مجلس النواب العراقي يطيح بوزير اخر من وزراء حيدر العبادي من خلال التصويت على سحب الثقة من وزير المالية هوشيار زيباري، الذي ينحدر من التحالف الكردستاني، وجرت عملية التصويت بالاقتراع السري على سحب الثقة من زيباري، اذ وافق158 نائبا على إقالة الوزير، فيما صوت 77 نائبا بالرفض، وتحفظ 14 نائبا على التصويت.
مواقف الكتل السياسية تباينت حول الإقالة بين من يراه استهدافا سياسيا واخرون يقولون انه تحقيق للخطوات الاصلاحية، واعتبر زعيم ائتلاف متحدون أسامة النجيفي أن تصويت مجلس النواب الأربعاء على إقالة وزير المالية عن التحالف الكوردستاني هوشيار زيباري يحمل أبعاداً سياسية، مضيفاً أن "استمرار سحب الثقة عن الوزراء يمهد للإطاحة بحكومة حيدر العبادي في وقت غير مناسب".
موقف النجيفي هذا كان متوقعا لا سيما وانه يرتبط بتحالف وثيق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني الخصم اللدود للحكومة المركزية ويشتهر بعلاقات متوترة مع ائتلاف دولة القانون والكتل المحسوبة عليه. وبذات الاسلوب الذي تحدث فيه النجيفي عدت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب، الأربعاء، سحب الثقة عن وزير المالية هوشيار زيباري "مخالفا للدستور"، مشيرة إلى أن استجواب الوزير سياسي ويحمل في طياته "نوايا ضد جهة سياسية معينة".
وقد يتصور البعض ان حديث الديمقراطي الكردستاني وكتلة متحدون عن الاستهداف السياسي هو اتهام لكتلة دولة القانون والكتل الموالية لها، وبالفعل هذا ما يقصده التحالف البرزاني النجيفي، لكن الديمقراطي الكردستاني لديه خصم جديد بدأ يصعد نجمه بفعل التحالف مع المالكي وهو التكتل الجديد بين التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني، وهم يشعرون بالنشوة والنصر لما تم تحقيقه تحت قبة البرلمان، إذ تم توجيه ضربه قوية لرئيس الاقليم المنتهية ولايته مسعود البرزاني.
عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب كامل الزيدي، رد على اتهامات متحدون والديمقراطي الكردستاني قائلا: ان استجواب واقالة وزير المالية هوشيار زيباري، قانوني ودستوري وخالي من اي ابواب سياسية، وتوعد الزيدي بإجراءات جديدة قد تؤدي الى سقوط رؤوس كبيرة في المالية وديوان الرقابة المالية. بحسب وصفه. ويشاطره في هذا الراي نواب من جبهة الاصلاح بتاكيهم على وجود رغبة جدية لديها بالإطاحة بوزراء فاسدين من كتل اخرى سواء كانوا من التحالف الوطني او اتحاد القوى والكتل الكردية.
بعض التحليلات ذهبت الى الخسارة الاقتصادية التي سوف يتضرر العراق منها بسبب هذه الاقالة، وانها غير مفيدة بالمرة لان البديل سيكون من حزب البرزاني وربما سيكون اسوء من زيباري، وقد انتشر هذا التحليل بشكل لافت لا سيما بعدما نقلته وسائل اعلام كبرى، الا انه يمكن ان يندرج ضمن الحرب الدعائية ضد فريق الاقالة واستخدام ورقة الاقتصاد فيه نوع من استمالة التخويف للشعب بتأزيم الوضع الاقتصادي الذي يعد الهم الاكبر للمواطن بعد الامن.
في المقابل يُنْظَر الى اقالة الزيباري من قبل البرلمان، رغم كونها اقل من مستوى المحاسبة المطلوب، أقوى إنجاز يحسب لصالح عملية الإصلاح السياسي و الاقتصادي ضد معسكر الفساد. ويستدل على هذا الراي الصحفي والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي مؤيد العبودي اذ يرى بانه لا يمكن المقارنة بين وزيباري وغيره لعدة اسباب:
• انه من الرعيل السياسي الذي نشط في كل مؤتمرات العراقية ضد النظام السابق وكان له دور فاعل في معظم فعالياتها.
• هو الوزير الوحيد الذي كان يتم استيزاره، طوعا او كراهية، في كل الحكومات العراقية منذ سقوط النظام البائد، و إكرامه بوزارات سيادية.
• انه يستند الى قاعدة صلبة من التحالفات السياسية التاريخية بين كتلته و حزبه و بقية الأحزاب من مختلف الطوائف و التيارات السياسية. ويعتبر السيد زيباري نفسه فوق مستوى المحاسبة لأنه خال السيد مسعود البارزاني، صديق معظم القيادات الشيعية و السنية و المهيمن على اقليم كوردستان بقوة المال و النفوذ و السلاح و التاريخ.
لكن ورغم عوامل قوته هذه، التي لا تقارن بوزير الدفاع المقال او وزير الداخلية المستقيل، تمت اقالته برلمانيا. (وهذه رسالة قوية مفادها ان هناك وعيا و سعيا برلمانيا بدا جادا في اعادة ثقة المواطن بناخبيه، و آلتي نتمنى ان يكون سعيا حقيقيا و جادا بعدما اصبحتً مفردة "نائب و سياسي عراقي" مقترنة بالفساد و المحاصصة).
الفقرة الاخيرة نخشى ان تكون افيون الاصلاح وقاتله الاول، فمجلس النواب اصبح رمزا للفساد والفشل وكل مقومات التأزيم في العراق، والانتخابات القادمة تحتم على نوابه تحسين صورته امام الجمهور، بما ان هذا الجمهور يبحث عن الاصلاح واصبح شعار الاصلاح طوق النجاة لمن اراد الظفر بالمرحلة القادمة فالواضح انه تأتي عمليات الاقالة في هذا السياق، ليتم تضليل الشعب خلف ستار الاصلاح. وحتى لا نقع في فخ التحليل السطحي لهذا الحدث "الاصلاحي"، ينبغي التذكير بان الاصلاح لم يكن متوقفا على اشخاص بقدر حاجته الى مشاريع حقيقية تؤسس لمرحلة قادمة افضل من الوضع الحالي، ولو كانت الاجواء غير مشحونة بين تحالف المالكي وتحالف البرزاني لتوقعنا ان اقالة زيباري وقبله العبيدي بانها تأتي في سياق العملية الاصلاحية.
لكن ان يقوم نائب باستجواب وزير ومن ثم يصل الامر الى اقالته فهذا يدل على قوة البرلمان بغض النظر عن الدوافع، وهذا هو المكسب الكبير من هذه العملية كلها، ومن المنتظر ان تتحقق المكاسب الاخرى من خلال التأسيس لعملية اصلاحية شاملة تبدأ بالقوانين التي تمهد لاختيار الاصلح سواء كان كرديا ام عربيا. وهذه المرحلة لا يمكن ان نصل اليها في يوم وليلة انما تحتاج الى جهود مضنية والاهم من هذا كله ارادة جادة في تحقيق الاصلاح. ونتمنى ان تنمو هذه الارادة الاصلاحية تحت قبة البرلمان العراقي لتنطلق نحو تحقيق الرفاه الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي لشعب يتشبث بالأمل رغم كل الالم الذي اصابه.
اضف تعليق