تتدهور العلاقات الدولية بشكل متصاعد على اثر تقاطع المصالح والذي القى بضلاله على المصالح السياسية والاقتصادية للدول الكبرى، وقد احتدم الصراع "الكلامي" او "الخطاب الدعائي"، في الآونة الاخيرة بشكل غير مسبوق وكأننا نقرع طبول حرب يراد لها ان تكون عالمية ثالثة. وقد يراد ان تكون حربا باردة ثانية.
العلاقات بين روسيا والغرب تدهورت على مدار الشهور القليلة الماضية، ويرجع هذا التدهور بدرجةٍ كبيرة إلى تقاطع المصالح بين الطرفين بالنسبة للازمة السورية، بالإضافة الى ملفات لا تقل اهمية مثل الملف الاوكراني. بل قد يكون الاخير هو محور الصراع.
التدهور بين روسيا والغرب يتجسد بشكل عملي ليس من خلال قرارات سياسية فحسب بل يدعم ذلك اجراءات عسكرية غربية، فالتعزيزات العسكرية جارية على قدم وساق على حدود روسيا وخصوصا في دول اوربا الشرقية، وقد اعتبرت صحيفة Steigan blogger النرويجية أن نشر حلف الناتو قوات إضافية شرق أوروبا يؤكد أن الأطلسي يحضر لأكبر تصعيد يتجسد في حشد القوة العسكرية منذ انتهاء الحرب الباردة. وكتبت الصحيفة أن بلدان الناتو تعتزم نشر 4 آلاف جندي على الحدود مع روسيا ليكونوا جاهزين للانضمام إلى قوات رد سريع قوامها 40 ألف فرد من دول الناتو المجاورة لروسيا. مشيرة الى ان النرويج قد نات بنفسها عن اي انخراط عسكري ضد روسيا حتى في ذروة الحرب الباردة. ما يعني ان مساحة المواجهة قابلة للتوسع.
الدول الاوربية يبدو انها تعيش هواجس الحرب بشكل مثير او انها تحاول التهيئة لأمر ما، فقد رفعت الحكومة الليتوانية درجة استعدادها، وطبعت كُتيِّبات نصحت فيها المواطنين بالتأهب للرد على القوات الروسية المحتلة عن طريق التكتيكات الخاطفة لحرب الشوارع. ويشرح الدليل المكون من 75 صفحة، الذي وُزع على 30 ألف شخص، كيف تصبح متمرداً في حالة مهاجمة القوات الروسية للبلاد من جهة الشرق، وفق ما ذكر موقع Express، وفي خطاب دعائي كهذا نرى وكان الوضع متجه نحو حرب فعلية عاجلا ام اجلا.
هذه التحركات الغربية تثير قلق موسكو التي تراقب عن كثب تراكم قوة حلف الناتو وإنشائه بنية تحتية عسكرية بالقرب من الحدود الروسية، وحشده لقوات بحرية ضاربة في البحر الأسود، وزيادة عدد جنوده، وإعلانه على لسان أمينه العام ينس ستولتنبرغ، عن نيته تشكيل قوة بحرية في البحر المتوسط، وأن الحلف يراقب عن كثب تحركات القطع البحرية العسكرية الروسية في المنطقة.
وتأتي التأكيدات الروسية على جاهزية قواتها كنوع من الرد على تحركات الناتو، اذ اعتادت موسكو على تأكيد تفوق منظومات دفاعها الجوي على اي هجوم معادي مثل منظومات "اس 300" او "اس 400" فضلا عن حديثها المتكرر عن اسلحتها النوعية الاخرى وقطعها البحرية.
البعض يرى ان التحركات الغربية ضرورية لكبح جماح روسيا الطامحة لاستعادة الامجاد السوفيتية، ويتجسد ذلك بشكل جلي في شخصية الرئيس فلادمير بوتين، وفي المقابل هناك من يرى بان الغرب فشل في تسويق الاسلام كعدو للحضارة الغربية، فعاد مرة اخرى لاجترار النموذج السوفيتي بنسخته "البوتينية"، وتعديل بعض الجوانب ليظهر كعدو يتوجب معه حشد كل طاقات الغرب العسكرية، والمعروف ان الدول الغربية بنت الكثير من قراراتها المصيرية على اعداء وهميين او قدرات وهمية لأعداء ضعفاء.
ولو نظرنا الى حجم حلف الناتو مقارنة بالقوة العسكرية الروسية نجد التفوق لصالح الناتو فالولايات المتحدة وحدها تعادل قوة روسيا بأضعاف، وذلك بالنظر الى القواعد الامريكية الخارجية والميزانية المالية لوزارة الدفاع فضلا عن التجهيزات العسكرية والاسلحة الفتاكة التي تمتلكها الولايات المتحدة، وكل هذا يضاف اليه دول حلف الناتو ومحاصرتها لروسيا من كل الجوانب. ولنتذكر فقط ان الدول الغربية نفسها تعتمد على استراتيجية تضخيم الاعداء واضاء حالة من العظمة على اعدائها، والمثال هو الجيش العراقي في عهد صدام حسين الذي صنف على انه سادس جيش في العالم، خلافا للواقع.
ما يروج له حاليا ليس مؤشرات لبدء حرب عالمية ثالثة؛ بل هو تحول لحرب باردة ثانية والمسافات بين حلف الناتو وروسيا باتت متقاربة جدا والاحتكاك وارد الا ان هذه الاحتكاكات هي احدى قواعد الحرب الباردة كما علمتنا التجربة السابقة. فالأجواء تبقى مشدودة ومتوترة لكنها تكون تحت التحكم والسيطرة دائما ولا تتعدى خطوط التهديد والوعيد. والواقع يؤكد هذه الفرضية فجميع الدول لا تريد المواجهة العسكرية فأمريكا تنسحب من الشرق الاوسط، وروسيا لا تريد الانجرار اكثر في حروب العالم مع اقتصاد ضعيف، ودول الاتحاد الاوربي لم تضمد جراحات الخروج البريطاني وصعود الاحزاب المتطرفة.
اضف تعليق