الديمقراطية الهشة هو مصطلح يُطلق على حالة من الحالات التي تتسم بها بعض الدول الديمقراطية التي لم تترسخ فيها القيم والممارسات الديمقراطية بالشكل الذي يمكن وصفها بأنها دولا ديمقراطية.
بمعنى آخر الديمقراطية التي تعاني من خلل وإرباك في التطبيق أو العليلة أو المريضة التي تعاني من وجود أعراض وحالات تشكّل مصدر تهديد لأسسها، والديمقراطية الهشة قد تكون مرحلة وسط مابين الديمقراطية المستقرة والديمقراطية المنهارة أو المتلاشية، أي إنها تأتي ضمن مراحل التحول الديمقراطي، وهي بذلك تنطوي على احتمالية الوصول إلى الديمقراطية المستقرة أو قد تنحرف بالعودة إلى الاستبداد.
أن أهم سمات الديمقراطية الهشة تتمثل فيما يلي:
1- تقصير واضح للدولة في حماية الحقوق والحريات العامة للفرد والمجتمع.
2- تهميش رأي المواطن وعدم الاستجابة لمطالبه المشروعة.
3- انخفاض نسبة الحرية في الأحزاب السياسية وقلة نسب مشاركة المواطن في الحياة العامة.
4- عدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية والانتقال السلمي للسلطة وتشويه العملية الانتخابية وإفراغها من مضمونها عبر وسائل وأساليب تؤدي إلى تغييب الإرادة الحقيقة للناخب.
5- ضعف القانون وازدواجية المعايير المعتمدة في تطبيقه مما يخلق حالة من غياب العدل والفوضى العامة.
6- ظهور الصراعات السياسية على السلطة بين المكونات السياسية والاجتماعية مما يؤثر سلبا على الأداء الاقتصادي والخدمي والأمني ويؤدي بالنتيجة إلى انخفاض مستوى الأمن وتصاعد حدة الفقر وانتشار الفساد الإداري والمالي.
7- الأجهزة الأمنية تظهر وكأنها دولة داخل دولة، كما تظهر جماعات مسلحة لا تخضع لسلطة القانون مما يهدد هيبة وسلطة الدولة التي ستكون عرضة لتدخلات أجنبية واضحة.
لا شك بوجود أسباب عدة تقود إلى نشوء الديمقراطية الهشة منها على سبيل المثال لا الحصر الانتقال السريع والمفاجئ من الاستبداد إلى الديمقراطية، فضلا عن تطبيق نموذج للديمقراطية قادم من وراء الحدود بحيث انه لا ينسجم مع ثقافة المجتمع وقيمه ودرجة وعيه، أضف إلى ذلك عدم وجود بيئة مناسبة لنمو عناصر الديمقراطية بشكل صحيح، نتيجة لشيوع الأفكار المخالفة للتحرر مثل عدم احترام الرأي الأخر وعدم القبول بالانتقال السلمي للسلطة وصعوبة التعايش السلمي مع المخالف في المذهب والدين والقومية، والاهم من ذلك غياب الأحزاب والقيادات المؤمنة بالديمقراطية بشكل تام، فأغلب الأحزاب وقياداتها في الدول ذات الوعي المجتمعي البسيط تنظر إلى الديمقراطية كوسيلة للوصول للسلطة دون أن تؤمن بها كنظام فلسفي وعقائدي لبرنامجها السياسي، والملاحظ إن هذه الأحزاب لا تمارس الديمقراطية في عملها التنظيمي فكيف يرجى منها أن تعمل على نشر القيم الديمقراطية.
وهنا لا ننسى العامل الخارجي وتدخل بعض الدول وخصوصا غير الديمقراطية لإفشال أي تجربة ديمقراطية في دولة مجاورة لتحصّن نفسها من أي تأثير مستقبلي قد يهدد حكوماته الدكتاتورية.
لعل اخطر ما يشوب الديمقراطية الهشة هو احتمال انحرافها إلى الاستبداد، فضعف القانون وعدم استتباب الأمن وشيوع الفساد الإداري والمالي وتراجع مستوى الاقتصاد، قد يدفع الشعب إلى إهمال أو تجاهل الحريات العامة وحقوق الإنسان وقد يبدأ بالمطالبة بحاكم قوي يعيد للدولة هيبتها ويكون قادر على ضبط الأمن ومحاربة الفساد وتحقيق التنمية الاقتصادية ووضع حد للتدخلات الخارجية، حتى لو كان ذلك على حساب القيم الديمقراطية، وواضح لدى الجميع بأن هكذا حكام دائما ما يتصفون بميل غريزي للاستحواذ على السلطة والاستمرار فيها من خلال العمل على التلاعب بالقوانين وتغييرها بما يحقق لهم هذا الهدف.
إن الإحصائيات الخاصة بالدول الديمقراطية لسنة 2015 تشير إلى إن ما يقارب 90 دولة في العالم تم تصنيفها على إنها ديمقراطيات معيبة أو هجينة بمعنى إنها غير مستقرة وبالتالي فهي ديمقراطيات غير كاملة تعاني من مشكلات بنيوية قد تعيق عملية إرساء القيم الديمقراطية خصوصا إذا ما تعرضت الدولة إلى هزات عنيفة على مستوى السياسة والاقتصاد والأمن قد تغيّر من أهداف وأولويات المجتمع بحيث يجعل مطلب توفير الأمن ولقمة العيش وإنهاء الصراعات السياسية مقدما على مطلب الحقوق والحريات السياسية.
إن عملية التحوّل الديمقراطي قد تواجه الكثير من العقبات وقد تحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى النجاح، فالفلبين على سبيل المثال وبعد ثورة الشعب على الدكتاتور ماركوس عام 1986، تعرضت الحكومة الديمقراطية الجديدة لتحديات مباشرة من تبعات الدكتاتورية السابقة، وجاء التحدي الأول من جانب الشيوعيين الذين أرادوا الاستيلاء على السلطة، كما تورط الجيش في مغامرات انقلابية بلغ عددها تسع محاولات خلال خمس سنوات، ولازالت الديمقراطية في الفلبين تعاني من ارتجاجات رغم إنها تأتي في المرتبة 54 في مؤشر الدول الديمقراطية لسنة 2015.
تركيا التي احتلت المرتبة 98 في تصنيف الدول الديمقراطية تواجه أيضا مخاطر الاستبداد بشكل واضح في ظل سياسات اردوغان الحالية، وروسيا الاتحادية التي جاءت في المرتبة 132 تشوب ديمقراطيتها الكثير من المظاهر التي تعكس البيئة القابلة للجنوح نحو الاستبداد.
في المقابل استطاعت اسبانيا منذ عام 1977 (وهو تاريخ إجراء أول انتخابات برلمانية فيها) تحقيق خطوات راسخة في طريق الانتقال من الدكتاتورية نحو الديمقراطية لتصل في عام 2015 إلى المرتبة 17 ضمن الدول الديمقراطية، وهذا يعني أن عملية التحول الديمقراطي لا خشية عليها من عودة الاستبداد إذا ما استطاعت الدول إتباع خطط رصينة وتجاوز العقبات بحكمة وموضوعية.
والسؤال المهم هنا هو، كيف نحصن ونحمي الديمقراطية الهشة من الجنوح نحو الاستبداد؟.
الجواب.. ممكن تحقيق ذلك من خلال ما يأتي:
1- إيجاد قيادات سياسية واعية مؤمنة وعاملة بالديمقراطية تتبنى مهمة ترسيخ الديمقراطية ثقافة ووعيا ومنهجا.
2- الإصرار من قبل الجميع على استمرار عملية الانتقال إلى الديمقراطية وعدم اليأس بسبب التحديات التي تواجه هذا الانتقال.
3- لا يكفي تغيير الحكومات، بل يحتاج الانتقال إلى أشخاص وعمليات وآليات لتقوية المؤسسات، والحفاظ على التقدم الاقتصادي، وتقوية اللحمة بين قطاعات الشعب.
4- التركيز على تحقيق التقدم الاقتصادي والتنمية لان الكثير من الديمقراطيات ترسخت بفعل المنجز الاقتصادي كما هو الحال في كوريا الجنوبية وماليزيا وتايلاند وسنغافورة.
5- إن لوجود مؤسسات المجتمع المدني دور بارز في المرحلة الانتقالية، فهي تسهم بشكل كبير في تنمية المجتمع والدولة فكريا وثقافيا وتهيئة الظروف اللازمة لإرساء الديمقراطية.
6- الابتعاد عن أساليب الحكم التي تؤسس للانقسام الديني والمذهبي والقومي، والعمل على إدارة البلاد اعتمادا على المنهج الوطني الموحد للشعب.
7- اطلاق المبادرات الإستراتيجية الرامية لتحقيق التحول نحو الديمقراطية، سواء كانت قصيرة أو طويلة الأمد، من أجل تحقيق التوازن بين كل من الإصلاح السياسي، والتحرير الاقتصادي، والتغيير الاجتماعي، بما يكفل مشاركة المواطنين وتفعيل المواطنة المسؤولة.
8- العمل على استحصال الدعم الخارجي لإنجاح التجربة الديمقراطية لان مثل هذا الدعم ضروري للدول التي تعاني من مشكلات داخلية.
ونختم بالقول أن الخوف من الارتداد نحو الاستبداد نتيجة لهزات فوضى الانتقال نحو الديمقراطية قد لا يكون له مبرر لان عملية التحوّل الديمقراطي خصوصا في الدول التي لم تعش تجربة الديمقراطية سابقا، هي عملية ولادة نموذج جديد للحكم لا تخلو من المخاض العسير والألم الشديد، الذي يتطلب ممن يعنيهم الأمر أن يصبروا عليه ويتحملوه من اجل إنجاح عملية التحوّل والوصول إلى الهدف المنشود وهو الديمقراطية الكاملة غير الهشة.
اضف تعليق