يثير صدور قانون (العدالة ضد رعاة الارهاب) Justice Against Sponsors of Terrorism Act الذي يسمى مختصراً بـ(جاستا) JASTA، في هذا التوقيت علامات استفهام عديدة، وبخاصةً أن أرضيته قد أُعدت منذ ديسمبر عام 2002 بعد الانتهاء من كتابة التقرير المشترك من قبل لجنتي المخابرات في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الاميركي، والذي وردت في طياته الكثير من الحقائق والوثائق والتسجيلات عن تورط تسعة سعوديين من بين (12) في أحداث 11 سبتمبر 2001.
وقد تم رفع هذا التقرير المكون من (838) صفحة الى مدير وكالة المخابرات الاميركية (جورج تنت) من قبل اللجنة المذكورة بتاريخ 29 كانون الثاني 2003 مع مجموعة من التوصيات، نُشر التقرير في حينها عدا (28) صفحة بقيت حبيسة رفوف الكونغرس ووكالة المخابرات المركزية لمدة 15 عاماً، هذا التقرير الذي أُعد من قبل اللجنة المذكورة على مدى 18 شهراً برئاسة حاكم نيوجيرسي السابق، توماس كين، وعضوية 5 ديمقراطيين و5 جمهوريين، باستجواب 1200 شخص من عشر دول، كما نظرت اللجنة في أكثر من مليونين و500 صفحة من الوثائق، إلا أن إدارة بوش ارتأت حينها الإبقاء على 28 صفحة سرية ولم تنشرها.
ماذا تحتوي الصفحات الـ(28) وماهي ظروف نشرها؟
تحتوي هذه الصفحات على الاتي:
• أن هناك علاقة محتملة بين منفذي هجمات 11 سبتمبر والحكومة السعودية.
• إن الرئيس الاميركي بوش هو الذي اتخذ قراراً بعدم نشر الجزء المتعلق بالسعودية والمكون من (28) صفحة ووافق على نشر بقية التقرير المكون من (838) صفحة.
• تحتوي هذه الصفحات على الداعمين الخارجيين لمنفذي الهجمات المذكورة.
• إن الداعم الخارجي الرئيس لهجمات 11 سبتمبر هي المملكة العربية السعودية.
• نشر الوثائق السرية تتم بموافقة جهتين الاولى هي البيت الابيض والثانية هي الكونغرس، ونشر هذه الوثيقة أُحيط بغموض كبير، إذ لم تحدد الى الان الجهة التي قامت برفع السرية عن الوثيقة، على الرغم من أن الوثائق السرية لا يتم رفع السرية عنها الا بعد (30) عاماً.
• أقر التقرير بأن (على الاقل) ثلاثة من منتسبي جهاز المخابرات السعودية وهم كل من (عمر البيومي، واسامه بسنان، صلاح الحصين) قد اتصلوا اثناء تواجدهم في الولايات المتحدة الاميركية بداعمي التفجيرات قبل حدوثها بشهرين وفقاً لمعلومات الـ FBI.
• أن زوجات بعض منفذي الهجمات وداعميهم قد تلقوا شيكات بمبالغ مالية مختلفة ولعدة مرات من (هيفا بنت سلطان) زوجة السفير السعودي في واشنطن بندر بن سلطان، وكانت هناك شيكات شهرية بمبلغ(2000) دولار محولة الى حساب زوجة اسامة بسنان تحت مسمى (اجور تمريض) ووجد الـ FBI أن زوجة بسنان لم تكن ممرضة.
• تم العثور على رسائل شكر من قبل أحد داعمي التفجيرات (عمر البيومي) موجهة الى السفير السعودي في واشنطن (بندر بن سلطان) لدعمه المالي السخي له.
• أن هؤلاء الأفراد المرتبطين بالحكومة السعودية في الولايات المتحدة قد يكون لهم علاقات أخرى بتنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإرهابية.
(عقيدة اوباما) وولادة قانون جاستا
إن لم يكن الموقف الرسمي الأميركي، بعد تفجيرات 11 سبتمبر، قد حمل السعودية مسئولية هذه الهجمات، إلا أن ثمة تلميحات رسمية وغير رسمية ألقت بالمسئولية على المملكة بشكل غير مباشر حينها بالأخص بسبب أن تنظيم القاعدة المسئول عن هذه الأحداث وزعيمة أسامة بن لادن له جنسية سعودية، بالإضافة إلى تورط تسعة مواطنين سعوديين من أصل (12) منفذ في تلك التفجيرات، لذلك من المحتم ظهور اتجاه داخل الولايات المتحدة يدعو إلى التشكيك في السعودية كحليف ويدعو إلى مراجعة السياسية الخارجية الأمريكية تجاهها إن عاجلاً أم آجلاً، ولكن العلاقات الدولية، لأى بلد، ترتبط بمحددات داخلية وخارجية، ويأتي ارتباطهما من انعكاس المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي تهدف إلى تحقيقها من خلال علاقاتها الخارجية.
فقد ظلت السعودية منذ عقود تشكل أحد أهم اقطاب ارتكاز السياسة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط الى جانب الكيان الصهيوني نتيجة لمجموعة من الاسباب من أهمها الجانب الاقتصادي الذي يشكل النفط قوامه الاساسي، فضلاً عن استثمار العداء السعودي للجمهورية الاسلامية الايرانية في محاصرة الاخيرة من قبل الولايات المتحدة الاميركية ضمن الفضاء الجيو-سياسي لمنطقة الشرق الاوسط، الا أن مع ظهور عقيدة اوباما التي تركزت على أن المنافسة الإقليمية بين السعودية وإيران أدت إلى تغذية النزاعات في اليمن والعراق وسوريا، مطالبة المحور الخليجي بضرورة مشاركة المنطقة مع ايران، وتزامناً مع الوصول الى تحقيق الاتفاق النووي فأن احجار رقعة الشطرنج الذي طالما اشار اليها بريجنسكي بدأت تتغير بما لاتشتهي السفن السعودية.
اضف تعليق