المصادر التي يمكن استسقاء معلومات الحرب الدائرة بين القوات الامنية العراقية والمتطوعين الشيعة وغيرهم، المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، متعددة ومتنوعة، فهي اما مصادر رسمية (الحكومة العراقية، اقليم كردستان، التحالف الدولي) او مستقلة (الوكالات المحلية، العالمية، مراسلين...الخ)، او من الاخبار التي تطلقها "داعش" عبر المواقع الجهادي او مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من الوسائل المنتشرة على شبكة الانترنت، وتتراوح الاخبار والتصريحات بين التقارب والتضارب فيما بينها، خصوصا على مستوى المعارك بين الطرفين حول السيطرة (من قبل داعش) او استرداد الاراضي (من قبل القوات الامنية) داخل العراق، والملاحظ من تواتر هذه الاخبار، هو انخفاض مستوى الحماسة بين الطرفين في الآونة الاخيرة عما كان عليه الحال قبل 6 اشهر، وهنا يمكن ان يؤشر المتابع والمراقب بعض الملاحظات:
1. الاندفاع من عناصر تنظيم داعش كان كبيرا وسريعا في هجوم حزيران من العام الماضي، والذي سيطرت من خلاله على مساحات واسعة من اراضي العراق امتدت على 6 محافظات عراقية، بالمقابل كان الاندفاع الرسمي والشعبي لاسترداد هذه المناطق سريعا، ايضا، واستطاع الحد من التوسع في احتلال المزيد من الاراضي وامكانية سقوط العاصمة بغداد.
2. رافق هذا التحدي والاستجابة بين الطرفين بروز التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة الامريكية بتاني شديد (بعد تشكيل حكومة العبادي)، واعتمد في مكافحته لتنظيم داعش، على الضربات الجوية المحدودة، وتقديم الاستشارة العسكرية وتبادل المعلومات الامنية، اضافة الى امكانية تدريب وتسليح الجيش العراقي، وقد وضع التحالف الدولي (من خلال تصريحات المسؤولين الرسميين في الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي) جدولا زمنيا طويلا لإنهاء جود تنظيم داعش في العراق.
3. الفتور العام في مختلف الجبهات العسكرية، بمعنى بقاء الوضع على ما هو عليه، وهو امر يبعث على القلق، سيما وان العديد من العوامل الاخرى التي طفت على سطح الاحداث (ازمة الاقتصاد العراقي بفعل انخفاض اسعار النفط، تأخر عمليات تحرير الموصل، اجراءات مكافحة الفساد داخل الاجهزة الامنية ما زال ضعيفا، العديد من الملفات الخلافية داخل الحكومة العراقية لم تحسم بعد، تأثيرات اخرى بفعل عوامل خارجية متنوعة)، قد تكون من العوامل المعرقلة لسير عمل الحكومة، وهي نقطة تصب في مصلحة التنظيم المتطرف.
4. اقتراب الواقع العراقي من الواقع السوري، فالأراضي العراقية مقسمة بين أكثر من جهة (الحكومة المركزية، حكومة الاقليم، تنظيم داعش) تملك السلطة الفعلية عليها (موارد، سكان، منافذ)، اضافة الى سيناريو تدخل الاطراف الاقليمية والدولية (بصورة مباشرة وغير مباشرة) في لعب الاوراق الامنية والسياسية، تماما كما يحدث في سوريا الان.
لا تربح ولا تخسر
طبعا الحكومة العراقية تمر بوضع اقتصادي وسياسي لا تحسد عليه، بالتالي فان القضية في العراق اكبر من مستواها المحلي، وتحقيق التوازن بين مختلف الاطراف اللاعبة في الساحة العراقية امر ليس باليسير، لكن يمكن للحكومة العراقية ممارسة التعديل وكسر حاله "لا تربح ولا تخسر" التي يمر بها البلد، فهي لا تصب في مصلحته على المدى القريب والمتوسط، فكل يوم يمر على وجود داعش في العراق يعني تحقيقه لمكاسب جديدة، وان لم يفرض سيطرته على مناطق جديدة، لكن من جهة اخرى، فان بقاء سيطرة داعش على قسم من الاراضي العراقية، يعني تمتع داعش بالمزيد من القوة والامكانيات، اضافة الى كسب المزيد من المتعاطفين والعناصر المتطرفة في صفوف التنظيم، كما ان بقاء سيطرة التنظيم على محافظة الموصل (التي يقدر عدد نفوسها 2 مليون نسمة) وغيرها من مدن العراق لن يمر من دون انعكاسات اجتماعية وثقافية سيئة داخل هذا المدن، والتي قد لا تمحو اثارها بسهولة، وهو امر يزداد كلما تأخرت الحكومة في تحرير هذه المدن.
لكن وان اختلفت التحليلات والرؤى المطروحة، تبقى المعركة ضد تنظيم داعش هي قضية كل العراقيين، بل وحتى الرئيس الامريكي الذي اشار في بداية الازمة بان العراقيين عليهم "التوقف عن السير قدما والعودة الى التراخي الذي اضعف البلاد بشكل عام"، بعد ان حذرهم بان "الذئب على الباب"، لذا اقتضى من الحكومة العراقية التعامل بجدية اكبر في مواجهة مستوى المخاطر الجسيمة التي قد يتعرض لها العراق في حال استمرار هذه المعادلة التي تؤدي الى المجهول، وتصب في مصلحة تقوية نفوذ الجماعات المتطرفة، في حين ان العراق يحتاج لتحقيق المزيد من النجاحات العسكرية والسياسية والاستفادة من فرصة التوافق الداخلي والخارجي الموحد في مكافحة تنظيم داعش، وضمان عدم رجوعه او بروز غيرة من التنظيمات المتطرفة داخل العراق، وعدم الاعتماد كثيرا على المعطيات والوعود الدولية التي قد تفكر في اتجاه اخر يؤخر او يعيق سرعة حسم المعركة لصالح الشعب العراقي.
اضف تعليق