تسير عملية تحرير الموصل على قدم وساق وبسرعة غير متوقعة، واكد ذلك رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي قال بان التقدم السريع للقوات العراقية كان اسرع مما خطط له، وهذا الكلام لا مبالغة فيه فحتى هذه اللحظة التي نكتب فيها المقال أعلنت قيادة العمليات المشتركة عن اقتحامها قضاء الحمدانية الواقع على بعد نحو 25 كيلومترا إلى الشرق من مدينة الموصل.
الخبراء العسكريون يؤكدون ان العمليات الخاطفة مهمة جدا لا سيما في ظل حرب العصابات التي تتبناها داعش، الا ان ذلك لا يخفي خطرا كامنا وراء هذا الانهيار السريع لداعش، فالمخاوف تدور حول احتمالية عودة الجماعة الارهابية الى ستراتيجيتها السابقة من خلال ضرب المدنيين واقتحام المدن بعد الاستعانة بالحواضن داخلها، او تنشيط الخلايا النائمة _ خلف عناوين عدة.
مسلحون من "داعش"، بينهم انتحاريون وقناصون، شنوا هجمات على عدد من المقرات الحكومية والأمنية في عدة مناطق من مدينة كركوك، ومن بين المقرات التي استهدفها الهجوم، مديرية الأمن، ومقر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ومحطة كهرباء "الدبس"، شمال غربي المدينة، واسفر عن استشهاد 46 شخصا على الأقل وإصابة 133 آخرين، معظمهم من رجال الأمن. لكن القوات الامنية عادت للسيطرة على الوضع بعد قتل جميع المهاجمين.
بعض الخبراء اشاروا الى ان قدرة داعش على فتح ثغرة في كركوك يمثل خللا استراتيجيا في خطة تحرير الموصل، فيما يرى اخرون انه كان نتيجة طبيعية في ظل الضغط الكبير الذي تعانيه داعش، لكن الاخطر من ذلك هو احتمالية فتح جبهة جديدة في العاصمة او المدن القريبة منها، واذا راجعنا سجل المعارك السابقة مع داعش نجد انها لم تتخلى عن اسلوب مشاغلة القوات العراقية مت خلال ضرب المدنيين داخل الاحياء السكنية او الاسواق، حتى ان المواطن لم يعد يصدق بهذا التفسير الحكومي لاستراتيجية داعش، بل ان البعض ذهب الى اتهام الحكومة بالتقصير وعدم القدرة على حماية المدنيين وان لا علاقة لكل الاعتداءات الارهابية بما يحصل في ميدان المعارك.
ورد الفعل الشعبي السلبي هو الذي يريده داعش من اجل تحشيد الشارع ضدها وتشتيت الجهد العسكري، مع التشديد على قتل اكثر عدد من الناس بغية نشر الذعر والخوف في صفوف الجميع سواء كانوا مدنيين او عسكريين. انها استراتيجية الرعب او فن ادارة التوحش الذي تسير جماعة داعش على منهاجه.
ومن يفتخر بقتل الاطفال لا يخجل من اقتياد عوائل كاملة كرهائن من اجل منع تقدم القوات العراقية واستخدامهم كدروع بشرية، وفي هذا السياق قالت متحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يوم الجمعة، إن ارهابي "داعش" اقتادوا 550 عائلة من قرى حول مدينة الموصل العراقية ويحتجزونها قرب مواقع للتنظيم في المدينة لاستخدامها كدروع بشرية على الأرجح. وقالت المتحدثة رافينا شمدساني إن "معلومات موثقة" تشير إلى أن التنظيم قتل 40 مدنيا في قرية واحدة.
ان اكثر ما يفسد الخطط الحربية هو الشعور بالتفوق، وغلبة نشوة النصر والتي غالبا ما تكون تصبح فخا يحطم كل الجهود المبذولة من قبل القطعات العسكرية، ولسنا هنا بصدد اثارة الرعب والخوف في صفوف المواطنين او القطعات العسكرية، بقدر ما ندعو الى اليقضة والحذر من امكانية فتح العدو لجبهات جديدة قد يصعب الانتهاء منها.
داعش وغيرها من الجماعات الارهابية لا تستطيع الثبات امام الجيوش النظامية خاصة مع ضعف الموارد ومقتل ابرز قياداتها المهمة، ولكن يجب الاعتراف بانها قوية بل وقوية جدا في حال عودتها لاسلوب المفخخات وتفجير الاسواق والمدن، او في حال فتحها لثغرات تستطيع من خلالها شن هجمات خاطفة تعكر اجواء الانتصارات العراقية المتواصلة من ارض الموصل.
المواطن العراقي يقف اليوم يترقب ساعة اعلان النصر النهائي والقضاء على احتلال داعش لمدينة الموصل، لتبدأ بعد ذلك عملية اعمار ما دمره التظيم الارهابي، رغم ان الحزن الذي اصاب ضحايا جرائمه او ذويهم قد لا يمكن علاجه لسنين.
اضف تعليق