لم يتبقى للرئيس أوباما في منصبه غير فترة لا تزيد الا قليلا عن أربعة أشهر وفقط الذين يؤمنون بالمعجزات قد يتوقعون منه ان يفعل شيئا لموضوع حق الفلسطينيين في اقامة دولتهم الذي ترفضه اسرائيل فيما تعترف به أكثرية دول العالم. الرئيس أوباما كغيره من الرؤساء الأمريكيين الأموات منهم والأحياء يبدئون حال دخولهم البيت الأبيض باجتماعات مع ممثلي الفلسطينيين والإسرائيليين وأحيانا مع القادة العرب فيتبادلون التمنيات ويطلقون الوعود الواثقة وبعد نهاية اللقاءات يذهب كل في طريقه، الفلسطينيون الى سجنهم والاسرائيليون الى الثكنات بانتظار الرئيس الأمريكي الجديد واللقاء المنتظر معه.
لقد أثبت الرئيس أوباما أنه ليس فقط أقلهم حماسا بل اضعفهم على الاطلاق ولهذا بالذات تم على مايبدو منحه جائزة نوبل للسلام. فباستعراض سجله التاريخي خلال فترة الثمانية سنوات لولايته لا يجد الباحث مثلي أي شيء يدلل على جهد مثمر وبناء مهما كان صغيرا لنصرة الشعوب المنكوبة أو اعلاء قيم الحرية وحقوق البشر.
الحالة السائدة في ليبيا وسوريا واليمن هي نتيجة مباشرة لسياسة حكومته ولا اقول سياسته لأني أدرك تمام الادراك قوة اللوبيات في المجتمع الأمريكي وامتداداتها داخل السياسة الخارجية الأمريكية. المؤسسة الصناعية العسكرية لها لوبياتها الفاعلة وتأثيرها القوي على صانعي القرار في الحكومة كما في مجلسي الكونغرس والرئيس أوباما غير مستثنى فهو يخضع لتوازناتها ولا يمكنه أن التحرر منها بصورة كاملة بمعنى أن له حيزا واسعا للتصرف وفرض الرأي الذي يخدم سياسة بلاده وهو بذلك لا يشذ عن العديد من الرؤساء الأمريكيين السابقين، لكنه لم يستخدم هذا الحق أيضا.
لقد أطاح بنظام الزعيم الليبي معمر القذافي وكان بإمكانه أن يحافظ على حياة الرجل على الأقل احتراما لأجواء اللقاء الودي الذي جمعه به شخصيا عندما حل القذافي في نيويورك لحضور اجتماعات الدورة العامة للهيئة العالمية لكنه لم يفعل وبذلك يكون كمن ارتكب جريمة قتل عمدا مع سبق الاصرار. والرئيس شاهد على ما ارتكبه هو نفسه بحق ليبيا والليبيين، فها هي ليبيا بعد أكثر من خمس سنوات على اغتيال القذافي وتدخله غير المشروع بإطاحته بنظامها وحربه الخاطفة ضدها قد انحدرت من دولة مستقرة الى اللادولة واللانظام وتحول شعبها الأكثر رخاء بين شعوب العالم الى أفقرها. لم يستفد الرئيس أوباما من أخطاء الرؤساء الأمريكيين السابقين، بل لم يستفد من خطأه هو ومن خطأ سلفه الرئيس بوش الذي خلفت مغامراته في أفغانستان والعراق ملايين من القتلى والجرحى والمهجرين عن سكناهم ومدنهم.
وبينما كانت تبعات حربه ضد ليبيا حية أمامه باشر أوباما محاولاته لإسقاط النظام في سوريا وعندما لم تسمح له روسيا بشن عدوانه المباشر عليها واسقاط نظامها وقتل رئيسها حشد أوباش دول الخليج للتدخل نيابة عنه في اشعال الحرب الاهلية السورية المستمرة للعام السادس على التوالي التي كلفت لحد الآن عشرات الآلاف من الضحايا وتدمير مئات المدن والقرى. فالحرب هذه ما كانت لتستمر شهورا لولا دعم دول الخليج العميلة له التي تولت تجنيد الارهابيين وامدادهم بالسلاح المورد من قبل تجار سلاح أمريكيين.
التدخل الامريكي ضد الحكومة القائمة في سوريا هو مخالفة صريحة للقانون الدولي الذي من المفترض ان تكون هي أول من يحترمه ويعمل على استتبابه وليس ذلك فحسب، بل أصبح لها منظماتها الجهادية الارهابية التي تحارب باسمها تحت عنوان المعارضة السياسية. لقد كتب الكثير عن الدور الأمريكي التخريبي في الدولتين ليبيا وسوريا منذ عام 2011 عندما انفجرت الأزمة السياسية في البلدين تحت يافطة ما سمي حينها انتحالا "بالربيع العربي"، لكننا هنا نوجه الانتباه الى ما يجري في اليمن الذي كان يوما ما سعيدا.
فالولايات المتحدة الأمريكية حاضرة في اليمن بأسلحتها ودعمها غير المشروط للسعودية التي ترتكب حرب ابادة بحق الأطفال والنساء والشيوخ في ظل صمت اعلامي غربي شامل. ففي ولاية الرئيس أوباما وقع مع السعودية 42 عقدا لبيع الاسلحة بلغت قيمتها 110 بليون دولار وفي عام 2015 وحده صدرت الولايات المتحدة أسلحة بقيمة 1,15 بليون دولار وبذلك يكون الرئيس أوباما أكثر الرؤساء الأمريكيين بيعا للسلاح للسعودية وهو يعرف وحكومته تعرف التبعات الكارثية لتلك الأسلحة على حياة اليمنيين الفقراء، لكن رغم ذلك لم تحركه اية مشاعر انسانية داخله ليقول للقتلة الأوغاد في الخليج كفى..
لقد تقدم 64 عضوا من مجلس النواب و27 عضوا من مجلس الشيوخ الأمريكيين بمشروع قرار يمنع اتمام صفقة تصدير السلاح للسعودية لمعرفتهم بتورط السعودية بارتكاب جرائم حرب ضد اليمنيين العزل، لكن الرئيس أوباما استخدم حق النقض الذي يتمتع به وفق الدستور الأمريكي فأوقف تشريع مسودة القرار الذي اقترحه المشرعون. فمنذ بدء عدوان السعودية وحليفاتها في الخليج العربي أزهقت حياة أكثر من 10,000 مواطن يمني غالبيتهم من المدنيين وهجرة أكثر من ثلاثة ملايين لبيوتهم ومدنهم بينما تهدد المجاعة ونقص الدواء والعلاج21 مليونا من سكان اليمن.
وبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للاغاثة الانسانية فان ثلث عدد الغارات الجوية على اليمن التي نفذتها الطائرات الأمريكية والسعودية وحليفاتها الخليجيات في الفترة من آذار 2015 حتى آب عام 2016 قد أصاب مباشرة مواقع مدنية بينها مستشفيات ومدارس ومساجد ومراكز ادارية حكومية. وأورد التقرير ان 8600 غارة قد أصابت 3577 هدفا مدنيا و3015 هدفا عسكريا.
طالبت الحكومة الهولندية الأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي فيما اعتبرته جرائم حرب تجري في اليمن، لكن تلك النداءات قد قوبلت بصمت. كما طالبت أيضا بفتح تحقيق بتورط بريطانيا في الازمة اليمنية حيث قامت هذه بتصدير ما قيمته 5 بلايين دولار من الاسلحة الى السعودية خلال فترة الحرب السعودية على اليمن وهي على معرفة باستخدام تلك الاسلحة في قتل المدنيين اليمنيين كما قامت بعرقلة التحقيق بتلك الجرائم. كما قامت عدة منظمات خيرية لحقوق الانسان والاغاثة الانسانية بتوجيه رسالة الى الأمين العام لمنظمة حقوق الانسان الدولية طالبوا فيها اجراء تحقيق دولي وجمع الأدلة بشأن حماية المدنيين أثناء الحرب وبتقديم المتورطين الى المحكمة الدولية لمواجهة جرائمهم التي ارتكبوها بحق اليمن واليمنيين.
كل هذه الجهود على أهميتها لا تشكل زخما كافيا للضغط على الأطراف المتورطة في الحرب القذرة على اليمن. المطلوب حركة جماهيرية يساهم فيها ذوي الضمير من ناشطي حركة الحقوق المدنية في البلدان الديمقراطية والدول العربية الشقيقة وكافة حملة الراي الحر من الكتاب والصحفيين في داخل دولنا العربية وفي المهاجر فهي وحدها تستطيع وقف تلك الحرب القذرة. لنتقدم بمذكرات الاحتجاج للسفارات والمجالس النيابية والصحافة الدولية كجزء من حملة لإسماع صوت الشعب اليمني الذي ليست له الوسائل للدفاع عن نفسه واسماع صوته الى شعوب العالم.
اضف تعليق