في 2 أيلول 2016 توفي إسلام كريموف، رئيس أوزبكستان، والبالغ من العمر 78 عاما اثر إصابته بجلطة دماغية، تُوفي تاركاً أكثر دول وسط آسيا سكانًا في حالة من الفوضى والضبابية السياسية.
ولد (إسلام كريموف) عام 1939، في سمرقند، وانتخب إلى القيادة في أوزبكستان منذ عام 1989 بعد توليه الموقع الأول في الحزب الشيوعي عندما كانت البلاد جزءا من الاتحاد السوفييتي، وفي العام التالي تولى منصب رئيس الدولة وهو المنصب الذي شغله عقب استقلال أوزبكستان عام 1991، ومددت ولايته إلى عام 2000 بموجب استفتاء عام أجري عام 1995، ثم فاز في انتخابات أجريت في تلك السنة دون منافس، وفي استفتاء آخر أجري في عام 2002، مددت فترة ولاية الرئيس من 5 إلى 7 سنوات، وفاز بفترتي ولاية أخريين عقب انتخابات أجريت في كانون الأول 2007 وآذار 2015، وهي انتخابات وصفها معارضون بأنها كانت مزيفة، درس الهندسة والاقتصاد، في جامعات بلاده، وعمل مهندسا في الطيران من 1961 إلى 1966، ثم تولى بعدها مناصب حكومية، يوصف حكمه بالقسوة الشديدة اتجاه معارضيه حيث استخدم الخطر المتمثل في التشدد الإسلامي ذريعة لتغييب حقوق الإنسان، ورغم الانتقادات بخصوص انتهاك حقوق الإنسان وقمع المعارضة السياسية، فإن (كريموف) تقرب من الولايات المتحدة، وأصبح حليفا لها في الحرب على الإرهاب.
وتُعتبر أوزبكستان الدولة ذات الثقل الأكبر ديموغرافياً وتاريخياً في آسيا الوسطى، ويشكل العرق الأوزبكي غالبية سكانها، فيما يدين أغلبية الشعب بالإسلام، عاصمتها طشقند، ومن أهم مدنها سمرقند، وهي إحدى الجمهوريات الإسلامية ذات الطبيعة الفيدرالية ضمن الجمهوريات السوفيتية السابقة، وتضم جمهورية أوزبكستان جمهورية (قراقل باك)، ذات الحكم الذاتي، كما تضم أقاليم لها حكم ذاتي أيضا، يبلغ عددها تسعة أقاليم، منها أقاليم لها شهرة عريقة في تاريخ الإسلام، وهي بخاري وسمرقند وطشقند وخوارزم، فقد قدمت هذه المناطق علماء أثروا على التراث الإسلامي بجهدهم، كان منهم (البخاري والخوارزمي والبيروني والنسائي والزمخشري والترمذي) غيرهم العديد من أعلام التراث الإسلامي.
حصلت أوزبكستان على استقلالها عقب انهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991، وينص دستورها لعام 1992على أن نظام الدولة علماني ديمقراطي، وسكان أوزبكستان ينتمون إلى مجموعة من العناصر أبرزها الأوزبك ويشكلون أغلبية سكانها حيث تصل نسبتهم 68%، ويشكل الروس 10%، ومن القزق 4%، ونسبة مماثلة من الطاجيك، وحوالي 5% من التتار ونصف هذه النسبة من القراقل باك، وكل هذه العناصر مسلمة، ولذلك يشكل المسلمون الأغلبية الكبرى بين سكان أوزبكستان بنسبة 88%، من السكان، وتعود زيادة نسبة المسلمين لانخفاض نسبة السكان الروس إلى الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي وبدء استقلال أوزبكستان حيث تم التضييق على الروس وأشهر الأحداث التي مروا بها (مذبحة وادي فرغانا) الشهيرة التي قتل وهجر فيها كل الروس من ذلك الوادي حتى فرغ تماما من الروس مما دفع الكثير منهم للهجرة إلى روسيا، واللغة الرسمية هي الأوزبكية كما أن جميع الشعب يجيد الروسية وقليلاً منهم يفهم اللغة الفارسية القديمة (الدرية) التي يتكلم بها الناس في طاجيكستان وأفغانستان، وتبلغ مساحة جمهورية أوزبكستان ( 447.400 ) كم، وعدد السكان حوالي ( 31.576.400) مليون نسمة حسب إحصاء 2016.
كل المؤشرات تشير إلى صعوبة معرفة من يخلف الزعيم (كريموف)، فلا توجد في أوزبكستان معارضة رسمية، وتخضع وسائل الإعلام فيها لرقابة سياسية صارمة، واحتمالات أن تتجه البلد التي يبلغ عدد سكانها 31 مليوناً إلى الديمقراطية قليلة، فبعد ربع قرن اتسم بالقمع، وإعدام المتظاهرين، وحكمٍ سلطوي لم يتزعزع، حتى بمقاييس المنطقة، تعامل (كريموف) مع كل مظاهر الاحتجاج بقسوة، فهل سيكون انتقال السلطة سلسا أم وعرا، لهذا هناك عدة أسباب احتمال إن تقود أوزبكستان إلى عدم الاستقرار، ومنها:
1- كان الرئيس أوزبكستان الراحل (كريموف) يبرر سياسة القبضة الحديدية، التي ينتهجها، بالتصدي للمتشددين الإسلاميين في بلاده، التي تقع على حدود أفغانستان، ففي عام 2005 قتلت قواته مئات المتظاهرين رميا بالرصاص في مدينة أنديجان، وأدت المذبحة إلى انهيار العلاقات مع واشنطن، التي كانت تعتبر أوزبكستان قبلها شريكاً استراتيجياً في الحرب على الإرهاب.
2- تقول بعض التقارير من المنطقة إن الأمر أشبه بأيام الكرملين، إذ يتم الانتظار ليرى الشعب من يقف ومن يقول ومن يقود الجنازة، فان سار الأمر وفقاً للخطة فسيكون الانتقال سلساً كما حدث مع (بيردي محمدوف)، هو رئيس تركمانستان الحالي، فقد تسلم وزير الصحة السابق السلطة بعد وفاة الدكتاتور العتيد (صابر مراد نيازوف)، عام 2006، ومضى في إرساء عقيدة من التقديس المبالغ فيه لشخصه، تماماً كسابقه، لكن قليلاً من الناس على دراية بالتوترات الحقيقية في الدوائر الداخلية للبلد المعتم أوزبكستان، ووجود الكثير من التوتر والمساومات خلف الأبواب المغلقة، واحتمال انتقال السلطة في أوزبكستان على غرار الجارة في آسيا الوسطى، تركمانستان، منخفض جداً، فأوزبكستان جمهورية متقلبة للغاية، والدليل على ذلك الأحداث التي وقعت فيها في العقدين الماضيين.
3- يبقى هناك قلق كبير من الحركات المتطرفة والتي تتطلع لأي زعزعة في استقرار البلاد من أجل معاودة نشاطها من جديد، حيث هناك تاريخ حافل من المواجهات بين حركة أوزبكستان الإسلامية وسلطات (كريموف)، ولا يخفى أن الكثير من عناصر داعش اليوم ينتمون للعرقية الأوزبكية، وحسب ما يشاع فإن لهم وضعا خاصا في التنظيم داخل سوريا والعراق واليمن، ويذكر أن أحد منفذي الهجمات على مطار اسطنبول قبل أسابيع كان من الأوزبك، لهذا إن موت الرئيس ( كريموف) وعدم انتخاب رئيس بالسرعة الممكنة، سوف يقوي هذه الحركة وقد تثير الاضطرابات في كل أسيا الوسطى وليس في أوزبكستان وحدها.
4- كما إن أوزبكستان دولة متنوعة عرقياً، بمناطق كانت متنازعة لقرون، وما زالت تحمل إمكانية النزاع، مثل النزعات الانفصالية في شمال غرب منطقة (كاراكالباسكتان)، إضافة إلى وادي فرغانة ذو الكثافة السكانية العالية والذي تعرض للقمع الحكومي الذي بدأ في عام 2005، وتراجعت الدخول في أنحاء البلاد، كما ساهمت اعتقالات موسعة لإرهابيين إسلاميين مزعومين في خلق إحساس بالخوف وانعدام الثقة.
5- يتوقع خبراء سياسيون أن تؤدي وفاته إلى صراع على السلطة بين النخب السياسية في البلاد، وان أي خلاف بينهم قد يشعل حربيا أهلية فيها، فقد تم وضع ابنة الرئيس (كريموف) واسمها (غولنارا كريموفا) عام 2014 تحت الإقامة الجبرية، باتهامها بالانتماء إلى شبكة إجرامية سرقت أصولا تقدر قيمتها بـ 40 مليون دولار، إلا إن بعض المصادر أكدت إن فقدان ( غولنارا) لنفوذها يعود إلى صراع يقال إنه اندلع بينها وبين والدتها وشقيقتها، إضافة إلى تنافسها المحموم مع مدير جهاز الأمن الأوزبكي المتنفذ (رستم عنايتوف)، وعلى الرغم من إن بعض وسائل الإعلام ذكرت أن المرشح الأكثر احتمالًا هو رئيس الوزراء الأوزبكي الحالي، (شوكت ميرزيايف)، وهو يحظى بدعم رئيس الاستخبارات الأوزبكي القوي (رستم إنوياتوف)، إلا إن في برقية دبلوماسية أميركية سرية من 2008 قيل إن (رستم إنوياتوف) يملك معلومات فاضحة (لميرزيايف) وهي كافية للإطاحة به إن هو لم يضمن حماية مصالح (إنوياتوف) الشخصية، كما إن هناك منافس آخر لمنصب الرئيس هو وزير المالية ونائب رئيس الوزراء ( رستم أزيموف)، وهناك احتمال بأن نخبة البلاد ستتفق على رئيس جديد، مع وضع مصالحهم الشخصية الاقتصادية ومصالح أعمالهم في المقام الأول، وقد وصل رئيس الوزراء (ميرزيايف) إلى سمرقند ليتولى ترتيبات الجنازة، وهو ما يضعه في مقدمة السباق الرئاسي.
6- بالإضافة إلى الوضع الداخلي، يقول محللو المنطقة إنه من المهم مراقبة الأوضاع على الحدود بين قرغيزستان وأوزبكستان، فالعديد من الأوزبكيين الأصليين يعيشون جنوبي قرغيزستان، حيث أدى العنف العرقي في عام 2010 إلى مقتل أكثر من 400 شخص، يظل الوضع متوتراً على الحدود، وقد تطورت مواجهات في الأسبوعين الأخيرين حول جزء متنازع عليه من الحدود، وتم احتجاز 4 مواطنين قرغيزيين في سجون الأوزبك، ويخشى المسؤولون في قرغيزستان من أن أي رئيس أوزبكي جديد سيرى ورقة النزاع العرقي مفيدة في توحيد الأمة، لهذا فان انزلاق البلاد إلى حرب إقليمية غير بعيدة منها.
7- في السياسة الخارجية، اتبع (كريموف) سياسة خارجية مستقلة، ولم يصبح موالياً لأميركا أو ورقة بيدها، حتى إنه طرد القاعدة العسكرية الأميركية من أراضي بلاده، وفي الوقت ذاته، فضل البقاء خارج التجمعات التي ضمت جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، إذ انسحبت أوزبكستان من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ولم تنضم إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إلا أنه اعتبر على الدوام روسيا دولة صديقة، كما أجاد الرئيس (كريموف) سياسة اللعب على وتر المصالح الدولية، يساعده في ذلك موقع بلاده الجيوسياسي الهام، مستغلاً التنافس الأميركي- الروسي فـــي منطقة آسيا الوسطى، ليحـصل من هـــذا الطرف أو ذاك على ما يخدم أهداف سياسته في البقاء على رأس السلطة، كما أن التنافس الصيني لم يكن بعيداً عن الأجواء، وطشقند تعتبر شريكا تجاريا رئيسيا لبكين، وكذلك حليف في محاربة الإرهاب والانفصالية، التي تعتبر ملفات أساسية للصين وخصوصاً مع وجود أعداد كبيرة من الايغور في أوزبكستان وعموم آسيا الوسطى، لهذا فان التنافس بين هذه الدول سيكون على أشده على أوزبكستان بعد وفاة الرئيس (كريموف)، خاصة وان أحداث الشرق الأوسط تضغط بكل قوة على أمريكا وروسيا، لهذا سوف تحاول الدولتان كسب أوزبكستان إليهما بكل قوة، فهل يتمكن الزعماء الجدد للدولة إن يلعبوا الدور الذي لعبه الرئيس (كريموف) واخذ التوازنات الدولية بنظر الاعتبار؟
خلاصة القول، أن خلف الرئيس (كريموف) إن لم يحرصوا على انتقال سلمي وامن للسلطة، فان الأوضاع في البلاد ستؤول إلى الفوضى لامحالة، لهذا فهم سوف يحرصون على أن يكون النزاع بينهم خلف الأبواب المغلقة، لان المخاطر قد تصبح مضاعفة إذا لم يستطيعوا الاتفاق على جبهة عامة موحدة، وقد تفلت الأمور من أيديهم إن هم لم يتفقوا على رئيس يضمن استقرار البلاد ومصالحهم الخاصة.
اضف تعليق