيك الروسية وصحف مصرية. وأشارت الوكالة الروسية إلى أن الشركتين ستقومان بتصدير عدد من شحنات المواد البترولية لمصر، وذلك بجانب شحنات البترول القادمة من العراق لسد احتياجات مصر من المواد البترولية خلال الفترة المقبلة.
مصادر اعلامية مصرية أشارت الى أن وزير البترول المصري سيقوم بزيارة روسيا خلال الأسابيع المقبلة للتعاقد على توريد عدد من شحنات البترول، وأن هناك اتصالات بدأت بين الجانبين لتقوم روسيا بتصدير المواد البترولية لمصر، على أن يتم السداد بالعملة الروسية "الروبل". وبحسب المصادر فان وفداً عراقياً رفيع المستوى من شركات البترول سيزور مصر لعقد الاتفاق النهائي لتصدير البترول لمصر، بالإضافة إلى نقل الخبرات المصرية للشركات العراقية.
هذه الاستدارة المصرية السريعة تزلزل القيادات السعودية التي لم تجد ناصرا ولا معينا لها، لا في الشرق الاوسط ولا في الولايات المتحدة الامريكية الراعي الرسمي لمملكة "البترول والبارود"، فمع انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الامريكية، تجد الرياض نفسها مفلسة وغير قادرة على الاستمرار في سياستها بالشرق الاوسط، وربما سوف يكون الصمت السعودي هو سيد الموقف بانتظار الخطوات العملية للرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب. في حين تعيش مصر افضل احوالها في بانتظار الرئيس الامريكي الجديد الذي يعتبرها رأس الحربة في مواجهة الارهاب "السني".
السعودية لن تترك مصر وحيدة فحاجتها السياسية والعسكرية لمصر اكبر من حاجة مصر للبترول المتوفر في الاسواق العالمية وبأسعار رخيصة، وقيمة مصر الاستراتيجية ترتفع حينما تجيد السير في المناطق المحرمة بين حلفائها المتحاربين فيما بينهم. فايران والامارات وروسيا والعراق ستغدق عليها بالمال والسلاح بانتظار برود الاعصاب السعودية.
اضف تعليق