ارتبطت "نظرية المؤامرة" بالدول المتخلفة وخاصة العربية منها، والتي غالبا ما تلقي بالفشل على فاعل خارجي لا معالم واضحة له، إذ يغلف بالعداء والسعي للنيل من الامة وامنها وقيمها الراسخة، او محاولة الهيمنة وفرض النفوذ والاستيلاء على مقدراتها الاقتصادية وغيرها من الاعذار التي تطلق على الفشل الحاصل في العالم العربي والمعروفة لدى الغالبية العظمى من سكانه. ورغم ان الكثير من البؤس والفقر والأزمات التي تعشعش في الدول العربية ونظيرتها المتخلفة هو من فعل الاستعمال والدول الكبرى بشكل مباشر او غير مباشر الا ان توظيف نظرية المؤامرة أصبح وصفة جاهزة لإلقاء أي فشل على فاعل خارجي حتى وان كان ذلك متعلق بقضايا محلية قد لا يعلم بها الخارج اطلاقا.
لكن في المقابل يؤمن الفكر الجمعي الغربي بنظرية المؤامرة بشكل قد يفوق ما موجود في الدول المتخلفة بأضعاف، والتحدث عن أمور خيالية ليست غريبة على العقل الأمريكي على سبيل المثال وخاصة فيما يتعلق بالسياسيين الكبار وقادة الدولة، فالتطور العلمي والتكنولوجي لم يمنع الشعب الأمريكي من الوقوع في فخ الخوف من المجهول، وتجسيده، إذ يكثر في المجتمع الأمريكي الحديث عن الكائنات الفضائية، وتأثيرها، ليس فقط على الفرد، بل أيضا على صناع القرار، وسياسة الدولة بشكل عام.
الكثير من السياسيين والرؤساء الأمريكيين، حكوا تجاربهم مع الكائنات الفضائية، كالرئيس الأمريكي رونالد ريجان، الذي حكى عن رؤيته سفينة فضائية، أو صحن طائر، معلق في السماء، كما أن نفس الحادثة تكررت مع الرئيس جيمي كارتر. كما ترتبط سيرة المغنى الشهير "الفيس بريسلي"، بالكائنات الفضائية، فقد رفض محبو "بريسلي"، التسليم بموته إثر جرعة زائدة من المخدر، في بدايات الأربعينيات من عمره، وظلوا يعتقدون أنه مازال حيا، وأنه ربما تعرض لخطف من قبل الكائنات الفضائية، وحتما سيعود إلى الأرض يوما ما.
الانتخابات الامريكية التي تستمر فعالياتها لعدة أشهر كانت ولا تزال ساحة حافلة بنظريات المؤامرة، إذ يتقاذف المرشحون التصريحات التي تلقي بالفشل على هذا الطرف او ذاك وتكون الغلبة في النهاية لمن يجيد فن التضليل السياسي والإعلامي، وفي هذه الانتخابات كانت المرشحة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون أوضح مثال على الاستخدام الكثيف لنظرية التآمر الخارجية. فروسيا هي كبش الفداء لحملتها الانتخابية لمواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
كلينتون أعلنت، أكثر من مرة أن المخابرات الروسية اخترقت أجهزة كمبيوتر اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي واتهمت منافسها الجمهوري دونالد ترامب بإبداء تأييده للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وفي احدى مقابلاتها مع برنامج فوكس نيوز صنداي قالت كلينتون: "نعرف أن أجهزة المخابرات الروسية اخترقت (أجهزة الكمبيوتر) للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي ونعرف أنها رتبت لإطلاق الكثير من هذه الرسائل الإلكترونية ونعرف أن دونالد ترامب أظهر استعداداً مثيراً للقلق لتأييد بوتين... لمساندة بوتين". وهذه الاتهامات لم ترفق باي دليل ملموس يؤكد ضلوع روسيا بالتدخل في الانتخابات الامريكية كما تزعم كلنتون.
جاءت هذه التصريحات على اثر ما كشف عن استخدام كلينتون، حساب بريد إلكتروني خاص بدلاً من حساب تابع للحكومة الأمريكية خلال فترة توليها لمنصب وزيرة للخارجية الأمريكية لفترة أربع سنوات. وأثارت هذه القصة جدلاً كبيراً لاحتمال تعرض السجلات الفيدرالية في الولايات المتحدة للخطر جراء هذا التصرف. وبالتالي فان التفسير الواقعي للحادثة يكشف تقاعس كلنتون عن أداء واجبها بشكل صحيح، واقحام اسم روسيا بالحدث يأتي ضمن السياق المعمول به لتحويل الهزيمة الى نصر وفق القاموس الأمريكي. أي استخدام كافة الأدوات المتاحة لفرض الإرادة واثبات الذات.
في المقابل يطلق بعض الجمهوريون "نظرية مؤامرة"، في الاتجاه الاخر، فالمرشح دونالد ترامب اشتهر بمواقفه السلبية وخطاباته المثير ضد الكثير من الشرائح الاجتماعية والدينية والعرقية (المهاجرون، المسلمون، السود)، وهو ما أدى الى ارتفاع نسبة الرفض للحزب الجمهوري وتشويه سمعته، وفي نظر القوى اليمينية الأمريكية – قد تكون كلينتون المستفيدة من مؤامرة يحيكها لصالحها منافسها الجمهوري، دونالد ترامب.
وتقوم "نظرية المؤامرة الجديدة" هذه على أن دونالد ترامب، الذي كان لسنوات على علاقة جيدة بآل كلينتون وسبق له أن أطلق الكثير من التعليقات الإيجابية بحق الديمقراطيين، ربما يقوم بإطلاق التصريحات العدائية المستفزة للكثير من الشرائح، مثل المسلمين وأصحاب الأصول المكسيكية، من أجل دفع الناس للتصويت لكلينتون.
وفي هذا الإطار، قال في وقت سابق المرشح الجمهوري المنافس لترامب في مرحلة الانتخابات الاولية، كارلي فيورينا، في تعليق له عبر حسابه بموقع تويتر حول تصريحات ترامب حيال المسلمين: "دونالد ترامب هو هدية عيد الميلاد المقدمة لهيلاري كلينتون" في حين كان المنافس البارز الآخر على الترشيح الجمهوري، جيب بوش، أكثر وضوحا في تعليقه بتوتير قائلا: "ربما توصل ترامب إلى اتفاق مع صديقته هيلاري كلينتون... الاستمرار بهذا الطريق سيضمن لها الوصول إلى البيت الأبيض".
هناك الكثير من الشواهد الأخرى على رسوخ فكرة المؤامرة لدى العقلية الامريكية وهي لا تختلف كثيرا عن تلك التي تسوقها الأنظمة الحاكمة في الدول العربية، والانتخابات الامريكية التي يتم تصويرها على انها أرقي أنواع الممارسات الديمقراطية في العالم، لا يتوانى مرشحوها في استخدام أساليب القرون الوسطى من اجل الفوز بثقة الجمهور الأمريكي، ومن يلصق نظرية المؤامرة بالدول المتخلفة يجانب الحقيقة سواء كان قاصدا ام غافلا.
اضف تعليق