شكل قرار منح إجازة إجبارية لموظفي الدولة قلقاً وجدلاً واسعاً في الشارع العراقي، اذ صوت مجلس الوزراء على مشروع قانون يمنح الموظف إجازة اعتيادية اختيارية طويلة لمدة خمس سنوات وبراتب أسمي كامل، كإجراء تقشفي من قبل الدولة الذي يمثل أحد الحلول لمواجهة الوضع المالي المتردي في البلد.
وسوف يتم إدراج هذا القانون ضمن الموازنة الخاصة بالسنة 2017، اذ يسمح هذا القرار للوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة او المحافظ او من يخوله اي منهم منح من أكمل مدة خمس سنوات فعلية بالوظيفة من الموظفين إجازة براتب اسمي لمدة خمس سنوات وتكون بدون راتب لما زاد عن خمس سنوات واكثر، وتحتسب لأغراض التقاعد على ان تدفع التوقيفات التقاعدية كاملة خلال مدة الاجازة، وتستحصل موافقة رئيس الوزراء اذا كان الموظف بدرجة مدير عام فما فوق.
إقتصادياً، يرى خبراء ومراقبون أن ثمة إيجابيات لهذا القرار، مستندين في ذلك على أن هذا القرار سيمنح الموظف راتب إسمي كامل من دون عمل مما يساعده في ايجاد وقت آخر كافي لممارسة اعمال أخرى في القطاع الخاص وفتح مشاريع جديدة والحصول على دخل اضافي او من يمر بظروف عائلية خاصة كالنساء والمرضى.
كما يرى البعض أنه يمثل حل للكشف عن البطالة المقنعة الموجودة وبكثرة في دوائر الدولة، أي أنه بصورة عامة سيكون حلاً ناجعاً لموظفي الدرجات الدنيا والذين لايملكون مكافئات او مخصصات عالية فوق رواتبهم الأسمية، في حين يرى البعض الأخر، أن القرار لن يساهم في معالجة الوضع او تحسين الوضع المعاشي والاقتصادي لشرائح الموظفين، منطلقين من أساس مفاده أنه وأن كان المتضررون من ذلك أصحاب الدرجات العليا الذي يحصلون على رواتب عالية مقارنة بباقي أقرانهم كالعاملين في وزارات الكهرباء والنفط ومكاتب المفتشين العام والرئاسات الثلاث، الا أن هذه الاجازة هي اختيارية لا اجبارية لهم، وبالتالي الامتثال لها او طلبها من قبل هذه الشرائح قد يكون ضعيفاً او لايكاد يذكر.
ثم ان هذه الشرائح قد اعتادت على نمط استهلاكي معين يتناسب وما تتقاضاه من رواتب، وهذا قد يضر بخياراتها الاستهلاكية، خاصة فيما يتعلق بقضايا السكن والعلاج والتعليم والتزاماتها متوسطة وطويلة الأمد، كما أن الحكومة لم تحدد عدد معين للموظفين المفروض شمولهم بالاجازة، مع استثنائها من هذا القرار رجال الأمن والشرطة والدفاع والخبراء والمستشارين، ونحن نعلم أن هذه الشرائح تمثل طيفا واسعا ليس بالهين في دوائر الحكومة ويتقاضى الكثير منهم خاصة الخبراء والمستشارين رواتب وامتيازات عالية مقارنة بمهاراتهم وشهاداتهم العلمية.
هذا اذا ماعلمنا ان هذا القرار من المستحيل ان يشمل العاملين في القطاع الصحي كالأطباء والممرضين، وكذلك الحال في العاملين في قطاع التعليم كالأساتذة الجامعيين الا فيما ندر، ويشير البعض الى ان مدة الخمس سنوات هي مدة طويلة نسبياً، وفي ظل ظروف كظروف العراق السياسية والاقتصادية والأمنية، قد تعرض الموظفين الى أزمات جديدة ومشاكل عديدة، كارتفاع الاسعار وزيادة الاستهلاك وتقلبات اسعار الصرف وقيمة العملة المحلية، اذ من الممكن أن تكون المدة أقل وأن تصل الى سنتين او ثلاث، بالإضافة الى امكانية فشل هذا القرار في تحقيق اهدافه، حاله كحال باقي القرارات كقرار الادخار الاجباري وبيع السندات الحكومية للقطاع الخاص والجمهور، وبالتالي دفع الحكومة مضطرة الى الاستدانة من الخارج كحل للوضع المالي في البلد.
وكمحصلة نهائية نجد أن ثمة هناك مخارج أخرى ممكن أن تكون مرافقة لهكذا قرار ومن شأنها أن تساهم ولو بالشيء البسيط في معالجة مشكلة التقشف المالي، والتي منها إجراء تعديلات في قانون الخدمة المدنية والتقاعد، خاصة فيما يتعلق بالمخصصات الاضافية وتقليل الفوارق الطبقية في دخول الموظفين وبشكل مراحل ممنهجة مستندة الى معايير سوقية واقتصادية حتى لاتتضرر دخول هذه الشرائح بشكل مباشر وصادم.
بالاضافة الى ما يتعلق بتنظيم نظام الاسعار في البلد ومراقبته بالشكل الذي يمنع من حصول ضغوط تضخمية تساهم في رفع الاسعار او حصول ضغوط انكماشية قد تضر بالمشروعات والاستثمارات، بما في ذلك ضبط اسعار الصرف المحلية، واعادة تنظيم عقود العمل في القطاع الخاص او تشريع قانون ينظم العمل في القطاع الخاص حتى على صعيد الاعمال الصغيرة والبسيطة، اي تحديد مستوى الأجور في القطاع الخاص وضمن عقود منظمة بين العامل وصاحب العمل، كون أن الأجور في هذا القطاع لاتخضع لأي ضوابط قانونية او تنظيمية او اقتصادية، كمقاولي البناء وأصحاب التاكسي وباصات النقل الخاصة ومحال بيع الالبسة والاجهزة الكهربائية وماشابه، وبالتالي فأن ضمان نجاح خطة الحكومة في معالجة الوضع المالي السيء، يشترط أن تكون حزمة من المعالجات الواقعية والمنطلقة من اُسس علمية اقتصادية تشمل جميع المتغيرات الموجودة في المجتمع، والا فإن هذا القرار لن يساعد او يساهم في معالجة المشكلة وكما هو مرسوم له.
اضف تعليق